لمصلحة مَن العبث بالمناهج الإسلامية عربيًا؟!
"إن المدارس في سوريا لم تعلمنا الإيمان وإنما علمتنا الطائفية".
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لا يكاد يختلف اثنان على أهمية العلم والتعليم في نهضة أي دولة من الدول أو أمة من الأمم، فبالعلم تُحلُ أعقد المشكلات، وبالعلم تتوضح معالم مستقبل الشعوب، وبالعلم تترسخ هوية الأمم، وبالعلم تُصنع الحضارات وتُبى الدول.
وبما أن دين الله الخاتم قد اهتم بالعلم والتعليم أيما اهتمام، فكانت أول آيات القرآن {اقْرَأْ} [العلق:1]، واعتبر الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم طلب العلم وتحصيله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وشهد العالم في ظل الإسلام حضارة لم يشهد التاريخ لها مثيلًا... فقد ركز أعداء هذا الدين اهتمامهم على استهداف مكمن قوة المسلمين ومصدر رفعتهم وعزتهم وسيادتهم، ألا وهو تمسكهم بدينهم الذي يأمر أتباعه بالعلم النافع الذي ينتج العمل الصالح، وذلك من خلال تفريغ مناهج التعليم في بلادهم من أي ارتباط بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومما ساعد أعداء دين الله بتنفيذ هذه المهمة الخبيثة سقوط الخلافة العثمانية، وخضوع كثير من الدول العربية والإسلامية لنيرالاحتلال الغربي، الذي كانت أولى اهتمامته تغيير مناهج التعليم في ديار الإسلام، ومحاولة إبعادها عن هويتها الإسلامية، والعمل على صبغها بالصبغة العلمانية "اللادينية".
وعلى الرغم من نجاح الإحتلال الفرنسي والإنكليزي - إلى حد ما - في إحداث تغيير جذري في مناهج تعليم الأجيال المسلمة في عقر ديار الإسلام، إلا أنه لم يرض عن ذلك النجاح المحدود، وأبى إلا أن يزيل كل ما له صلة تربط الأجيال المسلمة بدينها وهويتها وجذورها، حتى بعد خروجه من بلاد المسلمين عسكريًا و إعلان زوال الاحتلال وانتهائه رسميًا.
لم يجد أعداء دين الله أفضل من فزاعة "الإرهاب" وسيلة للعبث بمناهج التعليم في بلاد المسلمين، وإفراغها من البقية الباقية التي تربطها بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن ربطوا مصطلح "الإرهاب" الغامض بأتباع الدين الخاتم، وأوجدوا - من خلال آلتهم الإعلامية الضخمة - تلازمًا باطلًا بين بعض آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبين ما يسمى "الإرهاب"!!
وكانت الموجة الأعنف من الحملة على مناهج التعليم في ديار المسلمين في العصر الحديث بعيد هجمات 11 من سبتمبر، حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية لحذف جميع آيات الجهاد والقتال الموجودة في كتب التربية الإسلامية أو اللغة العربية، في محاولة منها لإبعاد الأجيال القادمة عن مجرد التفكير في الدفاع عن نفسها ودينها وهويتها، أو مواجهة العدوان ومقاومة الإحتلال والطغيان. وطافت الدبلوماسية الأمريكية حينها على كثير من الدول العربية والإسلامية لتحويل الرغبة الأمريكية إلى واقع ملموس، وبدأت ملامح العبث بمناهج التعليم تظهر شيئًا فشيئًا في كثير من تلك الدول.
ويبدو أن الحملة على مناهج التعليم في ديار الإسلام ما تزال متواصلة، خصوصًا مع استمرار إستثمار الغرب لفزاعة ما يسمى "الإرهاب" لتبرير تلك الحملات وتمرير تلك المخططات، مستخدمة عملاءها وأزلامها الذين تربوا في أحضانها وتخرجوا من مدارسها وجامعاتها ليكونوا أداتهم في تنفيذ أجندتهم في الدول الإسلامية بعد خروجهم عسكريًا منها.
فها هي السلطات الأدرنية تطلق خطة حكومية لمحاربة ما يسمى "التطرف"، والتي طالت المناهج المدرسية وخاصة مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية والثقافة العامة، حيث قامت وزارة التربية والتعليم "بحلق اللحية للرجال، ونزع الحجاب عن السيدات في صور منهاج التربية الإسلامية للصف الأول الأساسي".
ونشر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي صورًا للمنهاج التعليمي قبل وبعد التعديل، مع تغيير طال لحية الرجل في الصورة وحجاب المرأة ولباسها أيضًا، في وقت اعتبرت فيه وزارة التربية والتعليم أن إزالة بعض المظاهر الدينية يعتبر من باب "التنوع"! والعجيب في الأمر هو تذرع السلطات الحكومية في إحداث هذا التغيير في المناهج التعليمية بـ"ضرورة" تعديل المناهج وترسيخ معاني الاعتدال والوسطية والقيم الإنسانية العليا مثل العدالة، والتسامح والمحبة، وقبول الآخر في الحياة كوسيلة لمحاربة الفكر المتطرف... وكأن لحية المسلم وحجاب المسلمة هو مصدر التطرف ومنبعه!!
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها تغيير في مناهج التعليم بالأردن، فقد تأثرت المناهج الأردنية تاريخيًا بالأحداث السياسية في المنطقة، وطرأت تغييرات على دروس تتعلق بالقضية الفلسطينية بعد توقيع معاهدة السلام الأردنية "الإسرائيلية" في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، وشطبت السلطات الأردنية دروسًا لرموز أردنية حاربت على أرض فلسطين كالشهيد الطيار فراس العجلوني الذي استشهد في قصف الطيران "الإسرائيلي" للقاعدة الجوية في المفرق عام 1967.
كما تأثرت تلك المناهج بعد معاهدة وادي عربة - كما يرى الخبير التربوي والرئيس السابق للجنة معلمي وكالة الغوث كاظم عايش - إذ نصت المعاهدة على بنود واضحة بإلتزام أطراف المعاهدة على عدم التحريض، مما انعكس على المناهج حيث تم شطب بعض الدروس.
ليست المناهج الأردنية وحدها التي تتعرض للعبث، فها هو برلمان طاغية الشام يناقش فعلًا البند المتعلق بإلغاء التربية الدينية من مناهج التعليم في سورية وإبدالها بمادة "الأخلاق" كما قال نائب برلماني عن منطقة "جبلة" التابعة لمحافظة اللاذقية مسقط رأس النظام السوري "نبيل صالح" على صفحته الرسمية على "فيسبوك" بداية الشهر الحالي.
ويتذرع أمثال هذا النائب وأضرابه من المطالبين بإلغاء مادة التربية الإسلامية وفي مقدمتهم الفنان "دريد لحام": أن التربية الدينية في المدارس كانت سببًا - حسب زعمهم - لما تعيشه سورية من طائفية في الوقت الحالي، وقال لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام في 14 تموز الماضي: "إن المدارس في سوريا لم تعلمنا الإيمان وإنما علمتنا الطائفية".
ولا أحد يدري كيف ألقى دريد لحام المسؤولية على مدرس مادة التربية الإسلامية بتعليم الأجيال الطائفية وبرأ نظام الطاغية الموالي له من هذه المسؤولية رغم الشعارات الطائفية الصارخة البغيضة التي رفعها مرتزقته منذ بداية الثورة السورية "الأسد أو نحرق البلد"... الخ ؟!
ولا حاجة بعد ما سبق للعودة إلى سؤال التقرير: لمصلحة مَن العبث بمناهج التعليم عربيًا ؟! فالجواب على ما أعتقد بات واضحًا للقارئ الكريم على ما أعتقد.
د. زياد الشامي