كاتالوج الإنسان

أبو محمد بن عبد الله

لا بد من ثورة خلقية روحية تعيد للإنسان إنسانيته،: وهذا ما نادى به فلاسفة غربيون ولا دينيون أصلا، من الكاثوليكيين وغيرهم -في حين صحوة عقلية وتعرية فطرية-

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

إن الإنسان جَسدٌ وروح؛ وهذا هو الإنسان الوحيد الموجود على اليابسة والمتحكِّم فيها، وهذا تركيبه الكامل والوحيد، ولا يمكن أن يصلح شأنه إلا أن يكون (الكاتالوج) المصاحِب لاستخدامه موافقًا لتركيبه، مَعْنِياً بكل أجزائه، وإلا فإنك إذا جئت لتشغيل جهاز كهربائي أو إلكتروني بكتالوجِ جهازٍ آخر يختلف عنه في التركيب والاستخدام، فإنك سوف تفسده بدلاً من أن تصلحه، وتعطِّله بدلا من أن تُشَغِّله، أفلا يُستغرب أو يُعاب أن يكون البشر حقلَ تجارب! إنهم يمنعون بشراً مِن أن يقودَ سيارةً أو طيارةً دون رخصةٍ تثبت صلاحيته لقيادتها، ويمنعون تسليم جهاز لاستصلاحه غير حائزٍ لشهادةٍ تُثبت أهليته لذلك، وربما أضافوا للشهادة التجربةَ التي تُثبت جدارته! أيكون الإنسان أهون عندهم من الآلة؟! ومَن أعطاهم رخصة قيادته بآرائهم، أو شهادة استصلاحه بافتئاتهم؟ ومن أنجز لهم نشرية تسييره، آلله الذي  صَنَعَه وخَلَقَه، أم بشر مثلهم؛ يجهل عن نفسه أكثر مما يعلم عنها؟! لا أحد غير الله يحقَّ له شيء من ذلك: {لَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [ الأعراف، ٥٤]،  {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[ الملك، ١٤].

هكذا هو الإنسان؛ فإنّ أي تسيير له وفق أيَّةِ طريقة أو منهجية غير تلك التي بعثها معه صانعه الخبير بكاملِ تركيبه ، وفصَّل فيها ما يفسده فنهى عنه، وما يصلحه فأمر به؛ إن أي تشغيلٍ له يعود عليه بالإفساد والإتلاف، وليس من منهجٍ يصلح لتسيير الإنسان إلا المنهج الإسلامي الذي ظل الله –سبحانه- يبعث به رسلَه وأنبياءَه(عليهم الصلاة والسلام)؛ يسوسون به أقوامهم، كما قال(صلى الله عليه وسلم): «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء؛ كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي.» الحديث[البخاري برقم: (3455)]، إلى أن ختمهم برسول العالمين محمد(صلى الله عليه وسلم)؛ الذي لم "يكن خطابه لأمة دون أمة ووطن دون وطن، ولكن كان خطابه للنفس البشرية وللضمير الإنساني"[ الندوي، ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين،80 ]؛  فساسَ الأمة المستجيبة خير سياسة، وسلك بها شاطئ الأمان حتى أوصلهم-بإذن الله- إلى بَرِّهِ الآمن، وتركهم على محجته البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، كما قال(صلى الله عليه وسلم): «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرًا؛ فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»[بن ماجة في سننه، برقم: 43، تحقيق الأرناؤوط]، وختم رسالته بنداءٍ عامٍّ وخطاب عالمي يتجاوز القومية والإقليمية وكل الاعتبارات الضَّـيِّقة، وضع فيه النقاط على الحروف، قائلا :« يا أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} »(أحمد في المسند، برقم:[ 23489 ]).

لا بد من ثورة خلقية روحية تعيد للإنسان إنسانيته، وتحرره من استرقاق المادة له، وهذا ما نادى به فلاسفة غربيون لا دينيون أصلا، ومن الكاثوليكيين وغيرهم -في حين صحوة عقلية وتعرية فطرية- ، إذْ يؤكد بعضهم على" ضرورة إنعاش الإيمان والأمل لدى الإنسان" ويرى أن "التطور التاريخي لا يتحقق في يوم واحد، فلا بد من عامل الزمن ليتمكن العقل من السيطرة على الوسائل المادية المروعة التي وضعتها في أيدينا الثورة الصناعية التكنولوجية، ولا بد من عامل الزمن لإنضاج الثورة الخُلُقية والروحية وبعثها من أعماق الخبرة البشرية"[هو ماريتان الكاثوليكي]، فهو يطمح إلى إنضاج ثورة خلقية وروحية في مقابل هذه الثورة المادية التي أفقَدَت الغرب إيمانَه بإنسانية الإنسان.

فما بل قومي والأخلاق عندهم مصداق حسن إسلام ومقتضى إيمانهم، وقربتهم إلى ربهم..؟

مقتبس من رسالتنا: المواطنة في ضوء الفكر الإسلامي