الحلقة (17): أحكام الغسل والتيمم
أبو الهيثم محمد درويش
مختصر في أحكام الغسل: وموجبات الغسل، وصفة الغسل. ومختصر في أحكام التيمم وصفة التيمم.
- التصنيفات: الفقه وأصوله -
مختصر أحكام الغسل:
الطهارة من الحدث الأكبر؛ جنابة كان أو حيضًا أو نفاسًا، وهذه الطهارة تسمى بالغسل -بضم الغين-، وهو استعمال الماء في جميع البدن على صفة مخصوصة يأتي بيانها.
والدليل على وجوبه: قول الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة من الآية:6].
وقد ذكروا أن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية، وهو من بقايا دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيهم.
وموجبات الغسل إذا حصل واحد منها؛ وجب على المسلم الاغتسال:
- الجماع أو الاحتلام (مجرد الولوج ولو بغير إنزال يوجب الغسل)، وخروج المني لمرض أو برد بدون شهوة لا يوجب الغسل.
- إسلام الكافر.
- الحيض.
- النفاس.
- الموت: حيث يجب تغسيل الميت إلا الشهيد في المعركة (لا يغسل).
وصفة الغسل الكامل:
- أن ينوي بقلبه.
- ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثًا ويغسل فرجه.
- ثم يتوضأ وضوءً كاملًا.
- ثم يحثي الماء على رأسه ثلاث مرات، يروي أصول شعره.
- ثم يعم بدنه بالغسل، ويدلك بدنه بيديه، ليصل الماء إليه.
والمرأة الحائض أو النفساء تنقض رأسها للغسل من الحيض والنفاس، وأما الجنابة؛ فلا تنقضه حين تغتسل لها، لمشقة التكرار، ولكن؛ يجب عليها أن تروي أصول شعرها بالماء.
ويجب على المغتسل رجلًا كان أو امرأة أن يتفقد أصول شعره ومغابن بدنه وما تحت حلقه وإبطيه وسرته وطي ركبتيه، وإن كان لابسًا ساعة أو خاتمًا؛ فإنه يحركهما ليصل الماء إلى ما تحتهما.
أحكام التيمم:
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6].
والتيمم في اللغة: القصد، والتيمم في الشرع: هو مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص.
وكما هو ثابت في القرآن الكريم؛ فهو ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وهو فضيلة لهذه الأمة المحمدية، اختصها الله به، ولم يجعله طهورا لغيرها؛ توسعة عليها، وإحسانا منه إليها.
ففي (الصحيحين) وغيرهما: قال صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ».
وينوب التيمم عن الماء في أحوال هي:
أولًا: إذا عدم الماء: لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} سواء عدمه في الحضر أو السفر، وطلبه، ولم يجده.
ثانيًا: إذا كان معه ماء يحتاجه لشرب وطبخ، فلو تطهر منه؛ لأضر حاجته؛ بحيث يخاف العطش على نفسه، أو عطش غيره من آدمي أو بهيمة.
ثالثًا: إذا خاف باستعمال الماء الضرر في بدنه بمرض أو تأخر برء؛ لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ} إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} الآية.
رابعًا: إذا عجز عن استعمال الماء لمرض لا يستطيع معه الحركة، وليس عنده من يوضئه، وخاف خروج الوقت.
خامسًا: إذا خاف بردا باستعمال الماء، ولم يجد ما يسخنه به؛ تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء من الآية:29]، ففي تلك الأحوال يتيمم ويصلي.
وإن وجد ماء يكفي بعض طهره؛ استعمله فيما يمكنه من أعضائه أو بدنه، وتيمم عن الباقي الذي قصر عنه الماء؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن من الآية:16].
وإن كان به جرح يتضرر بغسله أو مسحه بالماء، تيمم له، وغسل الباقي؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} وإن كان جرحه ولا يتضرر بالمسح؛ مسح الضماد الذي فوقه بالماء، وكفاه المسح عن التيمم.
ويجوز التيمم بما على وجه الأرض من تراب وسبخة ورمل وغيره، هذا هو الصحيح من قولي العلماء؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أدركتهم الصلاة، تيمموا بالأرض التي يصلون عليها، ترابا أو غيره، ولم يكونوا يحملون معهم التراب.
صفة التيمم:
أن يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، ويمسح كفيه براحتيه، ويعمم الوجه والكفين بالمسح، وإن مسح بضربتين إحداهما يمسح بها وجهه والثانية يمسح بها بدنه؛ جاز، لكن الصفة الأولى هي الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويبطل التيمم عن حدث أصغر بمبطلات الوضوء وعن حدث أكبر بموجبات الغسل من جنابة وحيض ونفاس؛ لأن البدل له حكم المبدل، ويبطل التيمم أيضا بوجود الماء إن كان التيمم لعدمه، وبزوال العذر الذي من أجله شرع التيمم من مرض ونحوه.
ومن عدم الماء والتراب أو وصل إلى حال لا يستطيع معه لمس البشرة بماء ولا تراب؛ فإنه يصلي على حسب حاله؛ بلا وضوء ولا تيمم، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مختصر بتصرف من الملخص الفقهي للعلامة صالح الفوزان