أُسس وضوابط البحث في تاريخ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1)

رحاب حسَّان

لا بد من وجود أسس وقواعد ينبغي للباحث اتباعها وهو يبحث في حياة السيدة عائشة رضي الله عنها ولا يترك الأمر بدون ضوابط وقواعد تقتضي الدقة والتثبت من الأخبار حتى لا يضل المسير.

  • التصنيفات: أخبار السلف الصالح -

مقدمة:

إن البحث في تاريخ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يختلف عن البحث في حياة العظماء أو المشهورين الذين كان لهم نصيب من الذكر على صفحات التاريخ العالمي كما يختلف سرد أحداثه عن أحداث القصص التاريخية والاسترسال في ذكر المواقف بدون حساب ووقفة ورقابة منا فالبحث في تاريخها رضي الله عنها من النظرة الإسلامية مقنن بقواعد وأسس لا ينبغي لكاتب التاريخ أو الباحث أن يخرج عنها وإن حاد عنها فسيرى حتمًا الصورة على غير حقيقتها وقد يقع الكذب والافتراء على زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم يقع في محظورات نهانا عنها الشارع الحكيم.

فثمة أطر نصية ينبغي أن نتحرك داخلها وألا نخرج عن سياقها في أثناء التحدث عن عائشة أم المؤمنين ذلك حين نتفق أن هذا من صميم عقيدتنا الإسلامية ولا تخرج عنه بحال.
إذن فالبحث والقراءة والرواية والكتابة عن حياة هذه السيدة يختلف من النظرة الإسلامية عن غيرها من شخصيات العالم التاريخية، فمن النظرة الشرعية لا يجوز لنا أن نروي عنها إلا صحيح الخبر ولا يجوز سبها ولا التعريض بها.
يقول الإمام أبو زرعة -وهو أجلّ شيوخ الإمام مسلم-‏:‏ "إذا رأيت الرجل يتنقص امرءًا من الصحابة؛ فاعلم أنه زنديق، وذلك أن القرآن حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة؛ فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسُّنَّة؛ فيكون الجرح به أليق، والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق‏.‏ " أ.هـ

ودلالة ذلك أن روايات التاريخ الإسلامي لم يطلها التشوية والتحريف إلا في أعقاب الفتنة التي شهدها صدر الإسلام في عهد عثمان رضي الله عنه والتي تنامت معها الإحن والضغن ضد أعلام أمتنا بهدف الوقيعة بين أتباعهم تارة، وهدم القدوة التي بداخلنا تجاههم، وأهداف هي أعمق من ذلك نتحدث عنها في بحثنا إن شاء الله تعالى.
وترتّب علي ذلك  ظهور الفرق ذات الآراء السياسية المتعارضة والأهواء المذهبية المتعصّبة، ففشا الكذب، ولجأ أتباع هذه الفرق إلى الوضع في الحديث وفي الأخبار.

وهذا ما جعل العلماء يؤكّدون على ضرورة التثبُّت في مصادر الرواية، ويسألون عن الرجال الذين اشتركوا في نقلها، خصوصًا وأن القرآن الكريم والسنّة النبوية يأمران بالتبين والتثبت في خبر الفاسق دون العدل الثقة حتى لا يُصاب أحد بجهالة أو ظلم أو قالَة سوء. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6].
وجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظنَّ، فإن الظن أكذب الحديث» (البخاري:5143)، وقوله: «كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع» (مسلم:5).

وفي شأن الإسناد قال ابن سيرين: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فلينظر إلى أهل السنة فيأخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يأخذ حديثهم".

ومما يدل على هذا قول ابن عباس رضي الله عنه: "إنا كنا نحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يُكذَب عليه، فلما ركب الناس الصعبَ والذلول تركنا الحديث عنه" فعبّر ابن عباس هنا عن الفتنة بقوله ركوب الناس الصعب والذلول، ولذا كان لا يقبل إلا ما يعرف [1] هذا وقد عني علماء التاريخ بالسند والمتن مثلما عني به علماء الحديث وخاصة إذا جاءت الروايات في أمور تقترن بالعقيدة أو تمسها من قريب أو بعيد.

من كل ما تقدم نعلم أنه كان لا بد من وجود أسس وقواعد ينبغي للباحث اتباعها وهو يبحث في حياة السيدة عائشة رضي الله عنها ولا يترك الأمر بدون ضوابط وقواعد تقتضي الدقة والتثبت من الأخبار حتى لا يضل المسير.

--------------------
[1]  تحقيق مواقف الصحابة د. محمد أمحزون