ماذا بعد خسارة معركة حلب ؟!

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

لا يمكن لأحد أن ينكر أن خساره ثوار سورية – بل والأمة الإسلامية جمعاء – لـمعركة حلب هي في الحقيقة خسارة كبيرة، نظرا لما تمثله المدينة التاريخية من أهمية جغرافية واستراتيجية و أيديولوجية لا تخفى على أحد، فهي أكبر المدن السورية وعاصمتها الاقتصادية، وهي القاعدة التي انطلقت منها الحملات المتتالية ضد الصليبيين تاريخيا، و كانت منطلق مواجهة المجوس العبيديين، و مركز انطلاق الشرارة الأولى لتحرير بيت المقدس وبلاد الشام بعد الجهود النورية والأيوبية الناجحة في توحيد مصر والشام نحو هذا الهدف .

ولكن خسارة جولة ومعركة لا يعني بحال من الأحوال هزيمة المجاهدين وانتهاء ثورة الياسمين، فمن المعروف أن الحرب كر و فر، وأن التاريخ القديم والحديث مليء بالشواهد والأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة، خاصة إذا وضع المعنيون أيديهم على أسباب تلك الخسارة، و سارعوا باتخاذ ما يلزم لعدم تكرارها مستقبلا .

ومع أن البعض قد يرى أن سبب خسارة معركة حلب هو ذلك البون الشاسع في ميزان القوة بين الثوار على الأرض، وبين أعدائهم من الروس والصفويين والنصيريين ومن يقف وراءهم، فبينما يملك الروس ترسانة عسكرية ضخمة ومتطورة، يستخدمونها في حرق الأخضر واليابس – سياسة الأرض المحروقة – تمهيدا لدخول مرتزقة إيران وقطعان النصيرية ....تم حرمان الثوار من مضاد واحد للطيران، ناهيك عن ممارسة كل وسائل الحجر والمنع لبقية الأسلحة النوعية ......

إلا أن الحقيقة أن ذلك السبب الخارجي – وإن كان عاملا وسببا رئيسا - ليس هو الوحيد في خسارة معركة حلب بالتأكيد، فهناك أسباب أخرى داخلية وإقليمية لعبت دورا في وقوع تلك المحنة والمصيبة، لا بد من الاعتراف بها أولا، ومن ثم العمل على عدم استمرارها في قابل الأيام، بل المسارعة إلى إزالتها إن أردنا حقا تحقيق النصر واستكمال تحرير سورية من الاحتلال الروسي الصفوي النصيري .

لقد أشار الكثير من المحللين والباحثين والمفكرين إلى بعض تلك الأسباب، ويمكن اعتبار عدم قدرة قادة الفصائل على الوصول إلى صيغة للوحدة والاجتماع،  والاستمرار في حالة الفرقة والتشرذم والتعصب للريات، بل والاختلاف والتناحر والاقتتال في بعض الأحيان في أكثر من جبهة ومكان ..... أهم الأسباب الداخلية المحلية .

وإذا أضفنا إلى هذا السبب الداخلي المحوري سببا آخر إقليمي، يتمثل ربما - حسب بعض المحللين - في عدم إدراك الدول الداعمة للثورة السورية خطورة ارتدادات إجهاض ثورة الياسمين وانتصار القوى المعادية لها على المنطقة بأسرها، والفاتورة الباهظة الثمن في الإحجام عن دعمها بما يلزمها من أسلحة نوعية كان يمكن أن تحسم المعركة في أكثر من مرحلة من مراحل تلك الثورة ....فإن معالجة تلك الأسباب تغدو الآن من الضرورة بمكان .

إن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: ماذا بعد خسارة معركة حلب وسقوطها بيد المجوس والروس والنصيرية ؟! والحقيقة أن الإجابة عليه - على أرض الواقع - وليس بالكلام والتصريحات فقط - هو الذي سيحدد بلا شك مسار الأحداث مستقبلا  .

أما بالنسبة لأعداء ثورة الياسمين والتحالف الكوني ضد أهل السنة في بلاد الشام، فيبدو الجواب على السؤال السابق واضح المعالم، فكل الدلائل تشير إلى أنهم مصرون على الحسم العسكري، ولا يريدون السلام المزعوم ولا يفكرون فيه، اللهم إلا كوسيلة لكسب الوقت لا غير، و قد تكون وجهتهم بعد حلب إلى معقل الثوار الرئيسي في إدلب، أو ربما في الغوطة الشرقية بريف دمشق أو ......

وأما بالنسبة للثوار والدول الداعمة لهم فلا بد أن تكون الإجابة على السؤال حاسمة وإيجابية،  إذ إن الاستمرار على الحال الذي أدى إلى سقوط مدينة حلب وخسارة معركتها الاستراتيجية، وعدم تدارك الأخطاء التي أدت إلى وقوع المأساة التي يتابع آثارها ملايين المسلمين على وسائل الإعلام .....لا يمكن لأحد أن يتحمل نتائجها .

لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بالكثير من التحليلات على ما جرى ويجري في حلب، وانهالت التغريدات المنددة بالجريمة الدولية المرتكبة ضد الأبرياء هناك، وكثرت التعليقات المشيرة إلى أسباب ما حصل والسبل الكفيلة بالخروج من هذا الواقع المرير .

الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أكد على ضرورة النقد الذاتي البناء ومراجعة المواقف ومعالجة الأخطاء قائلا : كلامنا عن نهوض الأمة وعدم استسلامها لا يعفي أحدا من مسؤوليته، فعلى الجميع أن يراجعوا مواقفهم..... بدون مراجعات نقدية تتواصل الأخطاء.

أما الشيخ د . محمد العريفي فغرد بالتنويه إلى خطر آثار وارتدادات سقوط حلب قائلا : بسقوط أحياء حلب الشرقية والمجازر على أهلها والقتل الذريع ! تحترق حدائقنا الخلفية وتنكشف ظهورنا.....لا، بل تحترق قلوبنا أيضاً.

من جهته اعتبر الكاتب والمحلل السياسي و مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي باسطنبول مهنا الجبيل أنه : إذا لم تعيد الفصائل بنيتها الاجتماعية وفكرها السياسي وخطيئة فهمها للتشريع الإسلامي الذي شرذمها  .... ثم التوحد بقيادة للجيش الحر  ...... فستسقط كل سوريا ...

فهل سيعي الثوار والدول الداعمة لها خطورة الموقف بعد خسارة معركة حلب ؟! وهل سيتعاملون بمسؤولية وجدية مع الاستحقاقات الواجبة تجاه الحدث الجلل ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

د.زياد الشامي