لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!!!
سعيد عبد العظيم
نحن نعتز بشعائر إسلامنا وبشريعة ربنا، واجتماعنا مع سائر الخلق لا يعني أن نتوارى خجلاً أو أن نتكتم إسلامنا بسبب وجود بعض الليبراليين والشيوعيين والنصارى معنا يطالبون بنفس المطالب، فلا يجوز تأخير ما قدمه الله ورسوله، ولا تقديم ما أخره الله ورسوله..
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
عشنا فترة من الفترات نردد وتردد كل وسائل الاعلام "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، فكان لا يُسمح حتى بالهمس في قضايا كثيرة تتعلق بالسياسة والاقتصاد وأزمات ومشاكل المجتمع لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وكانت المتاجرة الفجة بقضية تحرير فلسطين من العدو الصهيوني الغاصب حتى وصل الحال إلى ما ترى، صرنا حرباً على حماس وأصبح الصهاينة أصدقاء لنا وجاءت الثورات العربية وكرر الثوار تقريباً نفس الشعار "لا صوت يعلو فوق صوت الثورة" وتنادوا بمبادئ العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ولم يُسمح بشعار آخر أن يرتفع حتى لوكان شعاراً إسلامياً في بلد دينه الرسمي الإسلام ولغته الأساسية هي اللغة العربية ودستوره كان ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والسكان والثوار معظمهم من المسلمين، ومن المعلوم أن العدالة والكرامة لا تتحقق إلا بالرجوع لدين الله، فالإسلام أمر بالعدل والإحسان وكرَم بني آدم، والحرية تصاغ في قالب العبودية لله عند المسلمين فلا يمكن أن تكون حراً إلا إذا كنت عبداً لله، والإسلام قد أمر بكفاية الإنسان في الملبس والمشرب والمأكل والمسكن، احتياجات لا تقتصر على المسلمين بل تتعداهم إلى غيرهم من سكان الدولة الإسلامية.
ونحن نعتز بشعائر إسلامنا وبشريعة ربنا، واجتماعنا مع سائر الخلق لا يعني أن نتوارى خجلاً أو أن نتكتم إسلامنا بسبب وجود بعض الليبراليين والشيوعيين والنصارى معنا يطالبون بنفس المطالب، فلا يجوز تأخير ما قدمه الله ورسوله، ولا تقديم ما أخره الله ورسوله، وبئست الدنيا والعيش الذي يأتي على حساب الدين، ولا بورك في اجتماع أو ثورة لا تستنصر ولا تستعين بالله بل وتكون سبباً في إضاعة الدين أو تمييع المعاني الشرعية، بل انعكس الحال وصار الانقلاب تلو الانقلاب وسمعنا بعض الليبراليين والشيوعيين ومن على شاكلتهم يطالبون الإسلاميين بالتنحي والتأخر لأنهم لو ظهروا فسيكتسحون الساحة!!! ويحوزون على ثقة المجتمع.
وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم حلفاً في دار عبد الله ابن جدعان في الجاهلية وكان الحلف لنصرة المظلوم قرشياً كان أو غير قرشي وقال: «لو دُعيتُ بهِ في الإسلامِ لأجَبتُ» (البدر المنير [7/325]).
لا بورك في عمل يخلو من الطاعة ولا توفيق ولا تسديد في شيء يتباعد عن الكتاب والسنة، والمطالبة بالحق والعدل لا يصح فيها الظلم والجور والتعدي على حقوق الله وحقوق العباد، والأمر بالمعروف ينبغي أن يكون بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح أن يستجلب منكراً أعظم ولا أن يُثبت هذا المنكر ويستجلب منكرا آخر، وكيف يجوز احتكار المطالبة بالحقوق وغيرك أقدر منك على ذلك وطريقُه أسلم في الحال والمآل وفي الحديث «ما ذئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في غنَمٍ، بأفسدَ لها مِن حرصِ المرءِ علَى المالِوالشَّرفِ لدِينِهِ» (صحيح الترغيب [3250]) وماذا يقول الشيوعيون والليبراليون لو قيل لهم لا تطالبوا بحقكم وكرامتكم والعدل الذي ترونه ولماذا الكيل بمكيالين؟
إن الناس بلا علم ولا دين عبارة عن خليط من الهمج، والعلماء عبر العصور هم القادة والفقهاء سادة، وكان علي ابن أبى طالب رضي الله عنه يقول: "القلوب أوعية وخيرها أوعاها للخير والناس ثلاثة فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا الى ركن ركين"
كان يتأفف منهم علي ابن أبى طالب ويقول: "أف لحامل حق لا بصيرة له ينقدح في قلبه بأول عارض من شبهة مشغول بما لا يدري حقيقته فهو فتنة لمن فتن به" وقال: "الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك ناسٍ فذكّروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك جاهل فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك أحمق فامقتوه" وقال: "تفقَهوا قبل أن ترأسوا" وأيضاً: "تفقهوا قبل أن تسودوا" وقال الإمام سهل: "ما عُصِي الله بمعصية أعظم من الجهل بالدين" ولما سُئِل: "أتعرف شيئا أشد من الجهل؟ قال: نعم الجهل بالجهل".
وهل يصلح الأعمى أن يقود المبصرين؟ لا بورك في دنيا تُحكَم بغير الدين، وأنتم ترضون بالحكم الشيوعي والحكم الليبرالي وترفضون الحكم الإسلامي وهذه قسمة ضيزى ما أنزل الله بها من سلطان {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:40] {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف من الآية:26].
نحن نرفض انفصال الأرض عن السماء والدنيا عن الآخرة والعلم عن العمل وبعض الساعات عن بعض وبعض الرجال عن بعض كما نرفض انفصال الدين عن الدولة، فالسياسة والاقتصاد والاجتماع والحرب والسلم والمسجد والسوق والحاكم والمحكوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحياة الحرة الكريمة والمطالبة بالعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية .. كل هذا وغيره لا بد أن ننصبغ فيه بصبغة الإسلام وأن نصدُر فيه عما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.