يوم تهجير حلب وإعدام أهلها: حرق وذبح ورمي بالرصاص
يقضي المقترح الروسي الأميركي بخروج مقاتلي المعارضة السورية، إضافة إلى مقاتلي "جبهة فتح الشام"، والمدنيين الراغبين من الأحياء الشرقية في مدينة حلب، التي تقع تحت سيطرة المعارضة، وذلك في مقابل تحقيق الاستقرار في هذه الأحياء
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يرسخ مقترح روسي أميركي، سرّبت بنوده وسائل إعلام، يتعلق بمدينة حلب، الهيمنة الروسية الإيرانية على كبرى مدن الشمال السوري، ويعزز سياسة ممنهجة يتبعها نظام بشار الأسد لتهجير غالبية الشعب السوري لتغيير هوية بعض المدن، وتسليمها لمليشيات طائفية ترتكب في الأحياء التي تسيطر عليها تباعاً في شرقي حلب مجازر وتصفيات ميدانية، فيما تؤكد مصادر في المعارضة أن المقترح يقوّض العملية السياسية ويدفع القضية السورية إلى مستويات أخطر، وصراع طويل الأمد. وكان يوم الاثنين موعداً لمجموعة إعدامات ميدانية ارتكبتها قوات النظام والمليشيات الأجنبية الحليفة لها، وهو ما دفع إلى تنظيم اعتصامات ليلية في مدن سورية عدّة تضامناً مع حلب. وقد اعتقلت وأعدمت عشرات المدنيين في أحياء بستان القصر والكلاسة والفردوس، بعد سيطرتها عليها. وذكرت صفحة "شاهد عيان" المهتمّة بنقل أخبار حلب أنّ "قوات النظام وميليشاتها، أعدمت العائلات ذبحاً بالسكاكين، ورمياً بالرصاص وحرقاً، وشملت عمليات الإعدام الرجال والنساء على حدٍ سواء"، ووثّقت "مقتل أكثر من 50 شخصاً" بهذه الطريقة. من جانبه، قال الناشط الإعلامي، المحاصر داخل حلب، عمر العرب لـ"العربي الجديد" إنّ "قوات النظام منعت بعض العائلات من التوجه إلى مناطقها، وأطلقت الرصاص لترهيبها".
ويقضي المقترح الروسي الأميركي بخروج مقاتلي المعارضة السورية، إضافة إلى مقاتلي "جبهة فتح الشام"، والمدنيين الراغبين من الأحياء الشرقية في مدينة حلب، التي تقع تحت سيطرة المعارضة، وذلك في مقابل تحقيق الاستقرار في هذه الأحياء، وتخفيض مستوى العنف، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين.
ويؤكد المقترح أن على حكومة النظام وحلفائها أن تضمن سلامة خروج كل المقاتلين وأفراد عائلاتهم، والمدنيين من المدينة، وضمان البقاء للمدنيين الذين يرغبون في ذلك بشرق حلب، وإعطاء الضمان العلني بأن كل المقاتلين أو المدنيين الذين سيخرجون عبر ممرات الإجلاء من المدينة لن يحتجزوا أو يتم إيذاؤهم.
كما ينصّ على إنشاء ممرات إجلاء عدة، يشار إليها بوضوح للسماح بالخروج الآمن لمقاتلي المعارضة المسلحة والمدنيين من شرق حلب، والتواصل مع المدنيين والمقاتلين في حلب لإعلامهم بشروط الإجلاء والتوقيت والعملية وممرات الخروج، والأمكنة التي يمكن للمقاتلين والمدنيين التوجه إليها.
ويدعو المقترح كذلك قادة فصائل المعارضة إلى تأكيد استعدادهم للخروج من شرق حلب، إما علناً أو للولايات المتحدة أو روسيا، ووقف القتال في حلب من قبل المعارضة والنظام وحلفائه، وخلال 48 ساعة سيغادر كل المقاتلين شرق حلب من دون سلاحهم الثقيل عن طريق الممرات المحددة، فضلاً عن المدنيين الراغبين بذلك أيضاً.
ويتيح المقترح الروسي الأميركي للمدنيين مغادرة شرق حلب، والذهاب إلى أي مكان، كما يتيح لمقاتلي المعارضة الخروج من المدينة مع أسلحتهم الخفيفة باتجاه محافظة إدلب، أو إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي. ويشترط مشروع الاتفاق خروج مقاتلي "جبهة فتح الشام" مع سلاحهم الخفيف إلى إدلب حصراً.
وينصّ المقترح أيضاً على أنه بعد إتمام خروج المقاتلين من شرق حلب، سوف يعلن فرقاء النزاع، تحت رعاية الأمم المتحدة وروسيا وأميركا، إعادة وقف الأعمال العدائية في سورية، وسيقومون حالاً باتخاذ خطوات لاستئناف الحوار بين السوريين.
ويتضح من بنود المقترح المسرّب لوسائل الإعلام، أن الجانب الروسي استطاع إملاء شروطه على الجانب الأميركي، مستفيداً من اختلال موازين القوى العسكرية لصالح حليفه نظام الأسد، إثر عمليات قصف هستيري من قبل الطيران الروسي على مدى أسابيع على أحياء حلب الشرقية، ودخول نحو 66 مليشيا طائفية إلى جانب قوات النظام لمحاربة فصائل المعارضة التي وجدت نفسها أمام قوات تفوقها عدة وعدداً، ما دفعها إلى الانسحاب نحو مواقع أكثر تحصيناً. وما لبثت أن سقطت تلك المواقع أيضاً أمام زحف قوات النظام والمليشيات من أكثر من محور قتال، في ظل افتقاد المعارضة للذخيرة منذ أشهر عدة.
ويصرّ حليفا النظام، روسيا وإيران، على خروج مقاتلي المعارضة من حلب لتأكيد "انتصار متوحش" من قبل المحور الذي يدعم نظام الأسد، يمكّنهما من تأكيد سطوتهما في أي تسوية قادمة، وتثبيت بشار الأسد على رأس السلطة في سورية، كونه "الضامن لمصالحهما". ويدفع مشروع الاتفاق باتجاه ترسيخ سياسة التهجير المنهج في سورية، المخالف لكل المواثيق الدولية، وتسليم البلاد لمليشيات طائفية. ويصر الروس والإيرانيون على خروج مقاتلي "جبهة فتح الشام" إلى محافظة إدلب حصراً.
ولم تحسم المعارضة السورية المسلحة في حلب أمرها تجاه مشروع الاتفاق، فهي في وضع عسكري متردّ، على الرغم من الصمود الذي تبديه في وجه الهجوم الكبير الذي تشنه قوات النظام والمليشيات تحت غطاء ناري من الطيران الروسي ومقاتلات النظام. ويُشدّد أغلب قادة الفصائل المقاتلة في حلب على أنهم اطلعوا على مشروع الاتفاق، ولكن "قبوله أو رفضه يحتاج إلى مشاورات بين مختلف الفصائل".
في هذا السياق، يشير القيادي في جيش المجاهدين، النقيب أمين ملحيس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "اطلع على المقترح الروسي الأميركي"، محبّذاً خروج من يرغب من المدنيين من شرقي حلب، داعياً إلى "احتفاظ المعارضة السورية بوجود في حلب حتى لا نعطي نظام الأسد وحلفاءه نصراً".
من جانبه، يؤكد المتحدث باسم تجمع "فاستقم كما أمرت"، عمار سقار، لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل في حلب لم تتلقّ بشكل رسمي المقترح الروسي الأميركي"، لافتاً إلى أن "فصائل المعارضة قادرة على اتخاذ موقف موحّد". ويردف أن "الروس يراوغون"، مؤكداً أن "حلب تحترق بكل معنى الكلمة جراء قصف جوي ومدفعي لا يُوصف".
في هذه الأثناء، لا تزال قوات النظام ومليشيات طائفية، تتقدم في حلب، إذ سيطرت مليشيا "النجباء" العراقية المدعومة من إيران، يوم الاثنين، على حي الشيخ سعيد، جنوب شرقي حلب، إثر معارك ضارية مع قوات المعارضة.
كما يشير ناشطون محليون إلى أن "المليشيا سيطرت أيضاً على حي باب المقام، وتتقدم في حيي كرم الأفندي وكرم الدعدع، بعد قصف هستيري هو الأعنف على الأحياء الشرقية من حلب منذ أيام عدة"، مشيرين إلى "مقتل وإصابة عشرات المدنيين، بينهم أطفال، في حي بستان القصر".
ولا تزال المعارضة تحتفظ بالعديد من الأحياء المهمة في شرقي حلب، وجنوبها الشرقي، منها: الكلاسة، والسكري، والأنصاري، وبستان القصر، ومنطقة جسر الحج، وصلاح الدين، والمشهد وجزء من حي سيف الدولة، في وقتٍ تؤكد فيه وزارة الدفاع الروسية أن "قوات النظام والمليشيات الحليفة لها باتت تسيطر على نحو 95 في المائة من أراضي مدينة حلب، وتسيطر المعارضة على مساحة جغرافية تقدر بـ10 كيلومترات مربعة".
وتورد وزارة الدفاع الروسية أرقاماً عن أعداد المدنيين الذين خرجوا من حلب الشرقية، أو عادوا إليها، وعن أعداد مقاتلين من المعارضة سلموا أنفسهم لقوات النظام، تشكك مصادر في المعارضة في صدقيتها، وتصنفها ضمن "الحرب النفسية" التي تُشن بالتوازي مع المعارك العسكرية.
وبالتوازي مع المعارك الدائرة في حلب، بدأت تطفو على السطح خلافات بين أعضاء الائتلاف الوطني السوري، أحد العناوين السياسية للثورة السورية، على خلفية العديد من القضايا، منها الموقف من "جبهة فتح الشام"، وإجراء مراجعات من شأنها تفعيل الأداء السياسي في خضم تطورات سياسية وعسكرية ربما تحدد مستقبل البلاد برمته. في هذا الإطار، قدّم عضو الائتلاف، سمير نشار، استقالته عقب انتهاء اجتماعات الدورة 31 للائتلاف السبت، من دون توضيح الأسباب، في ظل أنباء عن نيّة ميشيل كيلو، المعارض البارز، هو الآخر تقديم استقالته.
من جانبه، ينفي عضو الائتلاف عقاب يحيى، وجود تصدع في الائتلاف الوطني قد يفضي إلى الإطاحة به، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أعضاء الائتلاف الوطني طرحوا مقترحات تدعو إلى إعادة هيكلة الائتلاف، وتغيير خطابه على ضوء التطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة، وبلورة مشروع وطني، واختيار قيادة جديرة بقيادة المرحلة الراهنة، واسترداد القرار".
بدورها، تلفت مصادر رفيعة في الهيئة السياسية داخل الائتلاف الوطني، إلى أن "موقفاً سيصدر من جبهة فتح الشام، لا يبتعد عن قرارات دولية على هذا الصعيد، بشرط تصنيف المليشيات الطائفية ضمن التنظيمات الإرهابية" من قبل مجلس الأمن الدولي.
وفي موازاة ذلك، شدّد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، على أن "النظام السوري لن يفلت من العقاب"، وذلك خلال مؤتمر صحافي في باريس، يوم الإثنين، مع منسق هيئة المفاوضات السورية رياض حجاب. بدوره قال حجاب إن "ما يحدث في حلب كارثة إنسانية"، مشيراً إلى أن "آلاف المدنيين تحت الأنقاض". وأضاف أنه "لا توجد مستشفيات في حلب بعد تدميرها من النظام وروسيا". وأكد أنه "بحث مع هولاند سبل وقف القصف وإيصال المساعدات للمحاصرين"، مضيفاً أن "إيران تقوم بتأجيج الفتن الطائفية، ولا مكان للقتلة في المرحلة الانتقالية". وكشف عن أن "النظام وجه دعوة للمليشيات العراقية للقتال في سورية". ونفى "وجود شروط مسبقة للمحادثات السياسية"، مؤكداً أن انتهاء معركة حلب لن يمنع التمسك بوجوب عدم مشاركة الأسد ونظامه في رسم مستقبل سورية.