الزوجة المستبدة
خالد سعد النجار
تخطئ الزوجة التي تعتقد أنها يمكن أن تشتري سعادتها الزوجية وهناءها من خلال لجوئها إلى السيطرة وتحكم الرأي في مسار الأمور في بيت الزوجية
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
الأسرة المسلمة كيان قوامه الحب والتكافل والتعاون، والزوج في هذه المنظومة هو ربانها القائم بأمرها، والمسؤول عن قيادتها، والزوجة هي المحضن الدافئ لنتاج هذا الكيان، فهي الراعية والموجهة والمعلمة والقدوة والمرجع والملاذ. ولكي تنضبط الأمور في هذا الصرح فلا بد أن يقوم كل طرف بدوره المناط به، فالرجل يحافظ عليها من زعازع الأهواء والخلافات ويقيها من عناصر التدمير والهدم، والمرأة تحضنها من الداخل بالحب والعطف والحنان.
ولقد حدد الإسلام القوامة للرجل وخصه بوظائف تناسبه مثل الإنفاق وصيانة المؤسسة من التفسخ، وتوفير حاجات أفرادها، وما جعلت له القوامة إلا لأنه قوي، خشن، صلب، بطيء الانفعال، يستخدم فكره قبل قلبه، وأبعدت القوامة عن المرأة لأنها رقيقة عاطفية وسريعة الانفعال، وتحكم عواطفها. وهذه القوامة لا تعني إلغاء شخصية المرأة في البيت أو في المجتمع، بل على العكس إنها تهيئ المرأة للتفرغ لمهمتها العظيمة في بناء لبنات المجتمع لتكون قوية متماسكة تستطيع النهوض بالأمة والرقي بها. فالقضية ليست ضعفًا وقوة وإنما هي أدوار ومسؤوليات وحدود ومساحات، لكل منهما ما يناسبه.
ومتى ما تنازل أحد الطرفين عن دوره، وأخذ دور الآخر قهرًا أو تسليمًا فإن هذا إيذان بتخلخل وضعف الكيان الأسري وربما انهياره، فإما أن يفلس وينهار بالطلاق، وإما أن يستمر ضعيفًا مهزوز الأركان يمثل عبئًا على مؤسسات المجتمع الأخرى، وهو عرضة للسقوط في أية لحظة.
فبعض الزوجات مصابات بما يسمى (عقدة الأنوثة) وصاحبة هذه العقدة لا تعنيها أنوثتها، كما لا تعترف بقوامة زوجها وحقه الطبيعي في قيادة الأسرة، بل تشعر دائمًا أنه يستضعفها ويمارس رجولته عليها، فتنفر وتحاول إثبات وجودها وكيانها ونديتها له، فتجلب على نفسها المشاكل، وما لا يحمد عقباه.
فمن أظهر أسباب الطلاق وبخاصة في المجتمعات الشرقية، ظهور الزوجة بمظهر المرأة (المسترجلة)، حيث كشفت بعض الدراسات أن أكثر من 45% من حالات الطلاق التي تتم حاليًا، ترجع إلى محاولة المرأة تمثل شخصية الرجل، فتتحكم بشؤون البيت وتستولي على صلاحيات الرجل التقليدية في إدارته، كما أوضحت هذه الدراسات التي شملت عددًا كبيرًا من حالات الطلاق أن الزوجة المسترجلة والمدمنة للجدل والتي تستعذب البحث عن المشاكل وإثارتها، وتحول بيتها لساحة معارك جدالية، رغبة منها في لفت أنظار الزوج إليها وإلى شخصها إنما تحدث بهذا السلوك المقيت -ودون أن تدري- صدعًا لا يمكن رأبه إلا بالانفصال والطلاق، وهو عادة ما يلجأ إليه الزوج كحل أخير للخلاص من الجو الكئيب الذي خلقته تلك الزوجة.
أسباب ودوافع تمادي المرأة في الجانب السلطوي وتأسدها على زوجها يرجع إلى أسباب عديدة قد تكون وليدة العلاقة الزوجية، وقد تكون من ترسبات الماضي لدى الطرفين:
1ـ ضعف الوازع الديني، الذي يمثل أحد أهم هذه الأسباب، حيث تجهل الزوجة أو تتجاهل عظم حق زوجها عليها ووجوب طاعته واحترامه، فهو جنتها ونارها كما تواترت بذلك نصوص الشريعة الغراء!
2ـ ضعف شخصية الزوج وتراخيه أمام زوجته، ويعتبر من أقوى الأسباب في تسلط الزوجة خاصة منذ بداية الحياة الزوجية، وهذا ما يعبر عنه بـ(الزوج الاتكالى)، وسلبية هذا النوع من الأزواج وضعف شخصيته وتعوده على ترك كل الأمور لزوجته يرجع سببها الرئيسي غالبًا إلى نشأته الأولى حيث تربى وحيدًا أو مدللًا في أسرته ولم يتعود على اتخاذ أي قرار في حياته وكانت أمه هي التي تحركه وتتولى كافة شؤونه.
3- طيبة بعض الأزواج المفرطة التي قد تصل لحد السذاجة خاصة في بواكير الحياة الزوجية، فتجد الزوجة مدخلاً لفرض شخصيتها وتسلطها، ويرضخ الزوج خوفًا من المشاكل والانفعال وتتمادى الزوجة في ظل هذا الخنوع.
4- قوة شخصية الزوجة وثقتها الشديدة بنفسها مما يجعلها متسلطة خاصة إن وجدت الجو مهيأً لممارسة نفوذها!
5- مال الزوجة له دور كبير في فرضها لسيطرتها وآرائها الخاصة على الزوج، سواء كانت موظفة أو كان الزوج بخيلاً شحيحًا ويضعف أمام المال، فتعرف مكمن ضعفه وتسيطر عليه من هذا الجانب.
6ـ دور الخلطاء والجلساء، حيث تزين بعض النساء لبعضهن فكرة التسلط وفرض الرأي وعدم التنازل عن المواقف!!
اكسب قلبها:
• حافظ على الود في التعامل معها: أثبت المختصون في مجال العلاقات الإنسانية أن الحفاظ على عوامل الود والحميمية في التعامل بين الأزواج يعد من أسس استمرار العلاقات الناجحة بين أي شريكين، مثل ترك رسالة لطيفة على الطاولة عند مغادرة المنزل، أو إسماع الشريك كلمات إطراء عند الخروج معًا في نزهة أو مكان عام. كذلك يجب عدم أخذ قضية الحب بين الزوجين كأمر مسلم به لا تعتريه التصدعات، بل يجب دائمًا الحفاظ على متانة العلاقة عن طريق الإشعار المستمر والمتبادل للشريك بمدى الحب والارتباط الذي يكنه كل منهما للآخر.
• غض النظر عن صغائر الأمور: فالتغافل عن الأمور الصغيرة أو عدم التعليق على تصرف بسيط له دور أساسي في أن يعم الود والسلام في العلاقة بين أي شريكين، فمثلا نسيان موعد أو التأخر عنه أو عدم القدرة على الوفاء بوعد بسبب الانشغال يجب أن لا يكون سببًا لنزاع كبير، فكون هذه الأمور يمكن أن تحدث لأي شخص فهي في النهاية ليست كوارث كبيرة. ومن المهم جدًا أن يتم حل أي إشكال صغير وتصفية الأجواء دومًا لأن الكبت والتجاهل من شأنه أن يعقد الأمور لدرجة قد يصعب حلها في النهاية مؤذنة بانفجار تراكمي لا يحمد عقباه. لذلك على الشريك أن يعالج المشكلة بأسلوب لطيف وغير عدائي أو استفزازي بحيث يوصل الرسالة إلى الطرف الآخر بأسلوب لطيف وبنفس الوقت يضمن عدم تكرار هذا التصرف السلبي. كذلك يجب دائمًا أن يتم إنهاء النقاش بعبارة إيجابية فمثلا كأن يقال "أنا سعيد جدًا لأننا استطعنا إنهاء سوء التفاهم، الآن يمكننا الخروج للتنزه أو التسوق".
• أبقِ دائرة معارفك مفتوحة: معظم الأزواج يكتفون بدائرة معارفهم وأصدقائهم كما هي بعد الارتباط الزوجي ولا يحاولون التعرف على أصدقاء جدد. لكن أثبتت الدراسات أن هذا التصرف خاطئ وأنه يجب دائمًا البحث عن أصدقاء ومعارف جدد، لأن ذلك يساعد في تخفيف الضغط عن الشريك، فتعدد وتنوع الأصدقاء يتيح فرصة للفضفضة وتفريغ شحنات الضغط العاطفي والنفسي الواقع على الشريك. كذلك وضع جهد إضافي في التعرف على الناس الجدد وعمل صداقات جديدة سوف تثبت لنفسك أن حياتك الاجتماعية وقدرتك على اكتساب معارف جدد لم تنتهي بارتباطك بشريكك.
• قم بحديث جدي حول علاقتك بالشريك: فلقد أثبت الباحثون الاجتماعيون أن الحديث عن وضع العلاقة بين الشريكين هو أمر صحي ولا بد منه مع تطور العلاقة بين الشريكين. لذلك يجب أن يتم الحديث جديًا من وقت لآخر ومع تطور العلاقة حتى يطمئن كل شريك أن الطرف الآخر سعيد بسير الأمور وكذلك للاطمئنان أنه لا يوجد أي إشكالات تحت السطح. فكل مشكلة كبيرة كان أساسها سوء تفاهم بسيط، وهذه الأحاديث يمكن أن تخفف ضغوطا كبيرة على العلاقة المستقبلية.
• ابتكر عادات وطقوسًا رومانسية جديدة: تعمد أداء العادات القديمة سوف يصيب العلاقة الزوجية بالرتابة والملل. مثل: ارتياد نفس المطعم والجلوس على نفس الطاولة وتناول نفس الطعام الذي اعتدتما عليه منذ بداية علاقتكما، كل هذا يوقعكما في مصيدة الروتين، فتفقدا الأمور الرومانسية التي كنتما تستمعان بها. لذلك ينصح دائما بتنوع المواقف الرومانسية الجديدة التي تعيد للحياة الزوجية لونها وبهجتها، فكلما تطورنا تختلف مفاهيمنا من يوم لآخر فكذلك الأمور المشتركة التي اعتدتما القيام بها لا بد أن تتطور وتتغير معنا.
وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، فتخطئ الزوجة التي تعتقد أنها يمكن أن تشتري سعادتها الزوجية وهناءها من خلال لجوئها إلى السيطرة وتحكم الرأي في مسار الأمور في بيت الزوجية، فالرضا والهناء ليسا في السيطرة على الآخرين، وإجبارهم على التقيد بأشياء لا يرونها مقنعة، إنما بالإقناع والمناقشة الهادئة، وللأسف هناك نوع من الزوجات ممن يشعرن بالرغبة القوية والإشباع الداخلي في إرغام الأزواج على التقيد بما يردن إرضاء لغرورهن من دون أن يدركن أن تماديهن في هذا الأمر قد يدفع الأزواج إلى العناد والإصرار والتحكم أكثر من ذي قبل مما يعمق هوة الخلافات والمشاكل بينهم.
وعن تفشي ظاهرة المرأة المسترجلة، هل يمكن أن نقول وداعًا لشريكة الأمس التي كان الرجل الشرقي يختارها بفم (يأكل ولا يتكلم)، عطوفة، مستكينة لا تحاسب ولا تجادل، قنوعة، تعيش مع زوجها على الحلوة والمرة وهمها الوحيد كسب رضاه، ونستبدلها بزوجة (سوبر ستار) صاحبة فكر وعضلات، مرنة تتحمل كل مسؤوليات الأسرة ثم تنقلب فجأة لتصبح أنثى متى أراد زوجها؟!