الحرب المذهبية الكبرى (4)
عبد العزيز مصطفى كامل
ومع أن مشروع إيران الفارسي التوسعي الإمبراطوري، معادٍ لأهل السُّنة مذهبيًّا وللعرب عنصريًّا، لكنه ليس صديقًا ولن يكن صديقًا للنصارى الروم الغربيين، ولا يمكن لهؤلاء النصارى أن يكونوا أصدقاء لهم، وهم الذين يضيق بعضهم ببعض عند الطمع، بل النصارى أنفسهم يحارب بعضهم بعضًا بسبب الجشع
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
عدُوَّان .. وسيتحاربان!
تحت هذا العنوان كتبت منذ أكثر من عام حول حتمية الصدام بين أمريكا وإيران في نهاية المطاف، مؤكدًا أن الهدوء الذي يسود العلاقة بينهما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، بالرغم من أن التفاؤل الدولي وقتها كان شائعًا بتوصل الغرب إلى تفاهم مع طهران بشأن برنامجها النووي، لكن الأوضاع انقلبت بعد مجئ ترامب لتسفر عن الحقيقة المجردة التي عبرتُ عنها في السطور التالية، والتي أرى أهمية استحضارها في الأحداث الجارية التي ستتطور – والعلم عند الله – إلى صدامات ضارية..
" الغرب وإيران عدُوَّان؛ وبغضِّ النظر عن البُغض المشترك بينهما لنا نحن العرب والمسلمين السُّنة، وبرغم ما بينهما من رغبةٍ جامحةٍ في تفريقنا وتفتيتنا وإضعافنا؛ ومع الاعتراف بما بين الطرفين من ترتيبات كانت خفية، فأصبحت علنية لقهرنا وإذلالنا؛ برغم كل ذلك فهم أعداءٌ حقيقيون لبعضهم، لا تصنُّعًا ولا تظاهرًا، فالطرفان في النهاية «فرس وروم»..
وسيظل الفُرس فُرسًا، والروم هم الروم؛ أمتان شهد التاريخ قرونًا حروبهما، وسُجلت عداوتهما ومعاركهما في القرآن الكريم، في سورة سُميت باسم إحداهما (الروم) المنتصِرة، وأشارت إلى الأخرى (الفُرس) المهزومة، وذلك في قول الله تعالى: {الـم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْـمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: ١- ٥].
وقد تواطأت نصوص السنة على بقاء الروم رومًا معادين حتى آخر السنين باسمهم ووصفهم، عندما يجمعون لحروب المسلمين التي وُصفت بـ«الملاحم»، والتي خَصصت معظم كتب السُّنة أبوابًا لها. أما الفرس فإنهم لليوم يفخرون بأنهم امتداد لأمجاد فارس، وقد كانت إيران قبل حكم الشاه رضا بهلوي تسمى «بلاد فارس»، وهي لليوم تصرُّ على تسمية الشواطئ المحاذية لها بـ«الخليج الفارسي» وتقاطع أيِّ فاعليات أو إجراءات أو مناسبات يستخدم فيها وصف (الخليج العربي)!
قوة الفرس اليوم ليست مطلوبةً عند الغرب إلا بقدر إضعاف وإرجاف العرب والمسلمين السُّنة؛ فطهران منذ قامت ثورتها وإلى اليوم تحاول منافسة الغرب في أخطر منطقة في العالم استراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا، وهي المنطقة المسماة بالشرق الأوسط.. صحيح أنها تناور بذكاء الخبثاء، وتحاور بمكر الدهاة للوصول بمشروعها الإمبراطوري إلى غايته؛ حيث السيطرة الكلية على «أملاك» فارس التاريخية المزعومة من أفغانستان إلى اليمن- كما قال الخميني - لكنها في النهاية ترى نفسها أحق من الغرب ببلاد العرب، التي كانت مرتعًا للفرس طوال قرون، قبل أن يكسر الإسلام كبرياء فارس، ويطفئ المسلمون نار المجوس.
ومع أن مشروع إيران الفارسي التوسعي الإمبراطوري، معادٍ لأهل السُّنة مذهبيًّا وللعرب عنصريًّا، لكنه ليس صديقًا ولن يكن صديقًا للنصارى الروم الغربيين، ولا يمكن لهؤلاء النصارى أن يكونوا أصدقاء لهم، وهم الذين يضيق بعضهم ببعض عند الطمع، بل النصارى أنفسهم يحارب بعضهم بعضًا بسبب الجشع، كما حدث في الحربين العالميتين السابقتين، وما قد يلحق بعدهما من أخرى ثالثة. فالعداء بين طوائف النصارى مستحكم، ولكن حب الدنيا يؤجله أو يجمِّده إلى حين، كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: ١٤]، هذا فيما بينهم؛ فكيف ما بينهم وبين الفرس أعدائهم التاريخيين؟ " ..انتهى النقل من كتاب (حتى لايُستباح الحرم.. ص 202).
هذه رؤيتي التي كنت أراها..ولا أزال أراها...(هما عدُوَّان .. وسيتحاربان)!، لكن مكرهما لا محالة سيحيق بهما وبمن يخون الأمة لحسابهما {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر جزء من الآية: 43]