إياك وترك راية الإسلام (11)
مدحت القصراوي
معنى دعاة على أبواب جهنم
- التصنيفات: السياسة الشرعية - الواقع المعاصر -
ومما يجب ذكره بعدما أوضحنا خطورة التولي بغير ولاية الإسلام من القوميات والوطنيات البديلة عن راية الإسلام أو المقدَّمة عليها، وأنها تستلزم التفرق المطلق الذي نزلت الآيات بشأن التحذير منه {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106].
ففي هذا المناط جاء حديث رسول الله الذي رواه حذيفة رضي الله عنه أنه سيأتي شرٌ على الأمة متمثلًا في «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها» (سنن ابن ماجه: 3977)، فالمقصود بهم هو دعاة العلمانية والقومية لأنهم دعاة للخروج عن أصل الدين والانسلاخ من الإسلام، وفي هذا قد يحتجون بالدين على الدين، ويبطلون بعض آيات الله ببعضها، ويهدمون أصوله ويضيّعونها محتجين بمتشابهات يسوقها علماء السوء وخُدّام الطواغيت.
ولهذا كان حديث حذيفة يتكلم عن حال السلطة التي تحكم المسلمين (الجماعة الممكَّنة) ما بين خير في (عهد النبوة والعهد الراشد)، ثم اختلاف وشر(عصر الفتن والاختلاف بعد مقتل عثمان إلى عام الجماعة) ثم خير وفيه دخَن (منذ الأمويين إلى نهاية عصر العثمانيين، مع اختلاف الشرور واشتدادها) ثم هذا الشر الأخير الذي نعيشه اليوم (جميع الأوضاع العلمانية القومية التي ظهرت بعد سقوط الخلافة وإسقاط الشريعة والولاء الإسلامي وهويته).
ولما سأل حذيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن: ماذا لو لم يجد هذه الجماعة؟ يقصد بها السلطة الممكَّنة لخليفةٍ أو إمامٍ حاكم قائم بشريعة الله وولاء الإسلام، فقال له: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا» (سنن ابن ماجه: 3977)، والمقصود بالفرق هنا الكيانات القومية العلمانية التي تنسلخ عن الإسلام وولائه (وهويته) وتقدم روابط أخرى وتلتزم شرائع أخرى.. فيعتزلها، لا يعتزل المسلمين وشعوبهم وجماهيرهم.
بل يعتزل تلك السلطات المختلفة القائمة على فرض روابط قومية بديلة وتنحية الشريعة وتبديل الشرائع، فلا يظاهرهم ولا يعاونهم بل يبرأ منهم ويخرج عن تأييدهم، فإن وجد خليفة أو إمامًا مسلمًا قائمًا بالشريعة وولاء الإسلام، ولو مع بعض الانحراف ـ كما كان في آخر الدولة العثماينة ـ فلْيلزمها ولا يعاون حركات التمرد القومية كالأتاتوركية والقومية العربية الخائنة وقوميات ما بعد ذلك القائمة على نعرات الجنس كالكردية والأمازيغية والفارسية وغيرها، ولْيحافظ على الكيان القائم بالإسلام ويعينه قدر استطاعته حتى يصلحه ويقويه.. إن تمكّن من هذا.
فإن لم يجد خليفةً ولا إمامًا حاكمًا قائمًا بشريعة الله فلا يعِين ولا يقبل شيئًا من تلك الأوضاع المنحرفة، وليس عليه أن يعتزل الحياة فأمْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا , وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ» (سنن ابن ماجه: 3977)، هو للتنفير الشديد والتحذير من خطورتها على الدين وعلى الأمة..
ثم ماذا يفعل المسلم؟ عليه أن يعمل لدين الله وإعادة إقامته شريعةً وولاءً وهويةً.
وأما جماعات العمل الإسلامي فهي ليست فرقًا؛ بل هي أشبه بالمدارس الفقهية العاملة لدين الله.. لكنها مدارس للعمل العام.
وما من أحد أجهل ممن يحمل معنى الفرق المذكور في حديث رسول الله على جماعات العمل الإسلامي المجاهدة العاملة لدين الله وإعادة شرعيته والتمكين له.
فهذا باب آخر.. ولهذا سنبين بإذن الله تعالى الفرْق بين اختلاف التضاد الذي ذكرناه سابقًا، واختلاف التنوع، وضوابط العمل الإسلامي بإذن الله.
لكن نؤكد أن الفرق المذمومة والاعتزال المأمور به هو للفرق المتمثلة في سلطات تفرض غير شريعة الله وغير ولاء المسلمين.. فإياك وترك الراية، وإياك والمخادعين عن دين الله.