إياك وترك راية الإسلام (8)

مدحت القصراوي

يحرم معاونة العدو على المسلمين

  • التصنيفات: السياسة الشرعية -

وكما يحرم معاونة العدو على المسلمين، فكذلك يحرم التآمر معه في السر على المسلمين إضرارًا بهم، وقد ذكر تعالى موالاة الكافرين وحرمها وجرّمها، وهي لفظٌ مجملٌ يشمل صورًا شتى؛ فمن صوره مظاهرة العدو يعني معاونته والوقوف في صفه وتحت رايته وتكثير سواده (عدده) ضد المسلمين.
ومن صوره التآمر في السر على المسلمين بقصد الإضرار بهم، وهذا المناط تحدث عنه القرآن كثيرًا، فوقوعه من لوزم النفاق، ولا يصدر إلا عن منافق.
فالذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا للعدو للتعاون معه، ومركزًا للتآمر على المسلمين تأتي إليه رسائل أبي عامر الفاسق المقيم عند هرقل للتجهيز والتحضير لقدوم جنود الروم لغزو المدينة، كان هذا العمل بأركانه نفاقًا أعظم وولاءٍ للكافرين.
والذين اتفقوا مع الكافرين، سواء من اليهود أو الوثنيين، بأن يطيعوهم في بعض الأمور في الاتفاق على المسلمين، كان حكم القرآن عليهم أنهم ارتدوا {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ} [محمد: 25] ومناط الجريمة هو بعض التآمر على المسلمين { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} [محمد جزء من الآية: 26].
وكذا من تآمر مع اليهود أو الوثنيين، وذكرهم تعالى في سورة المجادلة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، وأخبر تعالى أنهم وأعداؤه جميعا خاسرون في الأذلين.
فمن اتضح له ضرر المسلمين وتعرضهم للإبادة والاستئصال ولكنه وقف مع عدوهم وتآمر عليهم، لغرض دنيوي من مالٍ أو شهوة أو منصب، أو حقدًا وغضبًا من شخص ظلمَه أو طائفة، فينتقم أو يتوصل لشهوته بالتآمر على المسلمين، فمن قصد إضرار المسلمين انتفى ثبوت ولائه لهم؛ وهذا جريمة ولاء للكافرين.
وأما فعل حاطب رضي الله عنه فإنه لم يقصد الإضرار، بل ظن أنه يحصّل لنفسه مصلحة بما لا يضر المسلمين، فهو ولاء مقيد، لا يكفر صاحبه وعقوبته للإمام، وقد عفا عنه رسول الله لبدريته رضي الله عنه.
فلا تتمادى مع شهوة أو غضب أو انتقام، أو إغراء وتمنّيًا بمال أو منصب، ولا تستجب لتخويف فتهلع وتترك رايتك، فالخوف كالجد كالهزل، والإكراه شيء آخر، لا تترك الراية فلا شيء أشرف منها ولن تجد بعدها سوى السراب.

مرابط من داخل القدس الشريف

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام