خريف المناصب وربيعها !
عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
إن الذي يزجر النفوس عن سُعار المناصب والافتتان بها هو استصحاب أن
هذه المسؤوليات إنما هي حقوق وتبعات ، فهي أمانة وإنها يوم القيامة
خزي وندامة ، وأن جميع الوِلايات إنما نُصبت لأجل إقامة دين الله
وإصلاح دنيا الناس..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لئن كان ابن القيّم قد حكى أن في فصل الخريف تكثر الأمراض ويعظم فساد الهواء.. إلا أن هذا الخريف " القاتل " هو ربيع عند آخرين !! فقال - رحمه الله - (فقد جرت عادة الصيادلة ومجهزي الموتى أنهم يستدينون ، ويتسلّفون في الربيع والصيف على فصل الخريف ، فهو ربيعهم ، وهم أشوق شيء إليه ، وأفرح بقدومه) الهدي 4/41
وأما في هذه الأيام فإن شهر ربيع القادم قد بات خريفاً معكّراً ، وشهراً مقلقًا لدى بعض المولعين بالمناصب ! فأولئك الهائمون يخشون أن يكون هذا الربيع خريفًا تتهاوى معه أوراقهم ومناصبهم .
وذاك الهلع على المناصب باعثه أمران :- سكر المال وسكر المنصب " ومتى إفاقة من به سُكْران! "
ويُخاطب هؤلاء كما خاطب ابنُ تيمية ملكَ قبرص فقال :- (وأما الدنيا فأمرها حقير ، وكبيرها صغير ، وغاية أمرها يعود إلى الرياسة والمال ، وغاية ذي الرياسة أن يكون كفرعون الذي أغرقه الله في اليمّ انتقامًا منه ، وغاية ذي المال أن يكون كقارون الذي خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) مجموع الفتاوى 28/615
ومع وقوع التعيين أو الإقصاء عن مناصب ووظائف إلا أن العلم الشرعي لا يخضع لذلك ، ولذا قال الباجي رحمه الله :- (والعلم وِلاية لا يُعزل صاحبها ولا يَعرى من جمالها لابسها) وقال ابن تيمية :- (والمنصب والوِلاية لا يجعل من ليس عالماً مجتهداً عالماً مجتهداً) مجموع الفتاوى 27/296
وإن حب المناصب والحرص والتكالب عليها يفسد دين المرء كما في حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «ماذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لهما من حرص المرء على المال والشرف لدينه» أخرجه الترمذي .
وإن الذي يزجر النفوس عن سُعار المناصب والافتتان بها هو استصحاب أن هذه المسؤوليات إنما هي حقوق وتبعات ، فهي أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، وأن جميع الوِلايات إنما نُصبت لأجل إقامة دين الله وإصلاح دنيا الناس ، وأن أربابها الأكفاء هم الأمناء الأقوياء ، وأن يعي العامة وأشباههم خطورة الوِلايات وفداحة شأنها ، وأن أربابها أحوج إلى الرحمة والإشفاق ، وأعظم افتقاراً إلى عون الله وتسديده .
وأخيراً تأمّل ما قال ابن القيم ثم قارنه بواقعنا وحالنا.. يقول ابن القيم :- (وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالوِلايات ، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء ، تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه ، وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم ، فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً ، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك) أحكام أهل الذمة 1/206.
المصدر: شبكة نور الإسلام