أصــــلُ كلِّ شبهةٍ تمكَّنَت؛ شهوةٌ تحَكَّــمَت

إبراهيم بن نبيل سابق

تذكرتُ هذه المقولة العظيمة حينما لفَتَ انتباهي أن كل مؤيدي الظلم والاســتبداد والفســـاد هم من أصحاب المعاصي والكبائر والإسراف على أنفسهم ولا يغرنك كون بعضهم ملتحين فإن من الكبائر ما لا تراه كذلك، وربما لا يراه صاحبه أيضا، كالنميمة والكذب ونقض العهود وخيانة الأمانات والسعي بالإفساد بين الناس ..إلخ مما يفعله كثير من الملتحين كما يشربون الماء الزُلال!

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

تذكرتُ هذه المقولة العظيمة حينما لفَتَ انتباهي أن كل مؤيدي الظلم والاســتبداد والفســـاد هم من أصحاب المعاصي والكبائر والإسراف على أنفسهم ولا يغرنك كون بعضهم ملتحين فإن من الكبائر ما لا تراه كذلك، وربما لا يراه صاحبه أيضا، كالنميمة والكذب ونقض العهود وخيانة الأمانات والسعي بالإفساد بين الناس ..إلخ مما يفعله كثير من الملتحين كما يشربون الماء الزُلال!
إن جمـــيعَ هؤلاء إنما صاروا حطبًا في إشعال نار الظلم، ووقودًا للمســتبد، وخدمًا له وأعوانًا؛ بعد أن فسدت قلوبهم، وقَلَّ إيمانهم، وضاع ورعُهُم، وتاهوا في أودية المعاصي، حتى صاروا عبيدَ مالٍ أو شهوةٍ أو منصبٍ فاستخدمهم المســـتبدُّ كأدواتٍ له وآلاتٍ تعمل لصالحه!
لا، لا أعني أنهم أصحابُ مصالح مع النظام المســتبدّ ولذلك يسعون في سبيل رضــاه!
صحيح أن منهم من هو كذلك؛ يعمل لأجل مصالحه مع علمه أنهم على الباطل وأنه بإعانتهم سائرٌ بقدميه إلى جهـــنم!، لكنَّ الأكثرين من مؤيديه - في تقديري - إنما هم مؤيدون حقًا عن قناعةٍ راسخة في قلوبهم، متجذِّرةٍ في نفوسهم؛ هذه القناعةُ ما نشأت إلا من خلال اخــتلالٍ عظــيمٍ في مفاهيمهم ومبادئهم وقِيَمِهِم وأخلاقهم، وهذا الاخـــتلال بدوره لم يكُن ليحصــل لولا أنهم أسلموا زمامَ أنفسهم لشياطينهم التي ذهبت بهم في دروب المعاصي كلَّ مذهب، حتى استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم أمرَ الله وشرعه ودينه ومنهاجه، ونكَّسَ قلوبهم تنكيسًا عظيمًا فصارت «كالكوز مُجخِّيًا» كما في الحديث الشريف (صحيح مسلم: 144)، فانقلبت عندهم الموازين، فرأوا الحق باطلًا والباطلَ حقًّا، والمعروفَ منكرًا والمنكرَ معروفًا!
وهذا ما جرى - من قبلُ - لقوم فرعون وحِزبِه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}  [الزخرف: 54].

حسـنًا .. لماذا هذا الكلام الآن؟!
هذا الكلام لأن الكثيرين إنما يتصورون أن العمل لرفع الظلم لا بد أن يكون بإتجاه القوة وأخذ الحقوق وانتزاعها أو التوعية بالظلم وفقط!، وهذا في الحقيقة قصورٌ عظيم؛ فإن هذه الأمور إنما هي وســائلُ مشــروعة، لكنها ليست الوحــيدة في هذا الإطــار، بل إن من يعمل لصالح الدعوة وهداية الناس وحثهم على ترك الكبائر والمنكرات والتحلي بمكارم الأخــلاق - ما دام لا يؤيد ظالمًا ولا يشرعنُ له- فإنه يعمل مع الفريق الأول بالتوازي، ويمهِّدُ لهم أرضًا خصبةً وصدورًا منشرحةً لقبول الحق، مستنيرةً بنور الله سبحانه!
فلماذا يعيبُ فريق على صاحبه إذن؟!
ولماذا نهدر الطاقات والأوقات والإمكانات في صدام موهوم؟!
إنني وجدتُ أن كثيرين من أصحاب الأفكار الهدامة من الليبراليين والعلمانيين ونحوهم إنما جنحوا إليها لفسادٍ في قلوبهم، وشهواتٍ في نفوسهم، وخلَلٍ في أخلاقهم، ثم تحوَّلت بعدُ إلى قناعاتٍ راسخة مع مرور الزمان!
أليس لو عالجنا هذا الخلل التربوي منذ المنشأ لوفَّرنا عناءً طويلا ولاختصرنا الطريق وقتلنا الفتنة في مهدها؟!
ألا فاعملوا - معاشــر الدعاة -، واعملوا - معاشر الساسة والمصلحين -، اعملوا ولا تصادموا، ولا تباغضــوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، كما قد أوصاكم خيرُ قدوة وأعظم أُســوةٍ صلى الله عليه وسلم!
وبعد.
فهذه خاطرةٌ لاحت لي غيرَ مرةٍ، وبعد عدة مناقشات مع من يختلفون معي في الفكر والمنهج؛ فأحببتُ أن أسطّرها هنا، رجاءَ أن يفتحَ الله بها قلوبًا، وينيرَ بها دروبــًا.
والحمد لله رب العالمـــين ..