سيد التابعين: قوةٌ وصدق
أبو الهيثم محمد درويش
يقول يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما. وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي.
- التصنيفات: تراجم العلماء -
عالمٌ ورعٌ تقيٌ نقيٌ ومجاهدٌ وصادعٌ بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، أثرت فيه رضعاتٌ طاهرة من زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوات مستجابة من فم الخليفة الراشد والصحابي العظيم عمر.
قال فيه ابن سعد في الطبقات كان الحسن البصري جامعًا عالمًا عاليًا رفيعًا ثقة مأمونًا عابدًا ناسكًا كبير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا وكان ما أسند من حديثه وروى عمن سمع منه فحسن حجة، وقدم مكة فأجلسوه على سرير واجتمع الناس إليه فحدثهم، وكان فيمن أتاه مجاهد وعطاء وطاووس وعمرو بن شعيب فقالوا أو قال بعضهم: لم نر مثل هذا قط.
وكيف لا يكون وقد أرضعته أم سلمة:
كان أبوه مولى جميل بن قطبة وهو من سبي ميسان، سكن المدينة وأُعتِق وتزوج بها في خلافة عمر بن الخطاب فولد له بها الحسن رحمة الله عليه لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وأمة خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين كانت تخدمها، وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع فتشاغله أم سلمة بثدييها فيدران عليه فيرضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله، ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب قال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
رسالة للخليفة تلخص كيف كانوا:
من الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز :
أما بعد يا أمير المؤمنين، اعلم أن الدنيا ليست بدار إقامة وإنما أهبط آدم إليها عقوبة؛ فبحسب من لا يدري ثواب الله أنه ثواب، وبحسب من لا يدري عقاب الله أنه عقاب، ليست صرعتها كالصرعة تهين من أكرمها، وتذل من أعزها، وتفقر من جمعها، ولها في كل حين قتيل، فالزاد منها تركها والغنى فيها فقرها، هي والله يا أمير المؤمنين كالسم يأكله من لا يعرفه ليشفيه وهو حتفه؛ فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً، ويصبر على شدة الدواء مخافة البلاء، فأهل البصائر الفضائل فيها يا أمير المؤمنين مشيهم بالتواضع، وملبسهم بالاقتصاد، ومنطقهم بالصواب، ومطعمهم الطيب من الرزق، قد نفذت أبصارهم في الآجل كما نفذت أبصارهم في العاجل، فخوفهم في البر كخوفهم في البحر، ودعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء، ولولا الأجل الذي كتب عليهم لم تقر أرواحهم في أبدانهم إلا قليلاً خوفًا من العقاب وشوقًا إلى الثواب، عظم الخالق في أعينهم وصغر المخلوق عندهم فارض منها بالكفاف وليكفك ما بلغك المحل.
ومما يؤثر من مواقفه رضي الله عنه ورحمه:
لما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك؛ استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم: إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليهم الميثاق بطاعته، وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي بالأمر من أمره فأقلده ما تقلده من ذلك الأمر فما ترون؟ فقال ابن سيرين والشعبي قولاً فيه تقية، فقال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله، وأوشك أن يبعث إليك ملكًا فيزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك، يا ابن هبيرة، إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرًا لدين الله وعباده؛ فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا.
يقول يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما. وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي.
جمع وترتيب
أبو الهيثم محمد درويش
المصادر :
بحث سيد التابعين : موقع قصة الإسلام
سير أعلام النبلاء - البداية والنهاية - الطبقات الكبرى - تهذيب الكمال - تهذيب التهذيب - وفيات الأعيان - عجائب الآثار - إحياء علوم الدين - ذم الدنيا - صفة الصفوة - مكارم الأخلاق - الوافي بالوفيات.