النفع المتعدي

محمد علي يوسف

تعلم ذلك ولا يذوب قلبك حبًا له وشوقًا إليه؟

  • التصنيفات: تربية النفس -

من أكثر الأشياء التي تأخذ بقلب الإنسان لربه وتجعله يدرك مقامه عنده ومودته له، تلك التشريعات التي تحض على نفع الغير أو ما يعرفه العلماء "بالنفع المتعدي*.
أن ينظر الإنسان نظرةً مختلفةً لأحاديث فضائل النفع المتعدي، فذلك حريٌ بأن يجعله منبهرًا بذلك القدر من الرعاية والعناية اللذان يوليه الشرع بهما، هل حاولت يومًا عكس اتجاه تلك التشريعات والنصوص التي تحض على نفع الغير لتتأملها على أنها إنما جُعلت من أجل راحتك وسعادتك ونفعك أنت؟
نعم أنت!، يعاملك الله بها من خلال شرعه، من خلال أوامر ومندوبات قالها نبيه صلى الله عليه وسلم، كلها تقريبًا لو عكست اتجاهها فستفاجأ أنها إنما جُعلت لأجل إسعادك أنت وإدخال السرور على قلبك أنت وتفريج كربك وإزالة همك أنت!.
هلم بنا من خلال السطور القادمة نحاول أن ننظر بتلك النظرة مختلفة الاتجاه:
لقد جعل الله أحب الأعمال إليه سرورًا يدخله الناس على قلبك في الحديث «أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم» (المعجم الأوسط للطبراني) ، ثم استطرد وفصل قائلًا: «أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً أو تَقضِيَ عنهُ دَيْنًا أو تَطرُدَ عنهُ جُوعًا».
وجعل الله خير الناس أنفعهم للناس، وأنت ناس،  فخير الناس أنفعهم لك، من سترك ستره الله، ومن كان في عونك كان هو سبحانه في عونه، ومن نفس عنك كربة من كربات الدنيا فرّج هو عنه كربة من كربات يوم القيامة
من يسر عليك حين إعسارك عن أداء دينك، يسر عليه في الدنيا والآخرة وتجاوز عنه وجعله في ظل عرشه يوم القيامة، ومن أطعمك جعل له غرفًا في الجنة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، بل قد قيض الله أقوامًا اختصهم بالنعم لأجلك أنت وحذرهم إن لم يبذلوها فقد ينزعها منهم، «إنَّ للهِ تعالى أقوامًا يختصُّهم بالنِّعَمِ لمنافعِ العبادِ ، و يُقرُّها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها ، نزعها منهم ، فحولَّها إلى غيرِهم»(صحيح الجامع: 2164)
بل مجرد التبرم بحاجتك قد يكون سببًا في زوال النعم عمن تبرم وتضرر من حاجتك،
«ما من عبدٍ أنعم اللهُ عليه نعمةً فأسبغها عليه ، ثم جعل من حوائجِ الناسِ إليه فتبرَّمَ ؛ فقد عرَّض تلك النعمةَ للزَّوال» (صحيح الترغيب)
أما من علمك خيرًا فقد جعل فضله على غيره كفضل القمر على سائر النجوم وجعل الملائكة والمخلوقات حتى النملة في جحرها يصلون عليه، جعل أحسن القول قول من دعاك إليه وأخذ بيدك لطريق هدايته، وجعل حب الخير لك علامة الإيمان «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»
وجعل إماطة الأذى عن طريقك صدقة بل وسماها شعبة من الإيمان وأدخل رجلا الجنة لأنه أزاح عن طريق كطريقك غصنا لئلا يؤذي أناسًا كمثلك، أما من مشى في قضاء حاجتك فقد بشره أن مشيه ذلك أعظم من اعتكاف شهر في مسجد نبيه، لو أنك زوج جعل جهاد زوجك الفاضلة في إحسانها لك وجعلك سكنك وطاعتك هو خير أعمالها بعد أداء فروضها، ولو أنكِ زوجة فقد جعل خير الرجال زوجك إن كان خيرهم معك وجعل إحسانه إليك ومودته لك ورحمته بك مقصدًا أسمى في زواجكما حتى اللقمة يضعها في فمك جعلها له أعظم صدقةٍ، ولو أنك والد جعل بر أبنائك بك أعظم أعمالهم بعد صلاتهم بل وقدمه على الجهاد في سبيله.
في صحيح مسلم سُئل رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قالَ الصَّلاةُ على وقتِها قيل: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ ثمَّ برُّ الوالدينِ قيل: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ ثمَّ الجهادُ في سبيلِ الله» (رواه مسلم: 125)
ولو أنكِ والدة فقد رغّب أبناءك في حسن صحبتك بجملة جامعة مانعة "الزَمْ رِجْلَها ، فَثَمَّ الجنةُ" بل جعلك أحق الناس وأولاهم بحسن الصحبة وجعل المبدأ الراسخ يقودهم في ذلك ظاهرا جليا "أمك ثم أمك ثم أمك"
وإن كنت مظلوما فقد رغب الخلق في أن يأتوا لك بحقك «من مشى مع مظلومٍ حتى يُثْبِتَ له حقَّه = ثبَّت اللهُ قدمَيه على الصِّراطِ يومَ تزولُ الأقدامُ» (صحيح الترغيب)

وإن كنت ظالمًا فقد أمر الخلق أن يردوك عن ظلمك وجعل ذلك نصرة لك انصر أخاك ظالما أو مظلوما
حتى إن أخطأت وتجاوزت فقد أمر بالستر عليك ونصحك ثم جعل العفو عنك والصفح سببًا من أسباب مغفرته {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ} [النور جزء من الآية: 22]
أما لو افتقرت وأصابك العوز والحاجة فقد جعل لك نصيبا من زكاة الأغنياء ورغبهم في التصدق عليك وسد جوعك وقضاء دينك، بل جعل عدم إشباعك مع العلم والقدرة من قوادح الإيمان «ما آمن بي من بات شبعانَ و جارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به» (صحيح الجامع)، إن كنت يتيما فقد جعل مقام من يكفلك بجواره في الجنة
ولو مرضت لا قدر الله فقد جعل الله زيارتك وتطييب خاطرك من خير أعمال الناس وقيد ملائكة يصلون على من زارك وعاتب من لم يزرك قائلا : «لو زرته لوجدتني عنده»، إذا عطست أوجب على الناس أن يدعو لك بالرحمة، وإذا طلبت نصحًا أمر الخلق أن ينصحوا لك، وإذا مروا بك جعل حقك أن يسلموا عليك وإذا دعوتهم لمناسبة جعل حقك عليهم أن يجيبوا دعوتك، وإن أحبوك في الله سنّ لهم أن يخبروك بذلك ويعلموك، حتى طلاقة الوجه والبسمة التي يلقونك بها جعلها صدقة ورغبهم فيها
تأمل..
رغبهم أن يبتسموا في وجهك، أما إن أطعته وصرت وليًا له فالويل الويل لمن عاداك، قد آذنه الله بالحرب...
«من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب».
تأمل مرة أخرى..
حرب!
حرب من الله فقط لأن ذلك الشخص قد عاداك، أفيجعل لك كل هذا إلا لأنه ودود يتودد لك؟، ثم تعلم ذلك ولا يذوب قلبك حبًا له وشوقًا إليه؟!
معاذ الله..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام