رسالة لمن علمتني الحياة

خالد روشة

يا كريمة الأصل، ويا نفيسة المعدن، ويا عالية المقام، ويا من أوصاني بك ربي، ويا صاحبة الفضل الجميل، سامحيني على ما كان مني في دورة الأيام ..

  • التصنيفات: تربية النفس - الأدب مع الوالدين -

رغم أن عملي بين الكتب والورق والكلمات، إلا أنني أجدني صغيرًا متعثرًا عندما أكتب عنك أيتها الحبيبة الغالية، تصعب عليّ الكلمات وتتوه مني التركيبات فمن أين لي أن أجد ما يجمع ما أرجو أن أعبر عنه مما في صدري لك يا أمي الحبيبة؟!.

تخليت عن زخرفة الكتابة لأنها إنما يزينها مجرد كونها لك، وتركت تصوير المعاني فأحسن الصور رسم حروفك والحديث عنك، حتى بعدما كتبتها في الورق لم أحتج أن أعطرها، فعطرها عنوانك..

وجدتني بحاجة ماسةٍ أن أكتب لك، فلكم نسيت ذكرك وسط طاحونة الأيام ودورتها، ولكم أغفلت حقك، وأنت صاحبة الحق الكبير، ولكم أهملت رد جميلك الذي غمر حياتي كلها..

وجئت إليك أخطو خطواتي الوئيدة المتعثرة، تمامًا كما كنت أخطو إليك صغيرًا بعدما أرتكب الأخطاء، لكنني أتذكر جيدًا أن ثقي في مسامحتك لي كان دائمًا تملأ صدري، بل وتغريني أن أتصنع سلوك المعاتب لك، لكونك لم تبدئي أنت بندائي!

بحثت ما يمكنني أن اقدمه لك، فلم أجد في حياتي ثمينًا بقدرك سوى قلبي ..

فقلبٌ إليك يا أماه،  يقطر حبًا لك،  ونفسٌ تحيطك بأسمى معاني الوفاء، وعينٌ تحرسك فلا يطرف لها جفن حتى تسلمك إلى بر الأمان، ويدٌ حانية تمتد إليك تدعوك إلى قبول كل بذلٍ وأغلى عطاء أملكه في دنياي.

يا سيدة الحسن: فلكم جمع الله سبحانه فيك كل جميل، قلبٌ رقيق، ونفسٌ تقية، وروحٌ رفرافة، وعطاءٌ لا ينضب.


يا سيدة الحكمة: بأي نوعٍ من المديح أمدحك، وقد غمرتي عبر سنيني بكل جميل؟! وأي مديحٍ ذاك الذي يكافئ نور السنين؟!

يا سيدة العلم: فلكم علمتني أن أعبد الله، وأسجد له، واقرأ كتابه، فأحفظه ويحفظني، وأحب رسوله صلى الله عليه وسلم ..

علمني بكاؤك في جوف الليل معنى الرجاء، ونبهتني لحظات عينيك إلى الفقراء والمساكين بمعني الشفقة عليهم، وأيقظتني طرقاتك الحانية على كتفي بينما أنا غافلٌ فرحت أصارع المواقف الشديدة وأتحدى الصعاب.

فيا نهر الحنان، ويا شعاع القمر، كيف أتصور أن أقارن فضلك بتقصيري في حقك؟ وكيف يمكنني أن أتحمل لحظاتٍ لا يحصل لي فيها رضاك؟ وكيف يهدأ لي بالٌ إذا حلت بك الآلام؟

لماذا أشعر كلما ابتسمت في وجهي أنني لا زلت صغيرًا؟ أرتاح للابتسامة؟، لماذا لا تفارق مخيلتي قطعة الحلوى التي دومًا تقدميها إلى بينما أنا حزينٌ عابس؟.


إن منظر الشيب بين ثنايا شعرك يذكرني بمقدار ما أحمل من فضلك، وكل مرضٍ أو تعبٍ يمر بك يعاتبني على ما أسلفت من غفلةٍ عن رعايتك ..
.
لماذا لا أنسى كلماتك الحانية، ونصائحك الحكيمة؟ حتى عتابك على أخطائي صار محببًا إلي ..
يا صاحبة الوجه البسوم، والقلب الرؤوم، كم أنا مقصر تجاهك، كم أنا غافلٌ عن حقك، كم أنا جانٍ على أمانتك

فيا كريمة الأصل، ويا نفيسة المعدن، ويا عالية المقام، ويا من أوصاني بك ربي، ويا صاحبة الفضل الجميل، سامحيني على ما كان مني في دورة الأيام ..

واغفري لي قصر قامتي تجاه عطائك العالي السامق الرفيع، واقبلي مني حبًا يملأ قلبي ووفاءً تشفه روحي، ورجاءً ترتعد به جوانحي ..

لا تحرمينني صورة كفيك الضارعتين نحو السماء دعاءً لي، ولا تمنعينني سماع نبرات صوتك العذب في أمنياتك الجميلة لي، ولا وداعك كل مساء بينما أرحل إلى جوف ليلٍ مظلمٍ ولا صورتك التي تصحبني في كل مكان، ولا نصيحتك التي توقفني في كل مدينة وطيفك الذي يذكرني في كل موضع، فإنني أيتها الحبيبة لا أتصور منك لحظة وداع ..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام