مصر والعبور الحضاري
حسن الخليفة عثمان
ما يحدث في مصر الآن هو إعداد وتهيئة الساحة المصرية لإعادة أغلبية السكان والمواطنين إلى جمهورية الخوف والجوع مقابل أن يظفروا بموتٍ بطئٍ بدلًا من أن يحصدهم رصاص وقناصة وطيران سلطة الانقلاب.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
إذا كان من المهم القراءة العميقة والإحاطة الشاملة بالتطورات والأخطار التي تواجهنا، والنوازل والملمات التي تنزل وتُلم بنا على مدار الساعة، والتي من أهدافها إعادة شعوبٍ بعينها إلى عصر الصيد بقوسه ورمحه، فيما ترفل شعوبٌ أخرى في عصر المعلومات والمعرفة، أو إعادة بناء جمهوريات الخوف والجوع وسلخانات التعذيب التي تفرز التكفير والإرهاب؛ فإن الأهم هو الإهتمام بما يحقق العبور الحضاري، والسير نحو المستقبل برؤيةٍ وأهدافٍ واضحةٍ ومحددة، وعدم السماح بعودة جمهوريات الخوف وجرائمها التي ملأت العالم إجرامًا وإرهابًا.
- في أقل من ثلاث دقائق أنجز المواطن المصري الملهم سائق التوك توك ما لم ينجزه غيره من الذين أنفقوا عشرات الآلاف من الدولارات من خزائن هذه الأمة في أكثر من ثلاث سنوات!
- سائق التوك توك حين قال:" نتفرج على التلفزيون نلاقي مصر فيينا، ننزل في الشارع نلاقيها بنت عم الصومال" سطّر من الإعجاز والإلهام والتأثير ما لم تصل إليه منابرٌ إعلامية أُنفق عليها مئات الآلاف من الجنيهات والدولارات.
- حين تحدث سائق التوك توك في حواره عن التعليم والصحة والزراعة التي لخص بها عوامل النهضة من وجهة نظره فقد شارك برؤية جزئية لا يختلف عليها عاقلان.
- جاءت كلمات سائق التوك توك معطرة بأثر الخبز الحلال، والسعي النظيف على العيال، وصدق الإنسان الذي يعالج الحياة ببطولةٍ وشرفٍ وإباء، لا تكسره الأنواء، ولا يلهث خلف الأضواء.
- إن الذين يغيرون المسارات ويدفعون دائمًا عجلة التغيير الذي غالبًا ما يلتقط ثماره سماسرة الأديان ولصوص التاريخ؛ هم أولئك المعتصمون بساحات فطرتهم التي فطرهم الله عليها من رفضٍ للظلم، وعفةٍ عن السحت، وصبرٍ على مشقات الحياة، ورجولةٍ عند اللقاء، وإبداعٍ ملهمٍ في اغتنام الفرص التي تتوسل إليهم ليقبلوها دون أن يصنعوها أو يرجوها.
- جاءت كلمات سائق التوك توك كالزلزال العنيف؛ الذي محا آثار جولات الكذبة التي كانت تدور العالم، بينما كانت الحقيقة تتمهل في ارتداء ملابسها الرائعة داخل التوك توك.
- لن يجد صاحب الضمير الحي مشقةً في الوصول إلى حقيقةٍ مفادها: أن ما ارتُكب في حق الكثير من الشعب المصري من جرائم وانتهاكات في الثلاث سنوات الأخيرة أكثر مما ارتُكب في حقهم خلال الثلاثين سنة الماضية.
- في تقديري أن ما يحدث في مصر الآن هو إعداد وتهيئة الساحة المصرية لإعادة أغلبية السكان والمواطنين إلى جمهورية الخوف والجوع مقابل أن يظفروا بموتٍ بطئٍ بدلًا من أن يحصدهم رصاص وقناصة وطيران سلطة الانقلاب.
- لم تمر ساعات طوال على بركان سائق التوك توك الذي طالت حممه كافة الأرجاء حتى حدثت مجزرة إرهابية، تحصد أرواح أبنائنا الجنود في سيناء، وتسمح بتدشين وسم أنا "خريج الكذبة" في مواجهة وسم الصدق والبساطة "أنا خريج توك توك".
- رحم الله ضحايانا الذين فقدناهم من أبناء الجيش والشرطة والمواطنين الأبرياء، وألهم أهلهم الصبر والسلوان، وهيأ لهذا العالم أمر رشد ينعم فيه بالحرية ويعمّ به العدل والسلام والوئام.