هل شهد القرآن بصحة العهدين بوضعهما الحالي
ملفات متنوعة
كيف جاز عند محبينا من دعاة المسيحيين أن يبطل هذا الرجل اليهودي
بذلاقة لسانه وخلابته شريعة موسى و عيسى عليهما الصلاة والسلام، ولا
يجوز في نظرهم أن يرسل الله محمدًا عليه أفضل الصلاة والسلام
بالبراهين العقلية فيصدق المرسلين، ويقضي على المارقين، ويؤنب
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
للسيد رشيد رضا
لو أراد الإنسان أن يناقش هؤلاء المسيحيين الذين يؤلفون الكتب في
دعوة المسلمين إلى النصرانية، ويحكم العلم في مصنفاتهم، فيرد على كل
خطأ يجب رده لاحتاج أن يكتب على كل صحيفة من صحائفهم السوداء كتابًا
مستقلاًّ؛ لأنهم يرمون الكلام على عَوَاهنه فيخطئون من حيث يدرون ومن
حيث لا يدرون، ويتعمدون الإيهام والتغرير لأنهم يكتبون للعامة الذين
لا يدققون.
يقول صاحب كتاب (أبحاث) الجدليين لا (المجتهدين) في الفصل الأول من
البحث الأول إنه يثبت صحة التوراة والإنجيل -بالحجة الدامغة والبرهان
المنطقي- ثم يورد الآيات القرآنية وهي عنده جدلية لا منطقية ويحرفها
عن معناها كما حرَّف هو وسلفه التوراة والإنجيل، وقد بيَّنا من قبل
معنى التوراة والإنجيل وإثبات القرآن لهما، وكون هذا الإثبات لا ينافي
إرسال نبي آخر بشريعة جديدة أكمل منها، وبيَّنا أيضًا وجه كون الديانة
الإسلامية أصلح لحال البشر وأهدى لسعادتهم، بل وبيَّنا كيف أبطل بولس
شريعة التوراة والإنجيل وجعل المسيحية إباحية لا قيمة فيها للعمل
الصالح؛ وإنما العمدة فيها على الإيمان بأن المسيح جاء ليخلص
العالم.
فكيف جاز عند محبينا من دعاة المسيحيين أن يبطل هذا الرجل اليهودي
بذلاقة لسانه وخلابته شريعة موسى و عيسى عليهما الصلاة والسلام، ولا
يجوز في نظرهم أن يرسل الله محمدًا عليه أفضل الصلاة والسلام
بالبراهين العقلية فيصدق المرسلين، ويقضي على المارقين، ويؤنب
المحرِّفين، ويبين الحق في اختلاف المختلفين، ويخاطب اليهود
والمسيحيين، بمثل ما خاطب عيسى الكتبة والفريسيين بأنهم لم يقيموا
الكتاب، بل أخذوا بالقشر وتركوا اللباب، وأنهم لو أقاموه لما ساءت
حالهم، ولما وجب خزيهم ونكالهم؛ ولكن اليهود والنصارى كانوا في زمن
البعثة في أشد الخزي والنكال، وعند آخر طرف من الغواية والضلال؛ ولذلك
تقلص بشمس الإسلام ظل سلطانهم بعد حين {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
أورد صاحب الأبحاث سبع آيات من القرآن المجيد، وقال إن الآية الأولى
تفيد أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل هدى للناس، نعم وقد اهتدى
بهما من قبل أقوام فسعدوا، ثم حرَّفوا وفسقوا، وانحرفوا فشقوا، حتى
جاء الإسلام بالهداية الكبرى، والحجة العظمى، فاهتدى به بعضهم فسعدوا
وسادوا على الآخرين، وكانوا مع أهله الأعلين ما كانوا به
مهتدين.
وقال إن الآية الثانية وهي: {يَا
أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا
التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [المائدة : 68] تبين صحتهما، وهو
كذلك ولكن للآية تتمة لم يذكرها المصنف ؛ لأنه غير منصف وهي قوله :
{وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن
رَّبِّكُمْ} [المائدة: 68] فكأنه يأمرنا أن نؤمن ببعض الكتاب
ونكفر ببعض كما فعل هو ومن على شاكلته بالتوراة، والمراد بما أُنزل
إليهم من ربهم القرآن؛ فإنه لم ينزل بعد التوراة والإنجيل غيره، فالله
تعالى يأمر أهل الكتاب بأن يكونوا مسلمين يؤمنون بالكتب كلها، ويبين
أن تعللهم واحتجاجهم على عدم اتِّباع القرآن بأنهم أصحاب كتاب سماوي
لا حاجة لهم بغيره احتجاج باطل وتعلل كاذب؛ لأنهم لم يقيموا التوراة
والإنجيل وأوضح هذا بالآيات الأخرى الناطقة بأنهم حرَّفوا، وبأنهم
نسوا حظًّا مما ذُكِّروا به، وأنهم لو أقاموهما لما حل بهم الخزي
والنكال {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا
التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ
لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم}
[المائدة: 66] وكذلك وقع لإخوانهم الذين أسلموا فقد فازوا ببركات
السماء والأرض، وتتمة الآية التي نحن بصددها {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا
أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ
عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 68] وهذه الحجة
قائمة عليهم إلى يوم القيامة؛ فإن هؤلاء الدعاة يخدعون عوام المسلمين
بوجوب اتِّباع التوراة ويوهمونهم أنهم متبعون لها، ويقول صاحب الأبحاث
أن محمدًا يطلب إقامة حدودها، ولا يوجد في الدنيا نصراني يقيم حدًّا
من حدود التوراة أو يعمل بأحكامها في العبادات والمعاملات، فما لهم
يشفقون على المسلمين وينصحون لهم بإقامة هذه الحدود ولا ينصحون
لأنفسهم ولا يشفقون عليها؟ وقال: والثالثة تبين أن الإنجيل مُنَزَّل
من عند الله، وأن محمدًا راضخ لأحكامه، والآية الثالثة هي قوله تعالى:
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا
أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ} [المائدة: 47] وليس فيها إخبار بأن
محمدًا عليه الصلاة والسلام راضخ لأحكامه؛ ولكن هؤلاء الناس يستبيحون
أن يُحَمِّلوا الآيات ما لا تحمله لتأييد أهوائهم، وبذلك أفسدوا كتبهم
وجاءوا يفسدون علينا كتابنا؛ ولكن الله حفظه من التحريف والتبديل، في
الآية قراءتان إحداهما بكسر لام (وليحكم) وهي متعلقة بقوله تعالى
قبلها: {وَآتَيْنَاهُ
الإِنجِيلَ} [المائدة: 46] أي أعطينا عيسى الإنجيل ليحكم أهله
فيه، وأهله هم بنو إسرائيل لأن القرآن أخبرنا بأنه أرسل إلى بني
إسرائيل فعرف أنهم أهله، وكذلك الإنجيل الذي عندهم الآن يقول إن
المسيح قال: "لم أبعث إلا إلى خراف إسرائيل الضالة".
والقراءة الثانية بسكون اللام، وهي حكاية للأمر السابق عند الإتيان،
أي آتيناه الإنجيل وأمرنا من أرسل إليهم بالعمل به، ويحتمل اللفظ أن
يكون أمرًا مبتدأ ورد على سبيل الاحتجاج على النصارى بعدم العمل
بالإنجيل المُصَدِّق للتوارة والمقتضي للعمل بها على ما تقدم بيانه
آنفًا، وإذا جاز لدعاة المسيحيين اليوم أن يحتجوا على المسلمين بأن
القرآن يأمرهم بالإيمان والعمل بالتوراة والإنجيل ولا يرون هذا
الاحتجاج مقتضيًا لإيمانهم بالقرآن، فكيف يدعون أن أمر محمد صلى الله
عليه وسلم لهم بالحكم بالإنجيل يستلزم أن يكون هو راضخًا
لأحكامه.
قال: "والرابعة تحكم بضلال المسلم الذي لا يؤمن بالتوراة والإنجيل
إيمانه بالقرآن" ونقول: إن الآية الرابعة هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ
وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ} [النساء: 136]
والمسلمون يعتقدون أن نبيهم جاء بالحق وصدَّق المرسلين، وأمرنا بأن
نؤمن برسل الله وكتبه السابقة؛ ولكن لم يكلفنا بالعمل بتلك الكتب لأنه
أغنانا عنها بكتاب أهدى منها لا نحار في روايته، ولا نضل في درايته،
مشتمل على جميع ما فيها من صحيح الاعتقاد، معصوم من التحريف والتبديل،
محفوظ من الضياع والنسيان، حاوٍ لما لا يوجد فيها من المعارف الإلهية
كما سنبينه بعد إن شاء الله تعالى، خالٍ من الإضافات التاريخية
والآراء البشرية التي ألحقت بما بقي من الكتب السماوية.
على أن هذه الآية قد اختلف المفسرون في المخاطبين بها، فقيل هم
المنافقون المؤمنون في الظاهر، المرتابون أو الجاحدون في الباطن، كأنه
يقول لهم أيها المدَّعون الإيمان بالله وكتابه ورسوله وسائر كتبه
ورسله بأفواههم وظواهرهم، عليكم أن تؤمنوا بقلوبكم وتطابقوا بين
ظواهركم وبواطنكم، وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب لما روي من أن ابن سلام
وأصحابه قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة و
عزير ونكفر بما سواه فنزلت الآية، وقيل: هم المسلمون مطلقًا ولا
يَعْتَدُّ المسلمون بإيمان مسلم إذا أنكر الإيمان بالأنبياء السابقين
أو كذَّب كتبهم؛ ولكنهم لا يكلفونه بالبحث عنها والعمل بها؛ لأن الله
تعالى أغنانا كما قلنا ولأنه قد ضاع بعضها ونسي كما قال تعالى: {فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا
بِهِ} [المائدة: 14] وحرّف بعضها كما قال سبحانه : {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ
مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41] وكيف نأخذ بكتاب نُسِي حظ عظيم
منه، ربما كان مبينًا ومفسرًا للباقي، أو فيه ما ليس فيه مما لا بد
منه فيكون أخذنا به على غير وجهه، أو يكون ديننا ناقصًا ويصدق علينا
قوله تعالى في أهل الكتاب: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ
وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة : 85] الآية ؟ ونكتفي هنا
بالاستدلال على نسيان أهل الكتاب حظًّا منه بالقرآن الكريم؛ لأن
كلامنا مع الخصم في دلالة القرآن على صدق الكتب، وسنثبته بعد بشهادة
تلك الكتب وأقوال رؤساء الديانة النصرانية.
قال: "والخامسة تبيّن أن أهل مكة كانوا يعرفون التوراة والإنجيل كما
كانوا يعرفون القرآن" ونقول إن هذه الآية هي قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ
بِهَـٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ :
31] ولا دلالة فيها على ما ذكر حتى على تقدير أن المراد بالذي بين
يديه الكتب المتقدمة؛ لأن سبب رفضهم الإيمان هو دعوة القرآن ومن جاء
به إلى ذلك الإيمان، أي أنهم قالوا: إننا لا نؤمن بالكتاب الذي جئت به
يا محمد وقلت إنه من عند الله، ولا نؤمن بالكتب التي قلت إنها جاءت
قبلك من عند الله، فأين الدليل في هذا على أن أهل مكة كانوا يعرفون
التوراة والإنجيل بذاتهما ويتدارسونهما وهم أميون لا يوجد فيهم، بل
ولا في العرب كافة من يكتب إلا أفراد لا يبلغون طرف جمع القلة - قيل
إنهم كانوا ستة نفر - والوجه الثاني في تفسير قوله تعالى: {وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}
[سبأ : 31] أنه يوم القيامة وما يتلوه من الثواب والعقاب وهو
الأظهر.
قال: "والسادسة تبين إقرار محمد بصحة الكتاب ومساواته إياه بالقرآن"
ونقول إنه أورد الآية السادسة هكذا: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ
اللَّـهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا -القرآن والإنجيل- أَتَّبِعْهُ} فانظروا أيها المنصفون
إلى أمانة هؤلاء الناس في النقل، وإلى تحريفهم في المعنى وهم يخاطبون
المسلمين ويعرفون حرصهم على القرآن العظيم وقد أنزل الله تعالى الآية
هكذا: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ
عِندِ اللَّـهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ} [القصص : 49] أي أهدى من القرآن والتوراة لا
الإنجيل كما زعم مصنف كتاب الأبحاث، والدليل على ذلك قوله تعالى قبل
هذه الآية: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم
مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا
لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا
بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا
وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 47-48] (وفي
قراءة ساحران) وحكمة إسناد الكفر بموسى إليهم بيان طبائع الأمم وتشابه
أطوار البشر حتى كأن الحاضر عين الماضي، ولذلك قال الحكماء: التاريخ
يعيد نفسه، والآيات حجة على المكابرين وبرهان قاطع لألسنة المعاندين،
وليس فيها ما يدل على المساواة بين القرآن والتوراة في كل شيء فإن
تعجيز المشركين بالإتيان بكتاب من عند الله أهدى مما جاء به موسى ومما
جاء به محمد لا يقتضي أن ما جاء به أحدهما مساوٍ لما جاء به الآخر،
أرأيت لو قيل لجاهل بعلم المنطق ينكر على علمائه وكتبه: ألف لي كتابًا
فيه يكون خيرًا من كتاب إيساغوجي وكتاب (البصائر النصيرية) أتقول: إن
هذا القول يدل على أن الكتابين متساويين من كل وجه ؟
قال: "والسابعة تبيّن الإقرار الصريح على أن التوراة صحيحة سالمة
فيها حكم الله، وأن متبعها ليس في حاجة إلى أن يُحكِّم أحدًا سواها"،
ونقول : إن الآية السابعة هي قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ
التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّـهِ} [المائدة: 43] هذا ما
أورده المصنف منها وتتمتها {ثُمَّ
يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَـٰئِكَ
بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43] وهي لا تدل على ما قاله لما
نبينه هنا تبيينًا.
الآية واردة في التعجيب من حال اليهود الذين يحكِّمون النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم في بعض أمرهم، وهم غير مؤمنين به كالذين طلبوا حكمه
فيمن زنى من أشرافهم، وقالوا: إن حكم بالجلد أخذنا بحكمه، وإن حكم
بالرجم فلا نأخذ به.
مع أن حكم الزاني منصوص عندهم في التوراة؛ ولكنهم يريدون اتباع
الأسهل والأخف ووجه التعجيب أن هؤلاء القوم ليس لهم ثقة بدينهم ولا
إذعان لكتابهم، فهم يحكِّمون صاحب شريعة غير شريعتهم، وشريعتهم التي
يقولون إنها من عند الله وفيها حكمه بين أيديهم، ومن العجيب أنهم لا
يقبلون حكمه إذا هو وافق ما عندهم، وهذا نهاية البعد عن الإيمان
الصحيح الخالص بكتابهم، ولذلك قال تعالى بعد استفهام التعجب من
تحكيمهم {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة :
43] أي ليس إيمانهم بكتابهم صحيحًا لأنهم أعرضوا عنه أولاً فتحاكموا
إليك يا محمد، ثم أعرضوا عن حكمك الموافق له ثانيًا، أو النفي لصفة
الإيمان عنهم بالإطلاق، فيدخل فيها ما ذكر ويدخل فيها الإيمان بالنبي
صلى الله عليه وسلم وما جاء به، أي أنهم فسدت نفوسهم وبطلت ثقتهم
بالدين مطلقًا حتى لا يرجى منهم أبدًا.
وظاهر أن القول بوجود حكم لله أو أحكام متعددة في كتاب الله لا يقتضي
أن يكون ذلك الكتاب كله صحيحًا سالمًا من التحريف، مشتملاً على جميع
ما أنزله الله تعالى، فإنني أقول إن كتاب السيرة الحلبية مثلاً فيه
حكم الله، ولا أعتقد أن كل ما فيه من الله تعالى، وأنه سالم من
التحريف ولا حاجة لغيره، بل أعتقد مع هذا أن فيه أقوالاً اجتهادية
وآراء للمؤلف ونقولاً لا تصح، وإننا في حاجة إلى غيره.
__________
المنار 4/15/574