أول خطوة ممكنة نحو تحرير الأقصى
ملفات متنوعة
قضى الله ببر الوالدين لينتصر بالبارين على الطغاة الفاسدين. الجهاد
اختيار رباني لشرف نصرة الله العزيز الحكيم. اختيار رباني يعقبه تمحيص
واصطفاء ليتخذ منهم شهداء...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله الذي حبب إلينا رضا الوالدين ووفقنا في السعي إليه، والحمد
لله الذي كره إلينا وجنبنا سخط الوالدين. فضل بر الوالدين لا يخفى على
مسلم، سمعنا في بر الوالدين قصصا لا تعد ولا تحصى، سمعناها مرات بعد
مرات، وبر الوالدين يشغل آلاف الصفحات في كتب التراث وتراجم الرجال
والأخبار، في تراجم آباءنا وأجدادنا قصص لا تعد ولا تحصى عن بر
الوالدين من كثرة ما قرأنا وسمعنا من هذه القصص صار بر الوالدين مسألة
معروفة مشهورة، المسئول فيها أعلم من السائل، السامع فيها أوعى وأحفظ
من المبلِغ.
مَن منا لم يسمع بقصة الرجل الذي يحمل أمه لتقضي حاجتها وهي على
ظهره، سمعناها مرات بعد مرات أتى رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن
لي أماً بلغ بها الكبر، وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها فهل
أديت حقها؟ قال: لا، فقال الرجل: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي
عليها؟ قال: إنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى
فراقها.
كان الفضل بن يحيى البرمكي مسجونا مع أبيه وكان من برّه بأبيه وهو
معه في السجن أنه كان في الليالي الباردة يستيقظ لصلاة الفجر قبله.
يستيقظ فيوقد الحطب ليتوضأ أبوه بماء دافئ. فلما علم السجان بذلك منع
عنهم الحطب. فقام الفضل في ليلة باردة من أول الليل وأخذ السراج يقربه
إلى الماء فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح. فلما علم السجان
بتسخين الماء بالسراج منعه عنهم. فأخذ الفضل الوعاء من أول الليل
فاحتضنه وألصقه بأحشائه حتى أصبح وقد فتر الماء. هكذا أصبح حديثنا عن
بر الوالدين قصصا للإمتاع والسمر.
عطشت أم ابن مسعود في بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة فوجد النوم قد
غلبها، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح. كان الحسن بن علي لا يأكل مع
أمه، وكان أبر الناس بها، فقيل له في ذلك، فقال: "أخاف أن آكل معها،
فتسبق عينها إلى شيء من الطعام فآكله وأنا لا أدري". يقول سفيان
الثوري لطلابه: "ما جفوت والدي في حياتي قط، وإنه ليدعوني وأنا في
الصلاة غير المكتوبة فأقطعها إحسانا له". سئل الإمام أَحمد عن رجلٍ
يصوم تَطَوُّعًا فَسأَلهُ أَبوه أن يُفْطِرَ فقال: يفطر وله أجر
البِرِّ وأجر الصوم. هكذا أصبحنا في حديثنا عن بر الوالدين نتنافس في
إمتاع السامعين. كان ابن سيرين يتخشع بين يدي أمه حتى دخل عليه رجل
فرآه منكسرا في بدنه وصوته فقال: ما شأنك أتشتكي؟ فقيل له: لا ولكنه
لا يكون عند أمه إلا على هذه الحال.
من كثرة ما سمعنا من قصص وآثار صرنا نظن أن الله ما أوجب بر الوالدين
إلا ليجزينا به الجنة. فهمنا ذلك من رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم يستشيره في الغزو فقال ألك والدة؟ فقال: نعم. قال: «
فألزمها فإن الجنة تحت قدمها
». صرنا نظن أن الله ما فرض بر
الوالدين إلا ليعظم به أجرنا في الآخرة. فهمنا ذلك من رجل جاء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه.
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: «
هل بقي من والديك أحد؟
» فقال: أمي يا رسول الله، قال صلى
الله عليه وسلم: «قابل الله ببرها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج
ومعتمر ومجاهد».
من ضيق النظر أن لا نفهم من مقاصد الدين إلا إصلاح علاقتنا
بالوالدين. من ضيق النظر أن لا نفهم من مقاصد الدين إلا تحصيل أجر
الآخرة. بر الوالدين أعتق من علاقتنا بالوالدين. بدأ تنبيه الأمة على
بر الوالدين من يوم أن مهد الله لاختيار العرب لحمل رسالته. اصطفى
الله العرب المسلمين من أبناء إسماعيل لحمل رسالته. جعل الله بر
الوالدين خلقا تتهيأ به الأمة لحمل الرسالة. أثنى الله على أبينا
إسماعيل بانقياده لأبيه الخليل عليه السلام. {
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ
السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي
أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
} [الصافات:102]، قال يا أبت شدّ
عليّ وثاقي حتى لا ينتضح ثوبك بدمي فلما أضجعه قال يا أبت يا أبت حل
وثاقي، يا أبت حل وثاقي فإني أخاف أن لا أكون به من الصابرين. كان
النبي صلى الله عليه وسلم يحرك همم الصحابة بتذكيرهم بأخلاق أبيهم
إسماعيل عليه السلام: «ارموا أبناء إسماعيل فإن أباكم كان راميا
».
جعل الله بر الوالدين فينا خلقا أصيلا وموروثا عتيقا تتهيأ به الأمة
لحمل الرسالة. ما أمر الله بخفض جناح الذل لتغنم به الآخرة فحسب. الله
الذي أمر بخفض جناح الذل للوالدين نبه على مراده وحكمته سبحانه. قال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ
مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ
لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54]
خفض جناح الذل للوالدين أول خطوة في تربيتنا لنكون أذلة على عموم
المؤمنين خفض جناح الذل للوالدين أول خطوة في إعدادنا لنتأهل لنصرة
الله والجهاد في سبيله. ما أمر الله بخفض جناح الرحمة للوالدين لنغنم
به الآخرة فحسب. الله الذي أمر بخفض الجناح من الرحمة نبهنا على مراده
وحكمته سبحانه. {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ
بِاللَّـهِ شَهِيدًا، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ
مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
} [الفتح:28-29] أظهر الله دينه
بمحمد والذين معه على الدين كله. أظهر دينه بمحمد والذين معه أشداء
على الكفار رحماء بينهم. الرحمة بالوالدين أول إعداد نتربى به لنكون
من قوم {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
} ينبغي إذا استعذبنا قصة من قصص برّ سلفنا بوالديهم أن
نفتش عن نهاية هذه القصة. نعم كان حارثة بن النعمان يطعم أمه بيده،
نعم لم يستفهمها في حياته أبدا عن كلام أمرت به فلم يفهم مرادها، بل
كان يخرج ثم يسأل من حضر من أهله ما أرادت أمي؟ ما انتهت قصة حارثة مع
أمه إلا عند من جعل بر الوالدين قصصا وسمرا ما انتهت قصة حارثة مع أمه
إلا عند غافل عن حكمة الله ومقاصده في دينه وشرعه. نعم كان حارثة بن
النعمان يطعم أمه بيده ولكن حارثة استحق بذله ورحمته بأمه أن يكون من
قوم يحبهم ويحبونه. أكمل التدريب اللازم للانضمام إلى قوم {
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] نعم كان
حارثة بن النعمان يطعم أمه بيده. فلما نودي يوما في خيل الجهاد يا خيل
الله اركبي. كان أول فارس ركب، وكان أول فارس اصطفاه الله واتخذ منه
شهيدا. ثم جاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله
أخبرني عن ابني حارثة أين هو؟ إن يكن في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن
يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا. فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «يا أم حارثه إنها ليست بجنة ولكنها جنان وإن
حارثة أصاب الفردوس الأعلى»
فانصرفت وهي تضحك و تقول: بخ بخ لك يا حارثه، بخ بخ لك يا حارثه. بخ
بخ بخ لحارثة نال بخفض جناح الذل شرف الانضمام لحزب الله
وأنصاره.
لما قصدنا إمتاع السامعين فصلنا الدين عن مقاصده وحكمه. ويقول البعض
بلادنا محتلة ومقدساتنا وحرماتنا منتهكة والخطباء على المنابر والدعاة
في كل حلقات العلم ليس لهم إلا الحديث عن بر الوالدين. يزعم أحدهم أن
اليهود ما سلبونا مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا لانشغالنا
بأمثال موضوع بر الوالدين. نعم اليهود الذين ضرب الله عليهم الذلة
والمسكنة سلبونا مسرى نبينا النبي صلى الله عليه وسلم. نعم لو كان
الذي سلبنا الأقصى غيرَ من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة لكان أهون
على غيرتنا. الذين تأذن الله أن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم
سوء العذاب هم الذين يسوموننا سوء العذاب والهوان. وما سلبونا وسامونا
سوء العذاب إلا لأنا قعدنا نتربص مهديا أو حاكما ينادي للجهاد في
سبيله. في كل يوم يقتطعون من مقدساتنا وكرامتنا ونحن ما زلنا كما كنا
مكتفين عاجزين. ما ازددنا بهذا الانتظار إلا مزيدا من الفشل والهوان.
وصل بنا الحال إلى هذه الدركات لأننا صيرنا الحديث عن بر الوالدين
سمرا وإيناسا. وصل بنا الحال إلى هذه الدركات لأننا فصلنا بر الوالدين
عن واجبنا نحو أرض الإسراء صرنا نتوهم أن صراعنا مع اليهود صراع عسكري
على أرض دولة عضو في الجامعة العربية. صرنا نتفاوض على أجزاء وأرقام
من هذه الدولة المحتلة. نبادر لهم بالسلام الدائم إن رجعوا إلى حدود
سبعة وستين. سبعة وستون وثمانية وأربعون. إن هي إلا أرقام سميتموها
وما أنزل الله بها من سلطان.
لم يقرأ سورة الإسراء من زعم أنا بانشغالنا ببر الوالدين فرطنا بنصرة
أرض الإسراء. في سورة الإسراء تنزل من الله قضاءان اثنان. {
وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي
الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ
عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:4]
قضى الله في الكتاب لبني إسرائيل بفسادهم وعلوهم. وقضى الله في سورة
الإسراء بقضاء يدفع به هذا الفساد. والقضاء بالفساد يدفعه الله بقضاء
بالبر والإصلاح. {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ
وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ
} [الإسراء:23-24].
قضى الله ببر الوالدين لينتصر بالبارين على الطغاة الفاسدين. الجهاد
اختيار رباني لشرف نصرة الله العزيز الحكيم. اختيار رباني يعقبه تمحيص
واصطفاء ليتخذ منهم شهداء. ولن يتأهل لشرف نصرة الله من لم يتدرب على
بر الوالدين. لن يعظم شرف الجهاد لنصرة الله إلا من تربى على تعظيم بر
الوالدين. جاء رجل من اليمن ليجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه في الجهاد لنشر
الإسلام. فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:
«هل باليمن أبواك؟
» فقال الرجل: نعم يا رسول الله. فقال: «
هل
أذنا لك؟» فقال: لا. فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: «فارجع إلى أبويك فاستأذنهما، فإن فعلا فجاهد
وإلا فبرَّهما ما استطعت» علق جواز
خروج هذا المتطوع للجهاد على رجوعه من المدينة إلى اليمن ليستأذن
والديه؟ جربنا في صراعنا مع الصهاينة لوم الأمراء والحكام. جربنا
انتظار صلاح الدين، جربنا خيار المفاوضات والمبادرات. جربنا كل شيء
فلم ينجح شيء. الصهاينة يعددون ويخططون للمستقبل ونحن ما زلنا في
الحاضر منتظرين مهمومين لماذا لا نستعد للمستقبل بوصل ما أمر الله به
أن يوصل؟ أليس خيرا من هذا القعود السلبي أن نتحقق بما قضى الله به
علينا من بر الوالدين؟! أليس خيرا من القعود السلبي أن نتحقق بما قضى
الله به علينا من بر ليدفع به ما قضى به من الفساد والعلو
الكبير؟!!