حريم السلطان

لقد صارت وسائل الإعلام في هذا الزمان مرتعا للسفهاء الذين لا يعرفون من الدين إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه، من العلمانيين والحاقدين الذين يستهزئون بالدين، وبتاريخ الإسلام المجيد، ويبثون الشبهات في قلوب عامة المسلمين، ويسمح لكثير منهم بالتكلم في أمور الدين.

  • التصنيفات: التاريخ والقصص - التاريخ الإسلامي -

هالني كثرة ما تردد هذه الأيام في وسائل الإعلام كلمة: "حريم السلطان"... فكلما ظهرت امرأة متحجبة، أو رجل مسلم ملتحي، وكلما أراد فاسق أن يستهزأ بالدين وأهله قال : "حريم السلطان".

والسؤال الذي يبتدرني هو: هل يعلم هؤلاء من هو السلطان المقصود بهذا المسلسل "حريم السلطان" ؟ و الجواب: لهؤلاء أقول صراحة هو المثل العربي المشهور:  "إذا كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم"، ولا أخاله يردد مثل هذه العبارات إلا: "جاهل بليد، أوعدو حاقد مريب"

لقد صارت وسائل الإعلام في هذا الزمان مرتعا للسفهاء الذين لا يعرفون من الدين إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه، من العلمانيين والحاقدين الذين يستهزئون بالدين، وبتاريخ الإسلام المجيد، ويبثون الشبهات في قلوب عامة المسلمين، ويسمح لكثير منهم بالتكلم في أمور الدين، تجد أحدهم أصلا لا يصلي ، ولا يدفع زكاة أمواله للفقراء والمساكين، ولا يفقه من أمور الدين شيئا.

إنهم حفنة من الجهلة أصحاب الشهوات، يتصدرون المنابر الإعلامية، في جل القنوات العربية،  يبحثون عن الشهرة والزعامة، ولا يهمهم طلب الحق، ولا الدفاع عن الحق، يدعون إلى الانحراف والفساد، ويتشدقون بمعسول الكلام، ليضللوا الناس عن سبيل الله، وليخلطوا عليهم الحلال بالحرام، والحق بالباطل، ولا يستغرب ذلك في زمن يتعلم فيه كثير من المسلمين دينهم من الأفلام والمسلسلات )بل قل يزيدون جهلا على جهلهم( والله المستعان.

إنه زمن الرويبضة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» (رواه ابن ماجه في سننه والإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه، وصحّحه الإمام الذهبي والألباني.وغيرهما).

لقد صار الرويبضة يتصدّرون وسائل الإعلام، في  حين يقصى أهل العلم وأهل الحق، ويُحارَبون من أقرب الناس إليهم.

فمن هو المقصود بهذا المسلسل الماجن إنه السلطان سليمان القانوني أعظم سلاطين الدولة العثمانية، فهل حقا كان كما صوره هذا المسلسل رجل فاسد منغمس في الشهوات، معاقر للخمر، متقلب بين النساء، يغرينه ويتلاعبن به ويصرفنه على أهوائهن...أم كان بطلا مجاهدا فاتحا صالحا ؟

وهل نصدق أعداء الدين الحاقدين الذين كتبوا زبالة أفكارهم عنه، وما عاصروه ولا عرفوا حقيقة أخباره وآثاره، وهم مع ذلك يحقدون عليه وعلى ما فعله بهم، هؤلاء الذين أخذت عنهم صاحبة هذا المسلسل المريب "حريم السلطان"، إنهم يريدون تشويه تاريخ الإسلام، و يسعون لإبعاد المسلمين عن دينهم، ولإفساد الشباب المسلم؛ وإليك الدليل من كلامهم:

قال المؤرخ الانجليزي هارولد عن السلطان سليمان قانوني: "إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى" وقال المؤرخ الألماني هلمر عنه: "كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه".

أم نصدق كبار العلماء المسلمين الثقات الذين عاصروه، قال الفقيه المؤرخ بن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب: "استمر في السلطنة 49 سنة وهو سلطان غاز في سبيل الله مجاهد لنصرة دين الله ...وكان مجدد هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر".

وقال محمود بن سعيد مقديش في كتابه نزهة الأنظار: "ولم يكن أكثر جهادا ونصرة للدين، وأكمل عدة وآلة لقطع الملاعين، وأقمع لأهل البغي والبدعة والكفرة الملحدين،  وأشد عضدا وأشد نصرا لأهل السنة والدين ،منه رحمه الله".

فانتبه معي يرحمك الله:

- ولد السلطان سليمان القانوني عام 900 هـ ، وتولى الخلافة بعد وفاة والده السلطان سليم الأول عام 1926هـ.

-حكم المسلمين 49 سنة فكانت خلافته نصرا وعزا للمسلمين، وكانت دولته هي أعظم قوة في العالم بأسره بدون منازع، وامتدت خلافته في ثلاث قارات، وشملت دولة الإسلام في عهده أكثر من 30 دولة من الدول المعاصرة.
جيش الجيوش للدفاع عن بلاد الإسلام ولرد المشركين والمعتدين، على كل الجبهات، فواجه الروس القياصرة وصد هجمات البرتغاليين على الهند المسلمة وقتها من الشرق، وواجه الاسبان من الغرب فأنقذ عشرات آلاف المسلمين من الاضطهاد بعد سقوط الأندلس ورد الصليبيين عن شمال إقريقيا، وتوغل شمالا في أوروبا فشملت خلافته يوغسلافيا والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا ومقدونيا واليونان، وصد هجمات البرتغاليين على شبه الجزيرة العربية جنوبا، وحارب الصفويين الروافض وأخرجهم من العراق وفارس وإيران، وأذربيجان، والقوقاز..

فهل تصدقون أن رجلا قضى عمره في الفتوحات لديه وقت لما يزعمونه في هذا المسلسل؟ وهذه بعض أعمال هذا الخليفة  المسلم:

- وضع قانون الدولة العثمانية بمشاركة العالم الجليل أبو السعود أفندي صاحب تفسير القرآن الكريم "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" ومن هنا جاءت تسميته  "سليمان القانوني".

- فتح بلجراد، وكان قد أرسل في أول خلافته إلى ملوك أوروبا لدفع الجزية كما كانوا يفعلون في عهد أبيه، فقتل ملك المجر رسوله، فأعد جيشا جرارا وخرج إلى بلجراد وحاصرها شهورا، حتى سقطت ودخلها فاتحا يوم 26 رمضان عام 927 هـ.

- فتح جزيرة رود س، بعد أن اعتدى الصليبيون فيها على سفن للمسلمين كانت تقل الحجيج والتجار، فنهبوها وقتلوا المسلمين وأحرقوا سفنهم، فهاجم الجزيرة وحاصرها 6 أشهر حتى سقطت، ودخلها فاتحا يوم 13 صفر عام 929 هـ وأعطى أمانا للمسيحيين على كنائسهم ودينهم.

- فتح المجر في معركة موهاكس الخالدة، بعد أن علم بتحالف المجر مع الدولة الصفوية الرافضية ضد دولته العثمانية، فخرج على رأس جيش قوامه 100 ألف مقاتل وكان زوده بـ 300 مدفع عملاق و800 سفينة بحرية، ورغم استعانة  "لويس الثاني" ملك المجر بملوك أوروبا وإعداده جيشا قوامه 200 ألف مقاتل، انتصر المسلمون انتصارا ساحقا، ودخل السلطان المجر يوم 3 ذي الحجة عام 932هـ.

- حارب الدولة الصفوية الرافضية التي كانت ترتكب المجازر ضد أهل السنة المسلمين، وكانت تحالفت مع الصليبيين، ففتح منهم  العراق وفارس وإيران، وأذربيجان، والقوقاز وشرق الأناضول ، واستمرت هده الحملات من عام 941 هـ حتى عام 962 هـ.

- ومع كل هذه الفتوحات كان رحمه الله رحيما برعيته، يحرر الأسرى المظلومين، ويردع أهل الشر والفساد، وينشر العدل، ويصد أهل البدع.

- أما زوجته روكسلانه، التي عرفت بـ "خرم سلطان" فهي زوجة السلطان، ووالدة السلاطين العثمانيين، ولها أفضال كثيرة وأوقاف وأعمال خيرية  منها إكمال عيون "زبيدة " التي بدأتها زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، فأمرت روكسلانه بإكمالها حتى أوصلتها إلى مكة المكرمة، وقامت أيضا ببناء المساجد والمستشفيات، وبأعمال خيرية في تركيا وفلسطين ومكة وفي كثير من بلاد الإسلام، ولا تزال المصاحف والمخطوطات التي تحمل اسمها أوقافا لطلبة العلم إلى يومنا هذا، فهل يصح أن تسمى هذه المرأة الصالحة بالأفعى اليهودية كما ينعتها بعض الحاقدين ممن لا علم له.

- وأما ما قيل من أن السلطان قتل ابنه فلا يوجد أي دليل على ذلك ولم يقل به أحد ممن يعتد به من المؤرخين.

فرحم الله الخليفة الفاتح سليمان القانوني وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

=========

كتبه أبو عبد الرحمان زهير رزق الله