رفع الدرجات
سعيد عبد العظيم
كل واحد منا مدعو للتوبة والاستغفار والاستقامة على شرع الله.
- التصنيفات: التوبة - أعمال القلوب - الطريق إلى الله -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد.
فقد قتل نبي الله يحيى ونبي الله زكريا، وقذف نبي الله إبراهيم في النار وتهدده والده وقال {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم:46] .
وألقي نبي الله يوسف في غيابة الجب وحبس ظلمًا بعد أن شهد الجميع ببراءته {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف:42].
وحاولوا قتل نبي الله عيسى رغم سلمية دعوته، وقالت بنو إسرائيل لنبي الله موسى {قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف:129]، وقال لهم نبيهم موسى {اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:128].
وتنادى قوم لوط وقالوا {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56].
وحوصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب ثلاث سنين، وألقي على ظهره الشريف سلا الجزور، وخنقه عقبة بن أبي معيط وهو ساجد أمام الكعبة، وهموا مرارًا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
فمالنا نشمت وننتقص من قتل أو حبس أو مرض أو ابتلى بفقر أو غيره؟! وكأن هذا ما حدث إلا بسبب الذنوب وقلة الخيرية وسخط الله على المبتلي. وفي المقابل فعافيتنا الظاهرة من ذلك هي دليل رضى الله عنا في الدنيا، وعلو المقام في الآخرة، نكرر بلسان الحال والمقال ما ورد عن صاحب الجنتين عندما قال لأخيه المؤمن {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34]، {وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف:36].
وقتل من قتل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خيرة الله من خلقه بعد الأنبياء والمرسلين،
وقتل صاحب يس ومثلوا به فنصحهم ميتًا كما نصحهم حيًا وقال {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:27]. لقد انتقل إلى ربه شهيدًا، وذكره القرآن في معرض الثناء، ولم يقل ضيع نفسه وتهور وهو يواجه القوم بمفرده، ثم هان القوم على ربهم {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} [يس:28].
وكذلك الأمر بالنسبة لمؤمن آل فرعون الذي صدع بالحق فأرادوا قتله {فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر:45]. وهذا عبد الله الغلام يدل الطاغية على طريقة قتله احتسابًا للأجر عند الله، ووجدوه على النحو الذي مات عليه زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه...
مازال البعض لا يحسن التفريق بين موتة في سبيل الله ونصرة الحق وبين غيرها. قتل أصحاب الأخدود على هيئة محمودة وممدوحة. ولما قيل لمن دخل وحده في قلب صفوف العدو: ألقى بيديه إلي التهلكة، قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه "إنما نزلت فينا معشر الأنصار لما قلنا هلم إلى أموالنا نصلحها".
والأدلة في هذا المعنى كثيرة، شملت الكبار والصغار والرجال والنساء، حدثت في الماضي وتحدث في الحاضر وستحدث في المستقبل ولا حجر على سعة رحمة الله.
وفي قصة سعيد بن جبير مع الحجاج نحتاج إلي تدبر، قال الحجاج لسعيد: أنت الشقي بن كسير.
قال سعيد: بل كانت أمي أعلم باسمي منك.
قال الحجاج: شقيت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
قال الحجاج: لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى.
قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
قال الحجاج: اختر لنفسك قتله يا سعيد.
قال له: بل اختر لنفسك يا حجاح، فوالله ما قتلتني قتله إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة.
فلما خرجوا لقتله ضحك سعيد، فأخبروا الحجاج، فسأله عن سبب ضحكه،
فقال: عجبت لجرأتك على الله وحلم الله عنك.
فلما طرحوه على الأرض لقتله قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} [طه:55]، ومات وهو يدعو على الحجاج، قال: "اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي"، ومات الحجاج وهو يعوي، وكان يستيقظ من نومه مذعورًا ويقول: "مالي ولسعيد بن جبير".
كل واحد منا مدعو للتوبة والاستغفار والاستقامة على شرع الله {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل:46].
البلاء قد يكون لرفع الدرجات ومحو السيئات. فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة.
وورد أيضًا: «أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ و في روايةٍ : قدْرِ ) دِينِه ، فإن كان دِينُه صلبًا اشتدَّ بلاؤُه» (السلسلة الصحيحة).
وورد أيضًا: «إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم ، فمن رضيَ فله الرِّضَى ، و من سخِط فله السُّخطُ» (صحيح الجامع).
سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه في ذات الله فقتله.
وفق الله الجميع للعلم النافع وللعمل الصالح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.