توظيف الطاقات البشرية في المشاركة الدعوية

حسين أحمد عبد القادر

إنَّ العمل على البناء الإيجابي لمسلم أو مسلمة هو بمثابة بناء للأمَّة الإسلاميَّة، وكل جهد مَبذول لتوظيف طاقة بشريَّة لمسلم واحد يترتَّب عليه توظيف الطاقة البشرية للآلاف من المسلمين؛ وذلك للنتيجة المتولدة لتوظيف طاقة المسلم من أثَر متعدٍّ بفضل الله الكريم على غيره من المسلمين.

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله - الدعاة ووسائل الدعوة - الحث على الطاعات -

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

أهمية توظيف الطاقات البشرية:
توظيف الطاقات البشرية هو أحد الآليَّات المميزة للتعاون على البرِّ والتقوى، قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

توظيف الطَّاقات البشرية أحد سُبل الهداية في الإسلام، وبهذا السَّبيل تتحقَّق هداية الغير أيضًا؛ فالأجور موصولةٌ وكثيرة في هذا الشأن؛ فعن سَهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فواللهِ لَأنْ يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَم»؛ (البخاري ومسلم).

توظيف الطاقات البشريَّة يترتب عليه الدلالةُ على الخير، واغتنام حَصيلة كبيرة من الأجور؛ فعن جرير بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فعُمل بها بعده، كُتب له مثلُ أجر من عمل بها، ولا يَنقُصُ من أُجورهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلام سنَّةً سيِّئةً فعُمل بها بعده، كُتب عليه مثلُ وِزر مَن عمل بها، ولا يَنقُصُ من أوزارهم شيءٌ»؛ رواه مسلم.

إن توظيف الطاقات البشريَّة في المشاركة الدعوية هدف إسلاميٌّ عظيم، وآلية دعوية ملحَّة، وهذا التوظيف هو استثمار أمثل للطاقات المهدرة لاستغلال الوقت والمهارة المهدرَة، وبالتوظيف يتمُّ توفير قادة جدد في الدعوة لخدمة دين الله العظيم.

المسؤولون عن توظيف الطاقات البشرية:
المواقع الإسلامية.
المؤسسات الدعوية.
الدعاة وأهل العلم.
كل مسلم حسب طاقته وقدراته وهمَّته في التواصل مع المسلمين.

آلية التوظيف للطاقات البشرية:
لكي يتم تفعيل آلية التوظيف بطريقة مثمِرة هناك بعض العوامل التي يجب التنبُّه لها، وسيتم بيانها كما يلي:
معرفة الطاقات البشرية:
الطاقات البشرية تتمثَّل في كلِّ جهد أو مهارة أو مال يتمُّ بها خدمة الدعوة؛ فهناك الكثير من المشاركات الدعوية التي لا تتطلَّب مهارة خاصَّة، ولكن تتطلَّب فقط العزم والنية الصادقة، وهناك بعض المشاركات التي تتطلَّب مالًا لدعم مؤسَّسة دعوية أو نشاط دعوي بكلِّ صنوفه، وبعض المشاركات الدعوية تتطلَّب مهارة خاصة.

الوصول للطاقات البشرية:
إنَّ آلية التواصل مع الطَّاقات البشرية تتحقَّق باستخدام آليات التواصل الفردي والجماعي بأكثر من طريق، وهذا يستلزم البحث والعناية بالأمر كما يلي:
التواصل الفردي يتحقَّق من خلال المعرفة الشخصيَّة، فيتم التواصل بين دائرة المعارف من الأهل والأصحاب والجيران وغير ذلك، وتحفيزهم على المشاركة الدعويَّة.
التواصل عن طَريق الآليات المختلفة بشكل جماعي؛ مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإسلامية، وصَفحات الدعاة.

أوجه استثمار الطاقات البشرية:
أولًا: التحفيز على استثمار المال:
إنَّ استثمار المال في الدَّعوة من الأمور العظيمة التي قد يغفل البعض ممَّن يملكون المال عنها؛ ولذا فيمكن التواصل مع أصحاب المال وتحفيزهم وبيان فضل هذا الاستثمار؛ وهذا يتطلَّب البحث بكلِّ السبل بالحكمة والموعظة الحسَنة، وبيان عاقبته في الدنيا والقبرِ والآخرة، والتوجيه لبيان فَضل الإنفاق في سبيل الله تعالى كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبويَّة، وهذا بدعم كل السُّبل الدعوية؛ مثل التبرُّع لبعض المؤسسات، أو المشاركة الفردية في طبع المنشورات الدعوية ونشرها بين المسلمين.

أمثلة:
قام الشيخ محمد صالح المنجد ببيان الطُّرق لعمل وَقف شرعي والحث على ذلك، وبيان فضائل الأمر والعاقبة الحسَنَة لمن تبنَّى هذا النهج، وبيَّن استعدادَه لتقديم المشورة والنَّصيحة لكلِّ مَن يريد المشاركة بالتواصل الشَّخصي معه.

قام الداعية ماجد أيوب بعمل فيديو دعوي للحثِّ على التبرُّع لصرح دَعوي، والتحفيز لاغتنام الأثَر المتعدي لذلك.

ثانيًا: استثمار الجهد والوقت:
إنَّ استثمار الوقت والجهد في المشاركة الدعويَّة له أثَر كبير؛ وهذا يشمل عددًا كبيرًا من المسلمين ممَّن توافر فيه الهمَّة والعزم، فيمكن المشاركة في تجميع المقالات الشرعيَّة والمرئيات الدعويَّة وتجميع فوائد علمية من الكتب الشرعيَّة، وهذا الاستثمار يكون في نِطاق التوجيه السليم، والمراقبةِ الموضوعية، والاختيارِ السَّليم للأفراد، والتدريب الفعَّال والتحفيز؛ وذلك مثل الحثِّ على التطوُّع في المؤسسات الدعويَّة والمواقع الإسلامية، والتحفيز لبيان أهميَّة الدعوة وفضلها المتعدي المترتب على الدلالة على الخير كما ورد في السنَّة النبويَّة.

مثال: قام مَوقع طريق الإسلام بالإعلان عن التطوُّع في الموقع للمشاركة في الدَّعوة للاشتراك في أحد الأقسام الدعويَّة المتنوعة به؛ من مقالات ومرئيات وصوتيات، وقسم القرآن الكريم، وغير ذلك من الفعاليات الدعوية.

ثالثًا: المهارة:
استثمار المهارة من الإستراتيجيات ذات الأثَر الكبير؛ فهناك الكثير من الشباب المسلم يَملكون قدرات إبداعيَّة بفضل الله الكريم، وهذه المهارة تتنوَّع ما بين القدرة على التصميم واحتراف مونتاج المواد المرئيَّة والبرمجة، وبالأخص تطبيقات الجوال، وكتابة المقالات الشرعيَّة، والقدرة على الإلقاء والخطابة، وفيما يلي أمثلة لكيفيَّة استخدام هذه المهارات، والمسؤوليَّة الأولى عن توظيف هذه المهارات من نَصيب القائمين على المواقع الإسلامية والمؤسسات الدعوية:
1 - التصميم: هناك الكثير من المسلمين يَملكون القدرةَ على التصميم واستخدام البرامج الخاصَّة به، والتصميم أحد الآليَّات الدعوية الهامَّة؛ ولذا فيمكن استثمار هذه الطاقات بالبحث عنها عن طَريق الإعلان عن التطوُّع في مواقع التواصل الاجتماعي، والبحث عن المنتديات الخاصَّة بالتصميمات ومناشدة ذَوي مهارة التصميم بالتطوُّع، ويتمُّ عمَل خريطة متكاملة لاستثمار هذه المقالات بإعداد خطَّة وفريق عمل لاستخدام هذه المهارة.

أمثلة:
قام موقع البطاقة الدَّعوي بالإعلان عن المشاركة بفكرة لتصميم دعوي.
قام منتدى (مصلِحون) عبر صفحته الرسميَّة بالإعلان عن طلب مصممين للمشاركة في إعداد التصميمات الدعوية.

2 - المونتاج: إنَّ احتراف المونتاج هو أمر ميسَّر، وهناك الكثير من المسلمين ممن يملكون هذه المهارة، والتي يمكن صقلها بالتدريب والتوجيه، والبحث عن أصحاب هذه المهارة سيترتَّب عليه الكثير من الأعمال الدعويَّة، ويتطلَّب الأمر البحث عن أصحاب هذه المهارة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الخاصَّة بالتصميم، والتواصل الفردي مع مَن يملكون هذه المهارة وتوظيفها التوظيف الأمثل.

3 - البرمجة: هناك طاقاتٌ كثيرة مهدرة في هذا الشأن، فيوجد العديد من المبرمجين المحترِفين في برمجة المواقع وتطبيقات الجوَّال، وتطبيقاتُ الجوال لها أهميَّة كبيرة، ويمكن البحث عن أصحاب هذه المهارة؛ وذلك بالتواصل الفردي مع المبرمجين، والإعلان عبر صَفحات التواصل الاجتماعي، والبحث في المنتديات الخاصَّة بالبرمجة وبالأخص تطبيقات الجوال، ويمكن التواصل مع أصحاب البرامج المنشورة على مَتاجر التطبيقات، والمبيَّن فيها البريد الإلكتروني الخاص بهم.

4 - الإلقاء والخطابة: وهذه مهارة مهدرَة إلى حدٍّ كبير، وأحد الأسباب لهذا الإهدار هو عدَم معرفة أهميَّة هذه المهارة؛ فالقدرة على التحدُّث بلغة عربية سليمة ومحفزة إحدى الآليَّات المهمة جدًّا لعمل مقالات صوتيَّة؛ بتحويل المقالات الهامَّة لمقالات صوتية، وأيضًا الكتب الصوتية؛ بتحويل الكتب المقروءة إلى كتب صوتيَّة، والمقالات الصوتية لها دورة إنتاجية قصيرة، فلا تستلزم وقتًا كثيرًا، ويمكن عمل تصميمات دعويَّة والقراءة الصوتية لها؛ لتحويل التصميمات إلى مرئيات، وهذا يشكِّل إضافة عنصر تفاعلي مهم جدًّا، وهذه المهارة تتطلَّب البحث عنها بعناية وتجهيز خطة للتنفيذ.

5 - كتابة المقالات الشرعية:من الآليات الهامَّة في الدعوة كتابة المقالات الشرعية، وهي تتطلَّب البحث عن أصحاب المهارة وتشجيعهم والتواصل الإيجابي معهم، وبيان آلية الكتابة ومصادرها، ويتطلَّب الأمر التواصل الفردي مع أصحاب هذه المهارة، وتجب الإشارة في هذا الصَّدد إلى أنَّ هناك طاقات كامنة تَنتظر فقط تحفيزها والوصول لها وبيان الطَّريق والمنهجية، والتواصلُ الفردي هو أكثر الآليَّات فاعليةً للتحفيز المباشر، إضافة إلى التواصل عن طريق الآليات التكنولوجية.

أمثلة:
شبكة الألوكة تساهم في نشر المقالات الشرعيَّة والترحيب بها.
موقع المختار الإسلامي يساهِم في نشر المقالات الشرعية والترحيب بها.

رسائل هامة في توظيف الطاقات البشرية:
إنَّ توظيف الطاقات البشرية مُتاح للجميع بشكل فردي ومؤسسي؛ فيمكن لكلِّ فرد التواصي مع الغير والبحث عن هذه الطاقات البشرية.
لكي يتم التوظيف بشكلٍ أمثل يجب تحديد الطُّرق المثلى لكيفية التوظيف، وبيان أهميته ومصادره، والتحفيز على أهمية الأمر.
المواقع الإسلامية لها دور رائد في هذا الأمر، ولكن الضرورة تستوجب توسيعَ نطاق البحث، وإعداد خطَّة شاملة، وبناء قدوة لمحاكاتها في هذا الأمر.
إنَّ العمل على البناء الإيجابي لمسلم أو مسلمة هو بمثابة بناء للأمَّة الإسلاميَّة، وكل جهد مَبذول لتوظيف طاقة بشريَّة لمسلم واحد يترتَّب عليه توظيف الطاقة البشرية للآلاف من المسلمين؛ وذلك للنتيجة المتولدة لتوظيف طاقة المسلم من أثَر متعدٍّ بفضل الله الكريم على غيره من المسلمين.
توظيف الطاقات البشرية للنِّساء في الدعوة أمرٌ هام، وينتج ذلك من خلال استثمار المهارات المتاحة، وتدريب الأخوات المسلمات على اكتساب مهارات سريعة، وهذا الأمر له أهميَّة كبيرة؛ فإعداد الفتاة المسلِمة للمشاركة سيساهِم في إعداد الأسرة بأكملها.

نسأل الله القُدُّوسَ ذا الجلال والإكرام أن يَستعملنا ولا يستبدلنا، وأن يرزقنا من فضله الواسع، والحمد لله رب العالمين، ونصلِّي ونسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آلِه وصحبه أجمعين، ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

حسين أحمد عبد القادر