الحرية المطلقة مفسدة مطلقة !

ياسمينة صالح

قرأنا عن أشغال لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة الذي يناقش في جلسته
ال51 بمناسبة الثامن من شهر آذار/مارس "القضاء على جميع أشكال العنف
ضد الطفلة الأنثى"...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


قرأنا عن أشغال لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة الذي يناقش في جلسته ال51 بمناسبة الثامن من شهر آذار/مارس "القضاء على جميع أشكال العنف ضد الطفلة الأنثى". و لست لأناقش هذه الأمور، لأنني على ثقة أن الجميع متفق أن العنف مرفوض سواء ضد الأطفال أو الكبار، بل أريد أن أطرح بعض الأمور التي تبدو لي في غاية الخطورة، بحيث أنها تهمنا جميعا، ألا وهي: إشكالية الدمقرطة الأممية، على طريقة " أنا جورج دابليو بوش سيد هذه الأرض أعدكم بالسلامة بعد اغتصاب أراضيكم!!". سيتهمني الكثير من القراء بأني متخلفة و مقعدة و متطرفة أيضا كما فعل أحد اللبراليين حين انتقدني في أحدى مقالاته و اتهمني "بالسقوط في الفكر الإسلامي المتطرف"، و إن قرأ هذه المقالة سيعرف أنني سعيدة بتطرفي إن كان في النهاية تعبيرا صادقا عن رأي أنا أتحمله تماما و عنوانه : الأمم المتحدة وكر الفساد!


الذين يصفقون اليوم لماهية الحرية، ينسون أن الحرية ليست أبدا مطلقا، و ليست آنية، أو مرتبطة بيوم أو بمرحلة، إنها الحرية التي تجعل الإنسان ملتزما، و محترما في رأيه و في فكره، باعتبار أنه لا يعتدي على الشرائع الدينية و على ما أقره الدين و تحديدا الإسلام باعتبار أن الإسلام هو ديننا. لقد سقط الغرب قبل أكثر من ثمانين سنة في فخ التحرر الذي أنتج له هذه المآزق التي يتخبط فيها اليوم، الحرية المشوهة و غير المسؤولية و غير المبنية على القيم هي التي صنعت الايدز، و هي التي صنعت الاختلال الاجتماعي، و هي التي صنعت اللقطاء و المشتتين و الضائعين نفسيا و عقائديا، و هي التي صنعت الفسوق و الدعارة و الأمراض المستعصية.. لأنها ارتبطت بما يسمى بالتحدي البشع للقيم التي دافع عنها الدين، و التي ارتبطت بقيم الإنسان إزاء نفسه و إزاء الآخرين. لقد كان ضمن البنود التي حملها هذا المؤتمر الشائك في الأمم المتحدة قرارات في غاية الخطورة منها " منع تعدد الزوجات/ و المطالبة بإلغاء المهر، و المطالبة بالمساواة في الإرث، إضافة إلى المطالبة بمراعاة الحق في الشذوذ و حق الفتيات في الحصول على شركاء مثيلي الجنس!!!" تلك هي المهزلة التي ما بعدها مهزلة و كوني امرأة/ كاتبة أقول أنها مهزلة بكل المعاني ذلك الذي جاء في الوثيقة المتسربة إلى وسائل الإعلام الأجنبية و العربية أيضا. فما يبدو واضحا أن تلك البنود لم توجه إلى المرأة الأوروبية أو الغربية، بل إلى المرأة العربية و المسلمة، و التركيز على تعدد الزوجات و على الميراث و إلغاء المهر يعني في النهاية التركيز على العنوسة و على الحقد و الكراهية، و تكريسهم لأجل مزيد من الانحلال في غياب الزواج الشرعي الذي تقره الأعراف. و باعتبار أن الذين صاغوا تلك البنود ( و اللائي صغنها) تعاملوا مع المجتمع العربي كما لو كان متكونا من قطيع للأغنام وليس من الآدميين البشر، بحيث أن التركيز كان على أمور مثبتة دينيا هو التحدي الذي يكشف عن فكر أصحابه و عن رغبتهم في إثارة الفتن في البلاد العربية و الإسلامية، خاصة أن الإسلام نفسه لم يجبر الرجل على التعدد بإقامة العدل، و هي رؤية تبدو عميقة للمجتمع، و ليس لإنسان واحد بعينه بل لكل المجتمع.. ناهيك على أن إلغاء المهر يعني إلغاء حقا ماديا للمرأة منحه الشرع لها، و ناهيك على أن المساواة في الإرث مشكلة مصطنعة، باعتبار أن المرأة الغربية تورث أموالها للكلاب تاركة أبناءها يموتون جوعا كما حدث مع السيدة الأمريكية (المخبولة) التي منحت ثروتها المقدرة بالملايين لكلبها، حارمة ابنها الوحيد الذي كان يعاني من وضع صحي و مالي صعب. فضلت الكلب على ابنها ( لأنها تخرجت من هيئة الأمم المتحدة الحالية التي تبيح الفسق و تسميه حقوقا، و تستبيح أعراض النساء في الحروب غير الشرعية لتسميهم ضحايا الحرب!)..


شتات نهايته ضوء:
حين تفجرت في الأربعينات الثورة لأجل الحقوق، كانت فيها الدول الغربية تعيش الكثير من المآزق الاقتصادية، ناهيك على أن الغرب نفسه بعد عشرة سنوات فقط من تلك الحقبة سقط كليا في الإفلاس التام. لم يكن تحرير المرأة مرتبطا بالحق في التعليم، أو الحق في العلاج و الأكل و الزواج و الأمومة، بل كان حقا في كل التناقضات و الأضداد، بداية بحق التسيب، و حق الفسوق و حق الدعارة أيضا، بحيث أن الحرية نفسها أسقطت المرأة إلى سلعة رخيصة حرمتها من مقوماتها كإنسانة حرة. كنت قد قرأت قبل عامين أو أكثر كتابا ألفته امرأة فرنسية اعتنقت الإسلام، و جاء فيه أنها لم تكن حرة في حياتها كما هي الآن بعد أن صارت مسلمة، و أنها استفادت من الإسلام كثيرا لأنه منحها قيمتها، و جعلها كائنا له قيمته و له كيانه. تلك الفرنسية التي اعتنقت الإسلام بعد سن الأربعين، عاشت قبله كل أنواع الحريات التي منحها إليها الغرب، عاشت حرياتها بالطول و بالعرض، و كتبت في فصل تصف فيه تلك الحياة بأنها كانت حياة فارغة، مليئة بالكآبة، و أن حياتها تلك دفعتها إلى التفكير في الانتحار أكثر من مرة.. لكنها تعترف أنها استطاعت أن تجد نفسها في الإسلام، و استطاعت أن تتزوج من رجل مسلم يحبها و يحترمها و يسعى إلى إسعادها بما يرضي الله، و لهذا تعترف أنها ولدت من اللحظة التي اعتنقت فيها الإسلام.. ربما صادف صدور ذلك الكتاب ما قالته إحدى الألمانيات أيضا بأن الإسلام منحها راحة عظيمة حين اعتنقته، و أنها مدينة بالكثير إلى الله.
أمام هذه الاعترافات، لا بد أن نشعر بالخجل حين نقرأ هذا الكلام من نساء غربيات عشن حياتهن بالطول و بالعرض، جربن الحرية بكل ما فيها، جربن الشتات و الضياع و الإحباط الشديد.. و حين وجدن غايتهن في الإسلام اعترفن علانية بحقيقته، بأنه دين خير، وأنه يهدي للتي هي أقوم. و من جهة أخرى نرى مسلمات ينتقدن الإسلام و يصفنه بالتخلف، و ينتقدن الشريعة الإسلامية و يصفنها بالانغلاق، في الوقت الذي يعي الجميع أنه لو عدنا إلى الشريعة بحذافيرها لعشن سعداء جدا، لأن ما تمنحه من شساعة في الفكر والعمل لم يمنحه أي قانون مدني للنساء. لهذا من المخجل التمسك بحرية يتبرأ منها الغرب، و من المؤسف الدفاع عن الشذوذ كما لو كان " إبداعا" و من المؤسف تشجيع البنات عليه بحجة أنها حرية شخصية! لقد أفلس الغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى، حتى الكنيسة تبدو مفلسة حين عجزت عن حمل الكثير من الإجابات للأسئلة التي يطرحها الغرب، عن الحياة و الموت و ما بينهما، ولأن الإسلام أجاب عليها، وجد كل الداخلين إليه راحتهم و قناعتهم أنهم وصلوا، و أنهم نجوا من حياة بائسة كانوا يجترونها، و يحاولون عبثا التعايش معها، و لأن عدد القادمين إلى الإسلام يتزايد يوما بعد يوم، فهو الدليل القاطع أنه دين الكون كله، و أنه يصلح لكل مكان ولكل زمان، و ألا نجاة دونما عقيدة ثابتة تجعلنا نحب الله، و نحتمي به في الأوقات العصيبة. بيد أن ما يبدو غريبا هو أن الغرب يعترف نفسه أن خيار التقويم يكمن في العودة إلى الدين، حتى الزعيم الأغبر جورج بوش ينصح أنصاره بالصلاة إلى الرب! (صلاة بوشية يتخللها قتل و تدمير و اغتصاب في العراق و في غير العراق)!


السقوط إلى الأسفل!

مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في 9 مارس و الذي تشارك فيه زوجات رؤساء دول عربية يشكل في النهاية الإسقاط السخيف لواجهة أممية أسخف، في الوقت الذي تعاني منه المرأة من الجهل والأمية و الفقر الشديد، و عدم استطاعتها إرضاع أطفالها من صدرها الجاف، نساء في الصومال يعشن أبشع أنواع التمييز العنصري و الجنسي ارتكبه الغرب المتحضر ضدهن، بحيث إنه لأجل منحهن علبة حليب لأطفالهن يجب سلبهن أرضهن استراتيجيا و إيديولوجيا، كما هو الحال مع نساء دارفور، و مع نساء فلسطين اللائي يعشن الحصار اليومي و القتل الهمجي و المداهمات. أيهما أحق بالمطالبة به؟ المطالبة بتحرير الأرض و إلغاء الحصار والتجويع و الهمجية السياسية الدولية ضد الدول الصغيرة و الفقيرة، أم المطالبة بإلغاء المهر و بالشذوذ؟ نحن على قناعة أن الحبر الذي كتب به تلك البنود الساقطة أغلى من كل النساء الحاضرات في ذلك المؤتمر مجتمعات على مصاهرة الشيطان الأكبر الذي يعدهن بالأمم المتحدة الجديدة، نماما كما وعد رجالهن بالشرق الأوسط الجديد!!!

21/2/1428 هـ

 

المصدر: موقع المسلم