ست وقفات مع الاحتفال برأس السنة الميلادية

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -

الأعياد ظاهرة بشرية، عرفت منذ قرون طويلة، يحتفل فيها أصحابها بمناسبة دينية، أو ذكرى سارة، أو حدث بارز. وكانت العرب قبل الإسلام تحتفل بعيدين اثنين، فلما جاء الإسلام وضع الحدود الشرعية للأعياد، وبين آدابها، ومقاصدها. قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى» [صحيح سنن النسائي: 1555]. وقال صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر في عيد فطر أو أضحى:«يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا» [صحيح البخاري:952]. وهذا يفيد الاختصاص.

غير أن بعض المسلمين - اليوم - ذُهلوا عن هذا التوجيه السليم في تشريع الأعياد، فراحوا يتمثلون أعياد غيرهم، ويحتفلون بمناسبات غيرهم، سواء كانت مناسبات دينية، أم غير دينية، كما هو الشأن في الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، الذي يتهيأ له كثير من المسلمين - هذه الأيام -، تطبيعا وتمثلا، حتى صار من الأمور الراسخة التي لا تقبل الحيدة، مما استوجب بعض الوقفات المضيئة لجوانب قد تخفى على مثل هؤلاء.

1- الاحتفال بعيد ميلاد المسيح لا أصل له لا في الإسلام ولا في النصرانية نفسها، وإنما أدخله الوثنيون الرومان إلى النصرانية لما تنصروا في القرن الرابع الميلادي، واستبدلوا به الاحتفال بإله الشمس الذي كانوا يقيمونه في الخامس والعشرين من دجنبر، باعتباره اليوم الذي يبدأ فيه طول النهار بالازدياد، ولذلك كان يومَ احتفال الصينيين - كذلك - بميلاد ربهم "جانغ تي"، ويومَ احتفال قدماء الفرس بميلاد إلههم "ميثرا"، ويومَ احتفال الهندوس بميلاد إلههم "كريشنا"، والأمر نفسه بالنسبة للكلدانيين، وقدماء الأتراك، وجدود الإنجليزيين، وقدماء الإسكندنافيين، والليتوانيين، والروس القدامى، وعند اليونان وغيرهم، فكيف اتفقوا إذن على يوم واحد؟.

2- وبما أن هذا الاحتفال من خصائص النصارى عباد الصليب، فمشاركة المسلم لهم فيه نوع من الولاء لهم، والجهرِ بمحبة دينهم، والانحشارِ في زمرتهم، والرضى بمعتقداتهم، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. ويقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18]. والرسول صلى الله عليه وسلم  يقول: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [صحيح الجامع: 2831]، ويقول صلى الله عليه وسلم : «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» [صحيح الترمذي: 3535].

فلماذا هذه الدعاية الكبرى لهذه الاحتفالات في بعض الجرائد، والمجلات، والقنوات، والإذاعات، والمواقع الإلكترونية، وبطاقات التبريك التي تنهال على الهواتف من جانب، وواجهاتِ المقاهي التي تزينت بالأحمر والأبيض، وربما وضع بجانبها رموز هذا العيد من شجرة مزينة، وكؤوس الخمور إشهارا ودعاية، والفنادقِ التي خصصت القاعات الفارهة لاحتضان ليلة الصفر، مع الدعاية لحجز مقاعد الطائرات إلى العواصم المحتفلة، واستدعاء المطربات والمطربين من الأرجاء بالثمن الباهظ، ترنما بالملذات مع سبق الاعتراف، وإمعانا في الشهوات بالإسراف، وإغراقا في التبذير والاقتراف، حتى إن الأسرة الغربية الواحدة تنفق في هذه المناسبة أزيد من 600 دولار، كما صرفت إحدى الدول الغربية أزيد من خمسين مليار دولار، فكم يكون مجمل ما يُصرف في الغرب والشرق في هذه المناسبة؟.

ومن عجب أن النصارى لا يبادلون هؤلاء المتعاطفين من المسلمين مع دينهم تعاطفا مماثلا مع ديننا، فما سمعنا أحدهم يحتفل بعيد الفطر أو عيد الأضحى، بل يعتبرون استسلام بعضنا لعاداتهم ومعتقداتهم تحكما في رقابهم، وتحقيقا للتبعية لأهوائهم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» [صحيح البخاري: 3456]. والقرآن الكريم ذكر هذه الهواجس النفسية التي تعتريهم، فقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، فكان الرد: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].

3- ما يصحب هذا الاحتفال من مخالفات شرعية وأخلاقية وعقدية؛ فإذا كان عيد الفطر عندنا يعقب عبادة الصيام، وعيدُ الأضحى يعقب عبادة الحج، فإن عيد رأس السنة مناسبة - عندهم - لاحتساء كؤوس الخمور، والرقص على نغمات المجون، وممارسة فنون الفواحش، وألوان الموبقات، وصنوف الفجور، مع باعتقاد أن المولود في هذا التاريخ هو الرب، أو ابن الرب، القائم على الكون خلقا وتدبيرا وتخليصا

عجبا للمسيح بين النصارى *** وإلى الله والدًا نسبوه
أسلموه إلى اليهود وقالوا *** إنهم بعد قتله صلبوه


ومع ما يصحب ذلك من معتقدات مضحكة، تنم عن تخلف في العقل، وتصحر في الفطرة، كاعتقادهم أن شريعة المسيح عليه السلام، توحي إليهم أن الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف ليلة رأس السنة، سيكون سعيد الحظ، وإذا كان عزبًا فسيكون أول من يتزوج من بين رفاقه في تلك السهرة، كما توحي لهم أن من الشؤم دخولَ منزلٍ في هذا العيد دون هدية، وأن كَنْس الغبار إلى الخارج، يُكنس معه الحظ السعيد، وأن غسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم، وأن الحرص على بقاء النار مشتعلة طوال ليلة رأس السنة يحمل الحظ السعيد، وبعضهم يحرق كتلة من جذع شجرة عيد ميلاد المسيح، ثم يحتفظون بالجزء غير المحروق، ويعتقدون أن ذلك الحرق يجلب الحظ.. إلى غير ذلك من التهاويل التافهة، والخرافات الباطلة.

4- إن التأمل في الانتشار الواسع لهذه الاحتفالات، يستشعر مدى الهيمنة الغربية على دول العالم، وقدرتها على اختراق المجتمعات، إذ وَجدَتها فرصة سانحة لنشر ثقافتها، وتثبيت زعامتها، وترويج منتجاتها من لعب وسلع، مما يَلقى رواجا كبيرا في هذه المناسبة، فتغتني فئة قليلة على حساب استهلاك فئة كبيرة، وتسعد طائفة قليلة على حساب شرائح الفقراء، والمشردين، والأميين، حتى وجدنا مليارا وعشرين مليون شخص في العالم ضحايا الجوع، و121 مليون أمي في العالم من الأطفال واليافعين وحدهم.

5- في هذه الليلة ترتفع الحوادث المهلكة بنسبة ملحوظة، بسبب شرب الخمور حتى الثمالة، وما يستتبع أم الخبائث من حوادث السير المروعة، واعتداءات على الممتلكات، والأعراض، والأرواح أحيانا، فضلا عن الصخب، والصراخ، والضجيج، وألفاظ الشتم والقذع، مما يقض مضاجع النائمين، ويطرد السكينة عن الآمنين.

6- فهلا انتبهنا إلى موقف نصوص شريعتنا من مثل هذه الاحتفالات؟

• قال ابن سيرين في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ": "هو الشعانين - وهو عيد من أعياد النصارى -".

وقال مجاهد: "الزور: أعياد المشركين".

وقال عبد اللهِ بن عمرٍو - رضي الله عنهما -:"من مر ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشر معهم يوم القيامة" رواه البيهقي، وقال ابن القيم: إسناده صحيح.


ولقد أجمع الأئمة الأربعة على تحريم احتفال المسلمين بأعياد المشركين التي تخص دينهم. وكان علماء المالكية من أكثرهم تشددا في هذا الأمر.

فقد قال ابن القاسم: "لا يَحِلُّ للمسلمينَ أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ، لا لَحْماً، ولا إداماً، ولا ثوباً.. ولا يعانون على شيءٍ من دينهم، وهو قولُ مالكٍ وغيرهِ، لم أعلمْ أحداً اختلفَ في ذلكَ" .

وجاء في معيار الونشريسي عن العلامة سحنون قال: "ولا تجوز الهدايا في الميلاد من مسلم ولا من نصراني، ولا إجابةُ الدعوة فيه، ولا الاستعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام ".

وذهب ابن رشد إلى منع شراء اللعب التي تدل على تعظيم دين النصارى، كشجرة رأس السنة، ومجسم البابا نويل، فضلا عما فيه تصاليب، فقال: "لا يحل عمل شيء من هذه الصور، ولا يجوز بيعها ولا التجارة بها".

بل حتى مجرد تهنئتهم بأعيادهم لا تخلو من مشاركة في اعتقادهم. قال ابن القيم رحمه الله :"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به، فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا.. بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد ويلالي