عمروخالد ومصلحة الدعوة
ممدوح إسماعيل
وقد انتقده الكثيرون لحضوره مثل هذا المؤتمر في ظل تلك الحالة
السياسية مما يعنى أن حضوره تأييد لمرشح الحكومة فبرر موقفه بتبريرات
تحتاج إلى تبريرات وكان من أهمها تبريره أن ذلك من مصلحة الدعوة وهنا
أتوقف فمصلحة الدعوة أحيانا تُستغل كشماعة تُعلق عليها
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
للأستاذ المحترم عمرو خالد مواقف لافتة، سواء في خطابه الدعوى أو مواقفه التي تختلط بالسياسة، ومنها موقفه عندما لبى دعوة جمعية ليحاضر الناس في الإسكندرية وهو يعلم أن رئيسها وزير في الحكومة وهو مرشح ضد مرشح الإخوان.
وقد انتقده الكثيرون لحضوره مثل هذا المؤتمر في ظل تلك الحالة السياسية، مما يعنى أن حضوره تأييد لمرشح الحكومة، فبرر موقفه بتبريرات تحتاج إلى تبريرات، وكان من أهمها تبريره أن ذلك من مصلحة الدعوة، وهنا أتوقف فمصلحة الدعوة أحيانا تُستغل كشماعة تُعلق عليها المواقف المشبوهة كي يهرب من مسئوليتها الداعية الذي سقط في فخ تجميل الاستبداد كما حدث مع دعاة ذهبوا إلى بلد يحكمه حاكم من أربعين عاماً بالحديد والنار.
وهو أسلوب للاستبداد يصح أن يطلق عليه غسيل الأعمال السيئة، وهو يذكرني بمشهد لفيلم شاهدته وأنا صغير ومازلت أذكره، ووقائعه تدور في الإسكندرية أيضاً للممثل زكى رستم عندما قتل امرأة ودخل المسجد ويده ملوثة بالدم ويرفع صوته للصلاة قائلاً: الله أكبر، ومشاركة عمرو خالد أو أي داعية في غسيل الأعمال للمستبدين هي مشاركة للتلبيس على الناس، وليس كما يقول لدعوة الناس وخلوا بيني وبين الناس، وعندما يُسمح له بتلك الطريقة التي يعقلها الطفل الصغير أنه ُسمح له لتغطية سوءة الاستبداد وفتنة الناس لا لدعوة الناس، وأعتقد أنه أولى له أن يكتفي بحلقاته الفضائية وإلا فسيصير ألعوبة في يد المستبدين كلما تعرت سوءة ذهبوا إليه وإلى غيره ليغطيها ويتعلل باسم مصلحة الدعوة!!
ألا يعلم أن مصلحة الدعوة هي في تعريف الناس الحق و البراءة من كل إثم وظلم؟!!
وأذكره بموقف الصحابي الجليل جعفر بن أبى طالب، وهو خير موقف لأولئك الذين يُعلقون أفعالهم المداهنة على مصلحة الدعوة، والدعوة بريئة من ذلك، فقد أرسلت قريش إلى النجاشي عدد من رجالها كي يُسلمهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا إليه فارين بدينهم، وأخذ كفار قريش يُكلمون النجاشي في أمر الصحابة، فأرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم وسألهم، وانبرى له جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه يرد عليه شارحاً قواعد ومبادئ الإسلام العظيم ودعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من أهم المواقف عندما سأله النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي فاقرأه علي فقرأ عليه صدرا من كهيعص (سورة مريم) فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، والتفت لرجال قريش قائلاً: انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا، ولكن كفار قريش لم ييأسوا من النجاشي، فقال أحدهم: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، وذهب للنجاشي فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه؟ فأرسل إليهم يسألهم عنه، وهنا كان الموقف الخطير والمحك الحقيقي للإيمان هل يعلنوا عقيدتهم بوضوح أم يكذبوا ويداهنوا وينافقوا من أجل مصلحة الدعوة وحماية الدعوة ومصلحة النفس المسلمة التي هي من الغايات الخمس التي جاء الدين لحفظها، الموقف خطير، وأعتقد أنه في يومنا هذا وفى عصر المعلومات التي لا تخفى بعض الدعاة مازال يداهن ويتلاعب بالألفاظ في عقيدته من دون أن يتعرض لمحنة مثل محنة الصحابة في الحبشة، ومع ذلك اجتمع الصحابة الكرام، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن (الله أكبر إنها حقاً مصلحة الدعوة) فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه: نقول فيه الذي جاء به نبينا، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم ثم من سبكم غرم.
إنه موقف كُتب في التاريخ بحروف من نور كتبه الصحابي الجليل جعفر بن أبى طالب الشهيد ذي الجناحين نبراساً لكل داعية في كل مكان وزمان وظرف، فهو مهاجر فار بدينه يطلب الحماية والنصرة ضعيف مستضعف ومعه نساء يتحمل مسئوليتهم ومع ذلك لم يتردد في الصدع بالحق، فقد انبرى جعفر رضي الله عنه يعلم الداعية كيف يواجه المواقف بالثبات على عقيدته، وتعليم الناس الحق وإن كرهوه وإن رفضوه.
أعتقد أن بعض الدعاة في زمن الانبهار بالفضائيات والأضواء والكاميرات وطغيان الماديات في حاجة لإعادة التعلم والتأسي بسير ومواقف الصحابة الكرام، فهم خير من حملوا الدعوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ممدوح إسماعيل محام وكاتب
[email protected]
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام