مخاوف الشيخ صالح الحصين

صالح بن عبد الرحمن الحصين

((وقفات من مخاوف الشيخ صالح الحصين رحمه الله-على الأوقاف))-القطاع الثالث

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

ألقى الشيخ صالح الحصين رحمه الله كلمة بعنوان: (تطبيقات الوقف بين الأمس واليوم) في الملتقى الأول لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم عام 1425هـ، وفي الكلمة ما يكشف عن عمق الإدراك عن أهمية الأوقاف في حياة المسلمين في الماضي، وكيف حرص المستعمر على القضاء على فاعليتها بتأميمها أو ترسيمها أو مصادرتها، وما يجب أن تكون عليه في الحاضر بالالتزام بالضوابط الشرعية في أي نظامٍ يُعمل للأوقاف، وأهمية الضوابط في حماية الأوقاف، وخطورة التأميم باسم التنظيم، وفي الكلمة ما يكشف عن تعظيم الغرب لاستقلالية الأوقاف عن النظام الحكومي، مناديًا في ختام كلمته بغيرته المعهودة على الأوقاف إلى التفكير المستقل وإعمال العقل عن حقيقة الأنظمة المتعلقة بالأوقاف، وأهمية بُعدها عن البيروقراطية الحكومية، لتكون لها مخرجاتٌ تنمويةٌ نافعة. ويُلاحظ أن معالي الشيخ صالح الحصين خبير في الأوقاف، كما أنه كان خبيرًا ومستشارًا في التنظيمات الإدارية للدولة رحمه الله رحمةً واسعة.


الوقفة الأولى: الضوابط الشرعية

((لقد ساعد على فاعلية نظام الوقف في حياة المسلمين،المبادئ التي قام عليها وأهمها:

1- امتناع التصرف في أصل الوقف، وقد تحقق بهذا المبدأ حماية الوقف وعدم تعريضه لطيش المتولين عليه أو سوء نيتهم.

2- ما استقر لدى الفقهاء من أن “شرط الواقف الصحيح مثل حكم الشارع” فتحققت بذلك حماية الوقف واطمئنان الواقف إلى استمرار صرف وقفه في الأغراض التي تَهُمّه ويُعنى بها.

3- ولاية القضاء على الأوقاف، فتحققت بذلك حماية الوقف من تدخل السلطات الإدارية الحكومية)).

الوقفة الثانية: أهمية الضوابط في حماية الأوقاف

((أثبت التاريخ أن أي إخلالٍ بمبدأ من هذه المبادئ كان مسماراً يدق في نعش الوقف فحينما استولت الدول الاستعمارية على بلاد المسلمين في القرنين الماضيين، وكانت تدرك أن الصراع السياسي يعتمد في حسمه على نتيجة الصراع الثقافي والحضاري كان هم الاستعمار الأول القضاء على الحضارة الإسلامية أو إضعافها إلى أقصى درجة ممكنة، ولما كان الوقف هو سند الحضارة الإسلامية وأساس قوتها كان من الطبيعي أن يتوجه المستعمر إلى إضعاف نظام الوقف أو القضاء عليه.

وكانت وسيلته في ذلك ادخاله في مجال التنظيم الإداري الحكومي تمهيداً لوضعه تحت سلطة الإدارة وسيطرتها. وحققت هذه السياسة نتائجها فقُضي على نظام الوقف تقريبًا في العالم الإسلامي أو شلت فعاليته. واستمرت هذه السياسة المشؤومة في بلدان العالم الإسلامي حتى بعد زوال الاستعمار)).

الوقفة الثالثة: التنظيم للأوقاف قد يكون بوابةً للتأميم

((إن الإغترار بالشعارات، والانسياق وراء العبارات، والتقليد الأعمى، والانقياد للآراء الشائعة بدون إعمال العقل والتفكير الموضوعي، والغفلة عن موجبات العلم مرضٌ شائعٌ مع الأسف، خليقٌ بأن يزين لنا سوء أعمالنا فتراها حسنة فيَضِل سعينا في الحياة ونحن نحسب أننا نحسن صُنعاً.

ينبغي أن نوقظ إخواننا الصالحين حَسني النية والقصد من غفلتهم، ونفتح عيونهم، على أن تأميم العمل الخيري وبخاصة الوقف خطة تفتقد الحكمة، وهي جديرة بأن تعكس على صاحبها قصده فهو يريد القوة للنظام ونتيجته الطبيعية الضعف، ويريد الإصلاح ومآله الفساد.

إن من المفارقات العجيبة أنه في هذا العصر الذي كشف عن خطأ سياسة التأميم، واتجه بكل قوةٍ إلى الدعوة إلى تخصيص المشاريع، مع ما هو واضحٌ من تأثير التخصيص على العدالة الاجتماعية ومتطلباتها، نرى من أبناء وطننا من أهل الخير والصلاح والعلم، ومن العاملين للإسلام الحاملين همه من يدعو أو يحبذ أو يؤيد السعي لتأميم الأوقاف، وإخضاعها لسيطرة الموظف العام، مع أن نظام الوقف كان في الإسلام وطوال تاريخه من أعظم وسائل العدل الاجتماعي.

الوقفة الرابعة: تعظيم استقلالية الوقف عند الغرب

((ولهذا فإن من أعطوا الحكمة في معاشهم وعلموا ظاهرًا من الحياة الدنيا ممن يسمونهم الدول المتقدمة قد انتبهوا لهذا الأمر فحذروه أشد الحذر.

على سبيل المثال: يوجد في المملكة المتحدة البريطانية، والولايات المتحدة الأمريكة، والدول التي يسود فيها النظام القانوني الإنجلوسكسوني نظام يشبه الوقف يسمى (الترست Trust).

وقد حرصت حكومات هذه البلدان على عدم التدخل في هذا النظام، واقتصرت على إيجاد نوع من الإدارة يهتم بالرقابة، والمعاونة، وتجميع المعلومات، وتقديمها لذوي العلاقات وأبقت لهذا النظام خصوصيته وفرديته، وحذرت أن تتدخل في إدارته وليس المجال متسعًا لبيان نتائج هذه السياسة الحكيمة والتي من أهمها تطور هذا النظام، واتساع نطاقه، وقدرته على التحرك ومواجهة حاجات المجتمع المختلفة، والمتعددة والمتغيرة)).

الوقفة الخامسة: التنبيه لإعمال العلم والعقل

((أيها الإخوة الصالحون الحريصون على شمول الأوقاف ببركات سيطرة الموظف العام، أليس من المحزن أننا في عصر النضج العقلي وسهولة الاطلاع على تجارب الآخرين صائبها وخاطئها نظل أسرى للأوهام، عبيداً للأفكار الشائعة، عاجزين عن الترجيح بين الإيجابيات والسلبيات، ولا نسمع من كل ناعقٍ إلا الدعاء والنداء.

أيها الإخوة: أليس من المحزن بل مما يجعل العين تذرف دمًا لا دمعًا أن نرى في بعض البلدان الإسلامية الأخيار ممن يرغبون في الوقف لا يجدون لأوقافهم مأمنًا من غول الموظف العام وتغوله في بلادهم فيلجؤون إلى إنشاء مؤسساتهم الوقفية في بلدان العالم الصناعي مدركين أنهم إن لم يأمنوا حسن النية من حكوماتها فهم مطمئنون إلى حماية النظام القانوني فيها)).

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

Editorial notes: يُلاحظ في جميع هذه الوقفات الواردة فيما بين الأقواس أنها من نصِّ كلمته الموجودة في مقاله بعنوان: (تطبيقات الوقف بين الأمس واليوم)، بتاريخ 18 يوليو 2012م، على الرابط التالي: http://rowaq.org/?p=19
المصدر: مركز القطاع الثالث والاستشارات الاجتماعية، بتاريخ 19 رمضان 1436هـ (6 يوليو 2015م)، الرابط التالي: http://bit.ly/2eEjpqJ