مَن نُصارع؟
محمد جلال القصاص
أشد الأمور وضوحًا في المشهد الغربي هو أنه ليس نصرانيًا.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
عدد من المهتمين بالتصدي للنصرانية، أو بدعوة غير المسلمين وخاصةً في بلاد الغرب، يستدلون على انتشار الإسلام في الغرب بعدد المساجد والمراكز التعليمية التي تشيد وكيف أنها يومًا بعد يوم تزداد عددًا، ويستدلون بعدد الكنائس التي تهجر وربما تباع أو تهدم؛ ويتحدثون عن ضيق الغرب بالمآذان والحجاب، ويفسرون ذلك بأن الناس يدخلون في دين الله أفواجًا ولم يعد الغرب يتحمل فاتجه لتحجيم الظاهرة الإسلامية مخافة أن تسيطر على الغرب!!؛ ويختمون بإحصائيات رقمية -ليبدو قولهم دقيقًا- عن عدد المسلمين في البلدان الغربية وكيف أنهم بعد أعوام سيصبحون أكثرية!!....وللمشهد قراءة أخرى!!
أشد الأمور وضوحًا في المشهد الغربي هو أنه ليس نصرانيًا. بل يبغض النصرانية وكلَّ دينٍ. فمن البديهيات أن الحضارة الغربية السائدة اليوم "نهضت" على أنقاض النصرانية. هؤلاء الذين يسودون العالم اليوم حاربوا النصرانية المحرفة بدايةً وخاضوا مع الكنيسة حروبًا فكريةً نخبويةً ثم شعبويةً ثورية ثم سُلطوية بأدوات السلطة حين تمكنوا من الحكم بفعل الثورات، ولا زالوا يحاربون حتى قضوا عليها وألزموها جدران الكانئس. ويسمون العصور التي سادت فيها النصرانية بعصور الظلام. فهؤلاء واجهوا النصرانية حتى قضوا عليها. مارسوا النقد الفكري لكتاب النصارى "المقدس" بصبرٍ وتؤدة فيما عرف بالنقد النصي، (ومن باب الشيء بالشيء يذكر: المهتمون من قومنا لم يصبروا على على مجرد نقل نقدهم لنصوص كتاب النصارى)، ومارسوا الإقصاء العملي للنصرانية من واقع الحياة؛ ولذا فطبيعي جدًا أن تتراجع النصرانية وتقل الكنائس وروادها. فنحن لا نواجه النصرانية وإنما نواجه حضارة أخرى لا تؤمن بدين سماوي. إننا نواجه الإلحاد.. أو "عبادة الذات". ولذا فإن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: كيف هي معركة الإسلام مع الإلحاد؟، أيهما ينكمش وأيهما يتمدد؟، من يغلب من؟
ليتضح لك المشهد أكثر دعنا نلقي نظرة على المجتمعات الإسلامية والغربية:
حين كانت الحياة تحت سيطرة المسملين والنصارى كانت المجتمعات تحافظ على قدرٍ كبير من العفة والطهارة، ويظهر ذلك في انتشار الحجاب، فكل النساء كن يغطين أجسادهن كلها بالثياب وقلَّ بينهن من تكشف وجهها، وذلك في بلاد المسلمين وبلاد النصارى قبل مجيئ العلمانية، وكل النساء كن يجتهدن في بيوتهن يربين الأولاد ويحافظن على هدوء البيت واتزانه ولا يخرجن إلا للضرورة وفي وضع احتشام، فلا اختلاط ولا تبرج، وبالتالي لم يظهر الزنا بين الناس فضلًا عن الشذوذ الجنسي. وبعد أن جاءت العلمانية وهزمت النصرانية واستولت على المجتمعات الغربية، أخرجت المرأة من بيتها، ونزعت عنها ثيابها، ونشرت الرذيلة حتى أباحوا زواج الرجال من الرجال والنساء بالنساء، واستباحوا الفحش على الشواطئ وفي الطرقات، بل ونقلوه مصورًا لكل مكان واعتبروا ذلك "رقي" و"تحضر"؛ ولم يسلم من ذلك مجتمع من المجتمعات!!
اجتاحت العلمانية الملحدة الداعرة مجتمعات النصارى ومجتمعات المسلمين فغيرت هذه المجتمعات.اجتاحت بلاد المسلمين من كل مكان لم تترك شيئًا من مجالات الحياة إلا وفرضت عليه رؤيتها أو رؤية أخرى تتقارب وتتحرك باتجاه رؤيتها يومًا بعد يوم، فسيطرت على المجال السياسي والاقتصادي والعسكري، والثقافي... وكل مجالات الحياة..
وإذا تبين لك أننا لا نواجه النصرانية المُحَرفة وإنما نواجه العلمانية التي لا تؤمن بدين، والتي أكلت النصرانية قبل أن تأتي لبلاد المسلمين وتحاول الهيمنة على بلادنا، إذا تبين لك ذلك فدعنا نطرح السؤال الصحيح: أيهما يتراجع؟، الفضيلة أم الرذيلة؟
الذي يحدث الآن هو اجتياح الرذيلة للفضيلة. والأمر في منتهى القسوة والوقاحة. حضارة الرذيلة لم تكتفِ بهزيمة النصرانية والقائمين على بلاد المسلمين فقط، وإنما طوعتهم وجعلتهم من جنودها. طوعت النصرانية حتى تسفلت وانحطت ونزلت عارية لمستنقع الرذيلة، وكذا فعل دعاة الرذيلة بالمجتمعات الإسلامية. حالة من الاجتياح التام، فمن يتراجع ومن يتقدم؟
[انظر: مقال: هوية المعركة في مصر]
إن هؤلاء الذين يتحدثون عن هزيمة النصرانية يعيشون بعقلية الماضي، لا يفكرون، لا يتدبرون بشكل كافٍ، فنحن لا نواجه النصرانية بالأساس، وإنما نواجه الإلحاد، عبادة الذات، حضارة الرذيلة. تلك التي اجتاحت النصرانية والمجتمعات الإسلامية وطوعتها لأهدافها الخاصة.
إن هؤلاء أنفسهم موظفون عند الملحدين "عُباد الذات" أبناء حضارة الرذيلة، وأقل أدوارهم التي يؤدونها لخدمة العدو الحقيقي ( #حضارة_الرذيلة ) هو أنهم يظهرون تشدد غيرهم من الجادين الذين يسعون وراء استئناف الحياة الإسلامية من جديد.