ثلاثـة حروب في أسبوع! الفضائيات الإسلامية - الوثائق السرية - حرب العملات
حامد بن عبد الله العلي
عصفت في أجواء الأسبوع المنصرم ثلاثـة حروب، ولاتزال أشباحهها تحوم
على المشهد، ومنهـا ماهـو مرشح لمعارك طويلة الأمـد. أولاها حرب
الفضائيات الإسلامية، حيث تعرضت هذه المنابر الهاديـة إلى موجة هجوم،
استهدفتها بالإغلاق، والتهديد.....
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
عصفت في أجواء الأسبوع المنصرم ثلاثـة حروب، ولاتزال أشباحهها تحوم
على المشهد، ومنهـا ماهـو مرشح لمعارك طويلة الأمـد.
أولاها حرب الفضائيات الإسلامية، حيث تعرضت هذه المنابر الهاديـة إلى
موجة هجوم، استهدفتها بالإغلاق، والتهديد، وبوضع شروط تخرجها عن
رسالتها لإعادة السماح لها بالبث.
وقد أصابت سهام هذه الحرب الظالمـة بالأسى قلوب مئات الملايين من
المسلمين الذين وجدوا في هذه الفضائيات الإسلامية مدرسة الإيمان،
والأخلاق السامية، والعفـّة، والفضيلة، والتحليل السياسي المنطلق من
ثوابت الأمة الإسلامية، والثقافة الإسلامية النقيّة المترفّعـة عن
تدخلات السلطات الفاسدة، والزعماء العابثين بكلّ قيم الأمة.
ولايخفى أنـَّه مهما حاول الذين شنُّوا الحرب الظالمة على القنوات
الإسلامية التستُّر وراء أعذارهم الغبيـَّة، فلن يستطيعوا أن يُخفـوا
حقيقة: أنَّ الفضائيات الإسلامية قد ألحقت هزيمة نكراء بخطـاب المجون،
والخنى، والميوعـة، وتشتيت الهويّة، الذي تحمله فضائيات الضياع، تلـك
التي تمـلأ الأجواء العربية، ويقف وراءها أعداء الأمـّة وفق مخطط
تكلَّمنا على ملامحه العامّـة في مقال الأسبوع الماضي (مارواء استهداف
مـدّ التديـُّن).
وقـد كانت هذه الهزيمة لصالح الخطاب الإسلامي القائم على نشر القيم،
وإشاعة الفضيلة، والمحافظة على الهوية، والاعتزاز بالانتماء إلى
الأمـّة، وحمل رسالة الإسلام بروح المسؤولية التي تحلَّى بهـا
السابقون، وعزيمة أجيـال السمـوُّ في عصـور التفوق الحضاري
لأمتنا.
وإضافة إلى ذلك لقد قدمت الفضائيات الإسلامية رموز الحركة الإسلامية
لعموم الأمـَّة، فدخلت شخصياتهـم الطيّبـة كـلَّ بيت، وصاروا نجوما
تضيء فضاء الإعـلام العربـي، مُزيحـةً بذلك (رموز التخنـُّث) التي
يُراد لها أن تكون هي القدوة -وبئس القدوة- للشباب، والشابات!
فأحدثت الفضائيات الإسلامية شرخا خطيرًا في خطـّة الأعداء لإفسـاد
جيـل الشباب.
بـل نشأ جيل جديد من براعم، وشباب، وكهول الإيمان، رجالًا، ونساءً،
الذين يتطلعون للدعاة، والمصلحين، والهداة المؤمنين، على أنهم النماذج
التي يحبُّونهـا معجبين بـها، ويتمنَّون أن يكونوا مستقبلهم.
لقد أظهرت الفضائيات الإسلامية الطبيب المتمسّك بدينه، والخبير
الاقتصادي المعتـزّ بإيمانه، وعالم الطبيعة التي يظهر إعجاز القرآن
مستفيدًا من علمه، والسياسي الذي يحمل هموم أمته الإسلامية، أظهرتهـم
جنبـا إلى جنب مع معلم القرآن، والواعظ الموهوب، والشيخ الذي يدرس
السيرة النبويـة، أو يفتي السائلين في مسائل الفقه.
لقد نشأ وبسرعة مذهلة -بسبب هذه الفضائيات المباركة- جيلٌ متميـِّز
قرآني، يفتخـر بالثقافة الإسلامية، ويجمع بين المعرفة القِيَميِّة
الإيمانية، والحماس الإسلامي للتغيـير، والحنيـن إلى ماضي حضارته
المشـرق.
ولأوّل مرة التفت الأسرة المسلمة أمام برامج تلفزيونية هادفة، نظيفة،
ترتقي بالأسرة إلى آفاق التعليم النقي، وفضاء الترفيه البريء، وميدان
الثقافة الراقية.
وكان في ذلك فضيحة لكلِّ العهد الماضي الذي تولَّت فيه وزارات
الإعلام العربية زمام الفضاء العربي، فملأته بالقاذورات، وأفسدت الذوق
العام العربي، وجرفت شباب الأمـّة، وشاباتها إلى أوحال الرذيلة،
ومهاوي اللخانة، فأنتجت جيلا ممسوخ الهوية، مبلبل الشخصية، مشتت الهدف
في الحياة.
فلما أزعجهـم هذا التحـول النوراني في أجواء أمتنا الربانية، لجأوا
إلى أغبى قرار يدل على جهلهـم بثقافة العصر، وقـرار هو قطع
البث!!
كما هرعـوا إلى تهديد الفضائيات الإسلامية بأنه سوف تُطـرد إذا لم
تفسـد رسالتها وتتشبـَّه بهم - أي بفضائياتهم الساقطة- فيما يبثون من
مواد العهر، والإفساد.
ونسي هؤلاء أنّنا في عصر ثورة الاتصالات، وأنّ الفضاء لم يعـُد
حكـرًا على نظام، ولا سلطة سياسية، وأنّ بينهم وبين أن يتحكَّموا فيه
خـرط القتـاد.
وأنّ الأقمار الصناعية التي ترحب بالفضائيات الإسلامية، لاتُعـدّ،
ولاتحصى، وهي منتشـرة من الصين، إلى آخر بقعة تغرب عليها الشمس،
فتركيا لوحدها لديها عدة أقمار، وقريبا سوف يكون البث على الأقمار
الصناعية من الكمبيوتر المحمول وبأسعار أقل بكثير مما هو اليوم.
إنَّ المستقبل لاريب يحمل كـلّ مبشرات الخير للخطاب الإسلامي، وأنـّه
سيكتسح الشارع العربي، وسيقوده إلى نهضة شاملة، ولن يصمـد شيء أمام
إعصاره القادم.
وإنْ كان في حرب الفجار هذه التي شُنـَّت على الفضائيات الإسلامية من
خير، فهو أنها ينبغي أن تدفـع ملاَّك هذه الفضائيات إلى تأسيس إتحاد
الفضائيات الإسلامية، ليضطلع بمهمة امتلاك أقمار صناعية خاصة
بالفضائيات الإسلامية، لتحمل القيم الإسلامية، والثقافة الحرة التي
لاتخضع لأهواء المفسدين، ولايمكن لأحـد أن يسكـت صوتها الحـرّ.
كما تعمل على الحيلولة دون تكرار ما جرى من الظلـم، بل محاسبة،
ومقاضـاة، أصحاب الأقمار الصناعية على جريمة إيقاف البث، لردعهم عن
هذا الإجرام.
إنَّ هؤلاء المجرمين الذين يقفون وراء حرب الفضائيات الإسلامية
وتشويه صورتها، يعلمون أنَّ عشرات الآلاف من فضائيات التنصيـر تبث على
مدار الساعة، وتتلقى دعما ماليا من الحكومات الغربية، على رأسها
أمريكا، ومن منظمات التبرعات الغربية، وتقول ما شاءت من غير حسيب،
ولارقيـب، وأنها تستهدف في الدرجة الأولى العالم الإسـلامي، وأنه
لايقف في وجهها إلاّ الفضائيات الإسلامية الحاملة لرسالة
الدعـوة.
ولكنهم.. لأنهم يعملـون لحساب نفس الجهات التي تقـف وراء مشاريع
التنصير، فهـم يلاحقون الإعلام الإسلامي، ليفسحوا الطريق أمام مشاريع
التنصير، ومعاول هدم الإسلام!
والخلاصة أنه يجب على حملة الخطاب الإسلامي أن يعوا خطورة سلاح
الإعلام، وأنه ضرورة حضارية عصرية، بل هـو بمثابـة سلاح بقاء،
ووجود.
وأنَّ تأخرهم يوما واحدا في أفق الفضاء يعني خسائر كبيرة لخطابهم،
ولهذا فهـي حرب حقيقية، ولايجوز الاستهانـة بها.
كما يجب أن نعـلم أنَّ بدائل البـث الفضائي العصرية الإعلامية كثيرة
بحمـد الله وأنَّنـا في سعـة من فضائنا، فلنلقن هؤلاء المتغطرسين
الذين يملكون أقمارهم البائسة درسا بمقاطعتهم، واستبدال غيرهم بهم،
ولنسأل الله أن يجعل أقمارهم البائسة خرابا يبابـا.
أما الحرب الثانية فهي حرب الفضائح الأمريكية التي تفجرها مؤسسة
(ويكيليكس)
فقـد نشرت قناة الجزيرة حزمة من تلك الفضائح في نسق إعلامي متميّز،
يلقي الضوء على حجم الجرائم التي ارتكبها الجيش الصليبي الأمريكي،
وكيف أنها كانت تتستّر على جرائمها التي لاتوصف بشاعة، والتي كانت
عُظمها ينزل على رؤوس المدنيين العراقيـين، لاسيما على نقاط التفتيش،
وبواسطة القصف العشوائي.
كما جاء في تلك الوثائق إثباتات قاطعة على أنّ الحكومات المتعاقبة
للعملية السياسية التي جاءت مع المحتل، كانت (حكومـات منظمات سريـّة)
بامتيـاز، تستخدم ميليشيات تُمـوَّل إيرانيـا، ويتم الإشراف عليهـا من
إيران مباشرة، وكيف أنهـا كانت -ولازالت- آلة غاية في الوحشـيّة
للقتل، والتعذيب، والتنكيل بالعراقيين.
وقـد تضمَّنت الوثائق أنَّ هذه الآلة (الإيرانية التمويل والإشراف)،
كانت أشد إجراما عندما وُضعـت تحت تصرف المالكي، وأنها كانت تستهدف
سنة العراق بالدرجة الأولى، إذ كانوا في الاستراتيجية الإيرانية الخطر
الأكبـر على مشروع الهيمنة الإيراني على العراق.
هـذا.. وغيـر خافٍ على المراقبين أنَّ التوقيت التي ظهرت فيه هذه
الوثائق الخطيـرة غير معدوم الصلة بالمشهد السياسي المأزوم في العراق،
وأنـه سيوجه المشهد ضد المشروع الإيراني.
وأنّ الاستخبارات الأمريكية لن تعجزها طريقة ما، لتعقد صفقة مـع موقع
(الويكي ليكس)، بما أنها عجزت عن إيقافه، أو السيطرة عليه.
غيـر أنَّ هذا لايغـيـَّر من حقيقة أنَّ ظاهرة (الويكيلكس) التي هي
أحـد آثـار العولمة الإعلامية، وثورة الاتصـالات، أنها سلاح في غاية
الأهمـيّة في حربنا الحضارية التي نخوضها ضـد المشروع
الصهيوصليبي.
إنّ الإعلام الإسلامي بأمسّ الحاجة اليوم إلى فضائية إسلامية
متخصِّصة بمواجهة الحرب الغربية الإعلامية ضدّ الإسلام، تلك الحرب
الخبيثة التي دأبت على تشويه صورة الإسـلام، وربطـه بصورة مستبشعة تحت
ألفاظ (الإرهاب، والتطـرف، ودمويـة العمليـات الانتحاريـة..
إلخ).
وقـد وفــَّر موقع (الويكي ليكس) مـادَّة وثائقية غاية في الأهميـّة،
يمكنها أن تمُـدّ منبرًا إعلاميـًّا إسلاميّـًا بسيل من مواد البـثّ
لسنوات، لايُحتاج معها إلاّ إلى توجيه المعلومات، وتنسيقها، وتحليلها
بحيث تُعـرِّي هذه الحرب الصليبية الصهيونية البربرية المتوحشة التي
لم تعرف البشرية أشد إجراما منها في التاريخ.
فمتى نرى على الفضاء الإسلامي قناة وثائقية سياسية متخصصة بوضع كلّ
ما يتعلق بالحرب على الإسلام أمام أبصـار، وأسمـاع العالـم، ليشهد
الناس جميعا عدالة قضايانـا، ومدى الظلم الذي تتعرّض لـه شعوبـنا
لاسيما من قـبل التحالف الصهيوغربي؟!
أما الحرب الثالثة فهي حرب العُمْـلات:
إذ لم يعد الحديث عن نشوب حرب العملات في المشهد الاقتصادي العالمي
تخمينا، بل أضحت هذه الحرب حقيقة واقعة، لاسيما بعدما وصف وزير
الخزينة الأمريكي تيموثي غايتنر ما يجري بأنه: ("التحدي الوجودي
الأساسي" الذي يواجه الاقتصاد العالمي، ويهدّد بتقويض عمليـّة إعادة
التوازن التي وافقت القوى الاقتصادية الكبرى على القيام بها استجابة
للأزمة).
وهذه الحرب تدور رحاها بين عدة دول اقتصادية رئيسة في العالم هي
الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، ثم اليابان، وكوريا، والبرازيل،
وقد نشبت من تحت رماد المشكلات الاقتصادية المحلية لكلّ دولة، مثل
البطالـة، والمديونيات الكبيرة، و التفاوت الكبير في سرعة التعافي من
الأزمة المالية العالمية، لاسيما بين أمريكا وغيرها من الدول الصاعدة
اقتصاديـًا بسرعة مذهلة، بسبب العولمة العجيبة التي أخذت تسرع الحياة
بصورة مجنونة، تسرِّع مشكلاتها، كما تسرِّع حلولها.
والعجيب في هذه الحرب أنَّ سلاحها الرئيس هو تخفيض العملة، لأنَّ من
شأن تخفيضها جعـل صادرات الدولـة أرخص سعـرًا، فينمو اقتصادها بسرعة،
وتتمكن من إلحاق الهزيمة بالقدرة التنافسية للاقتصاديات المنافسة في
السوق العالمية.
وحتى تبدو حقيقة مشهد هذه الحرب المستعرة واضحـة، يكفـي أن نعـلم
أنـّه قـد بلغ الأمر بسويسرا إنفاقــها أكثر من 100 مليار دولار لتوقف
استمرار ارتفاع سعر صرف عملتها الفرنك السويسري، وأنَّ دول الاتحاد
الأوربي تجاهـد لفعل نفس الأمـر، غيـر أنّ الحصان الصيني لايزال يجري
بسرعة عجيبة في هذا المضمـار، كأنـّه يسابق الريـح، حتى غدت أمريكا
أشدّ حنقـا على الصين اليوم، مما مضى في تاريخها كـلَّها، فهي تدأب
الآن للتآمر عليها بكلّ سبيل.
نعـم.. فالصين قـد صارت أشـد الأعـداء الذين تواجههـم أمريكا في هذه
الحرب خطـورة، وهي لازالـت تصر على إبقاء عملتها (اليوان الصيني)
منخفضـة لضمان زيادة صادراتها للعالم، ولتوظيف العمالـة الصينية،
ولرفع التكلفة الاقتصادية على المواطن الصيني بالنسبة للبضائع
المستوردة.
وخطورة هذه الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية أنها بمثابة
الإعلان عن بداية النهاية لاعتبار الدولار عملة احتياط استراتيجي في
الاقتصاد العالمي، وبعبـارة أخـرى إنـها تعني العــدِّ التنازلي
لانهيار الدولار عالميا في خضـم عالم اقتصادي متعدد القطبية جديـد،
سيبقى -والله أعلم- إلى أمـد بعيـد.
ويبـدو أنَّ كـلّ محاولات أمريكا لجعل سعر صرف الدولار الأمريكي
متدنٍّ بالنسبة لغيره من العملات المنافسة، لاسيما الصين، لتفادي
الانحـدار أكثر في الهاوية الاقتصادية التي حاقت بها قبل سنتين، باءت
بالفشـل، وأنَّ حال الاقتصاد الأمريكي الذي يرزح تحت ديون قيمة تبلغ
إجمالي ناتجها القومي، لايبشر بخير البتة.
وأحسن وصف لحالة التخبط في الاقتصاد الأمريكي، ما صرح به الاقتصادي
الأميركي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز: "السياسة
الاقتصادية الأميركية لا تفعل شيئا بالنسبة للاقتصاد الأميركي، لكنها
تتسبب بالفوضى في بقية العالم. إنهم يسعون لتطبيق سياسة غريبة
جدًا".
والخلاصة أنَّ حرب العملات قد غدت -على حد تعبير أحد الخبراء-
(فيروسا) يهدد الاقتصاد العالمي، إذ هو يدخل النظام المالي من جديد في
اضطراب يزلزل إقتصادا لم يكـد يتعافى بعـد من أزمته العاصفة
السابقة.
وأخيـرًا فإنْ كان ثمـَّة قاسم مشترك بين هذه الحروب الثلاثة، فهي
أنها من ثمار عصر (الاشتباك العولمي) بين العالم، مما يضيف إلى أعباء
حملة رسالة الإسلام، ضرورة الإحاطة بوسائل العصر، والاستفادة منها
لإبقاء رسالة الدعوة في مستوى حيوية هذا العصر الذي أضحى فيه الفرق
بين الحضارة الحيَّة والميتة، ربما دقائق معدودة تتأخر عن متابعـة
الحدث!
والله الموفق وهـو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون.