شيءٌ مؤسف
عبد العزيز مصطفى كامل
بالرغم من هذا وذاك فلا تزال هناك شرائحٌ عريضةٌ (جداً)..من المتدينين قبل غيرهم.. تفهم الشريعة على أنها مُجرد (تطبيق الحدود)
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
مع أن قضية الشريعة يُفترض أنها كانت لدى الإسلاميين هي محور صراعاتهم مع قوى الطغيان على اختلاف أشكالها؛ ورغم أن تضحياتهم الضخمة كان وراءها خوف صنوف الفجار من الحياة في ظلها، حيث لا مكان لشيوع الاستبداد والظلم والفساد.. أو الإلحاد والفقر والكساد ...بالرغم من هذا وذاك فلا تزال هناك شرائح عريضة (جداً)..من المتدينين قبل غيرهم.. تفهم الشريعة على أنها مجرد (تطبيق الحدود) التي تمثل – مع جلال قدرها- نزراً يسيراً من شُعب الإيمان..!..
بل إن كثيراً ممن يوصفون بـ "النخب الإسلامية" لا زالوا يقرنون الشريعة بالحدود، فيختصرونها ويبتسرونها في ذلك المعنى الضيق، الذي يجعلها ضامرة في ضمائر الكثيرين، ومؤجلة في برامجهم..بل ربما يستحي البعض منهم بالمناداة بها أوالتصريح بلفظها في خطاباتهم وبياناتهم ... جاهلين أو متجاهلين أن تلك الشريعة بمعناها العام؛ تمثل الدين كله؛ عقيدةً وشريعةً وسلوكًا، وتنتظم مكوِّناته – إيمانًا وإسلامًا وإحسانًا – وتحوي شُعب الإيمان البضع والسبعين، التي تعَبَد الله بها المؤمنين .. فهي حقيقة الرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – نبيًا ورسولًا..
ولهذا فلا يَسلم للمسلمين إسلامهم إلا بإقامتها بعد التحاكم إليها، ولا يأمن المؤمنون ولن يسعدوا إلا بالحياة في ظلها، مهما أعرض المعرضون من الحكام عن إقامة بعضها. حيث إن من المفاهيم السقيمة الشائعة عن الشريعة أيضاً؛ ربط إقامتها بإقامة (الحكومة الإسلامية)..! وكأن هذه الحكومة ستقيم على الشعوب شُعب الإيمان كلها..أو أنها هي المسؤولة عن مراتب الإيمان والإسلام والإحسان بكمالها..
لأجل هذا الفهم الساقط السقيم؛ تسمع كثيرًا عند التحدث عن حتمية تقديم الشريعة على غيرها في المسارات والشعارات ..عباراتٍ مثل..(المرحلة لا تسمح)..( دعونا أولا نهيئ الناس) ..( فلْنهتم أولاً بالشرعية وهي ستأتي بالشريعة)..(العالم سيتكالب علينا..)..( العيش والحرية والعدالة الاجتماعية قبل الشريعة الإسلامية)..! بل حتى بعض الجماعات الجهادية؛ تظن أنها بتنفيذ بعض الحدود في حدود سيطرتها؛ قد حولتها إلى مجتمع إسلامي مثالي ..!! ولهذا نتساءل: هل قصر علماء الأمة ومفكروها المعاصرون في إظهار معنى الشريعة وإبراز جلال قدرها ..؟ رغم دندنتهم ومطالبتهم الحكام بـضرورة (تطبيقها)..؟!
الشريعة تحتاج مني ومنك ومن كل الناس إلى منهاج صحيح ، يُبنى عليه انقياد وامتثال في النوايا والأقوال والأفعال، في العقائد والأحكام والأخلاق، على مستوى النفس ثم الناس... وهذا مضمارٌ عظيمٌ للسباق نحو "تطبيق الشريعة" وإنجاح ما تعودنا تسميته بـ (العمل الإسلامي) سواء كان في مجال العلم أو الدعوة أو التربية أو الجهاد... مع ضرورة مجاهدة النفس والهوى والشيطان وأولياء الشيطان طيلة هذا التسابق نحو إقامة شرائع الإسلام..
تأملوا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [ البقرة:208] والمعنى كما قال المفسرون : خذوا جميعًا بجميع عُرى الإسلام وشُعبه وشرائعه ، واعملوا بجميع أوامره ، واتركوا جميع زواجره ما استطعتم..
هل يحتمل هذا الأمر تسويفًا أو تأجيلًا أو ربطًا بأشخاص أو جماعات أو حكومات...؟...
إن العمل الإسلامي تحت لواء الشريعة بمعناها الصحيح.. سيجعل لكل مسلم مكلف ؛ دورًا في إقامة الدين، ولن يقصره فقط على"الإسلاميين".. لأن اتِّباع الشريعة (كلها) والدفاع عنها ضد خصومها..هو واجب الوقت لكل مسلم صغير أو كبير..ذكر أو أنثى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [ الجاثية: 18] فالتغيير الذي ننشده؛ أكثر مفاتيحه في أيدي عموم الأمة قبل حكامها..وعوامها قبل خواصها..
لهذا سنظل نقول: الشريعة أولًا..والشريعة ثانيًا..والشريعة آخرًا..