يا دعاة التوحيد والسنة: أنقذوا عقائد المسلمين

ملفات متنوعة

أن يُرفع الصَّليب وقد أُمِرْنا بِطَمْسِه، أن يُوالَى أعداء الله وقد
أُمرنا بِمُعاداتِهم، أن يُدعى إلى اتِّحاد أهْلِ الصليب مع "لا إله
إلا الله مُحمَّد رسول الله"، وأن يُطْلقوا على قَتْلى النَّصارى لفظ
الشُّهداء... فهذا كارثة !!

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وبعدُ:

فهذه صرخةٌ أُوجِّهها إلى دعاة التوحيد والسُّنة في كل مكان، أنْ ينقذوا المسلمين؛ أن ينقذوا عقائِدَهم أن تُحرَّف، ودينَهم أن يُبدَّل!

فكُلُّنا يعلم أنَّ "قتْل الذمِّي والْمُعاهَد والْمُستأمَن حرامٌ، وقد وردَ الوعيد الشديد في ذلك؛ فقد روى البخاري في "صحيحه" (3166) عن عبدالله بن عَمْرو رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَن قتل نَفْسًا مُعاهدًا لَم يَرِحْ رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا »، أورده البخاريُّ هكذا في كتاب الْجِزْية، (باب إثْم مَن قتل معاهدًا بغير جُرم).

وأورده في كتاب الدِّيات، في (باب إثْم من قتل ذمِّيًّا بغير جُرم)، ولفظه: «مَن قتل نَفْسًا معاهدًا لَم يرِحْ رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا »، قال الْحافظ في "الفَتْح" (12/ 259): "كذا ترجم بالذمِّيِّ، وأورد الخبَر في الْمُعاهَد، وترجم في الجِزْية بلفظ: « مَن قتل معاهَدًا»، كما هو ظاهر الخبَر، والمراد به مَن له عهدٌ مع المسلمين، سواء كان بِعَقْد جزية، أو هُدنة من سلطانٍ، أو أمان من مُسْلم.

ورواه النَّسائي (4750) بلفظ: « مَن قتل قتيلاً من أهل الذِّمَّة لَم يَجِد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا»، ورواه أيضًا (4749) بإسناد صحيحٍ عن رَجُل من أصحاب النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « مَن قتل رجلاً من أهل الذِّمَّة لَم يَجِد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها لَيُوجد من مسيرة سبعين عامًا»، وعن أبي بَكْرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: « مَن قتل معاهدًا في غير كُنهه حرَّم الله عليه الجنَّة »؛ رواه أبو داود (2760)، والنسائي (4747) بإسناد صحيح، وزاد النَّسائي (4748): « أن يشَمَّ ريحها ».

ومعنى «في غير كُنهه »؛ أيْ: في غَيْر وقته الذي يجوز قتْلُه فيه حين لا عَهْد له، قاله المنذريُّ في "الترغيب والترهيب" (2/ 635)، وقال: "ورواه ابن حِبَّان في "صحيحه"، ولفظه: « مَن قتل نفسًا معاهَدة بغير حقِّها لَم يَرِح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحَ الجنَّة لتوجد من مسيرة مائة عام»"، قال الألبانِيُّ: "صحيحٌ لغيره"[1].

كلُّ هذا معلومٌ لا ننكره ولا نُخالفه؛ بل ندعو إليه، وقد أفاض الناسُ بعد حادث الإسكندريَّة فيه، حتَّى الفسَقَة والمُجرمون، والرُّوَيبضة التَّافهون، الذين لا عِلْم لَهم بشرع أو دين.


ولكن...

أن يُرفع الصَّليب وقد أُمِرْنا بِطَمْسِه، أن يُوالَى أعداء الله وقد أُمرنا بِمُعاداتِهم، أن يُدعى إلى اتِّحاد أهْلِ الصليب مع أهل "لا إله إلا الله مُحمَّد رسول الله"، وأن تَجرَّ العاطفةُ الناسَ أن يُطْلقوا على قَتْلى النَّصارى لفظ الشُّهداء... فهذا كارثة الدَّهر، وقاصمة الظَّهر، والكَسْر الذي لا ينجَبِر!
وَكُلُّ كَسْرٍ لَعَلَّ اللَّهَ جَابِرُهُ
وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ


قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85].

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة: 51].

وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 55 - 57].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [المائدة: 72].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة: 73].

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: « ألاَ لا يَدْخل الْجنَّة إلا نفْسٌ مُسْلمة، اللَّهم هل بلَّغْت؟ اللهم اشْهَد » (رواه مسلم).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: « والذي نفْسُ مُحمَّد بيده، لا يَسمع بِي أحَدٌ من هذه الأُمَّة يهوديٌّ، ولا نَصْراني، ثُم يَمُوت ولَم يؤمن بالذي أُرْسِلت به، إلاَّ كان من أصحاب النار » (رواه مسلم).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: « والذي نفسي بيده، لَيُوشكنَّ أن يَنْزِل فيكم ابنُ مريم حكَمًا مقْسِطًا، فيَكْسر الصَّليب، ويقتل الخِنْزير، ويَضَع الْجِزية، ويَفِيض المال حتَّى لا يَقْبَله أحدٌ» (متَّفق عليه).

وعن عمران بن حِطَّان أنَّ عائشة رضي الله عنها حدَّثتْه أنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لَم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلاَّ نقَضَه" (رواه البخاري).
فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ
وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ
وَلِلْحَوَادِثِ سُلْوَانٌ يُسَهِّلُهَا
وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإِسْلاَمِ سُلْوَانُ


وننقل هنا قول أحدِ العلماء الربَّانيين، فما أحوجنا إلى أمثاله وقد عزَّ النَّصير، وقلَّ الظهير، وحَسْبنا الله ونِعْم الوكيل!

يقول فضيلة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله في "الإبْطَال لنظريَّة الْخَلْط بين دين الإسلام وغيره من الأديان":

• يجب على المسلمين: الكفْرُ بِهذه النَّظرية: "وَحْدة كلِّ دين مُحرَّف منسوخٍ مع دين الإسلام الحقِّ المُحْكَم المَحْفوظ من التحريف والتبديل، النَّاسخ لِما قبْلَه"، وهذا من بدَهيَّات الاعتقاد والمسلَّمات في الإسلام.

وأنَّ الدعوة إلى هذه النظرية: كُفْر، ونفاق، ومُشاقَّة وشقاقٌ، وعمَلٌ على إخراج المسلمين من الإسلام.

وأنَّ حال الدُّعاة إليها من اليهود والنَّصارى مع المسلمين هي كما قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ } [آل عمران: 119].

ويَجِب على أهل الأرضِ اعتقادُ توَحُّد الْمِلَّة والدِّين في دعوة جميع الأنبياء والْمُرسَلين: في التَّوحيد، والنُّبوات، والْمَعاد، كما مضى التَّقرير مُفَصَّلاً، وأنَّ هذا الأصل العقَدِيَّ لَم يَسْلَم إلاَّ لأهل الإسلام، وأنَّ اليهود والنَّصارى ناقضون له، مُتَناقضون فيه، لا سيَّما في الإيمان بالله، وكتبه، ورسله.


• ويجب على أهل الأرض: اعتقادُ تعدُّد الشرائع وتنوُّعِها، وأنَّ شريعة الإسلام هي خاتِمَة الشَّرائع، ناسخةٌ لكلِّ شريعةٍ قبْلَها، فلا يَجوز لِبَشر من أفراد الْخَلائق أن يتعبَّد الله بشريعةٍ غيْر شريعة الإسلام.


وإنَّ هذا الأصل لَم يَسْلم لأحدٍ إلاَّ لأهل الإسلام، فأُمَّة الغضَب -اليهود- كافرون بِهذا الأصل؛ لعدم إيمانِهم بشريعة عيسى عليه السَّلام ولعدم إيمانِهم بشريعة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.

وأُمَّة الضلال: النَّصارى، كافرون بِهذا الأصل؛ لعدم إيمانِهم بِمُحمد صلَّى الله عليه وسلَّم وبشريعته، وبعموم رسالته.

والأُمَّتان كافرتان بذلك، وبعدم إيمانِهم بِمُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ومتابعته في شريعته، وتَرْك ما سواها، وبعدم إيمانِهم بِنَسْخ شريعة الإسلام لِما قبلها من الشَّرائع، وبعدم إيمانِهم بما جاء به من القرآن العظيم، وأنَّه ناسِخٌ لِما قبله من الكتب والصُّحف.

{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85].

• ويَجِب على جَميع أهل الأرض من الكِتَابيِّين وغيْرِهم: الدُّخولُ في الإسلام بالشَّهادتين، والإيمان بِما جاء في الإسلام جُملةً وتفصيلاً، والعملُ به، واتِّباعه، وترْكُ ما سواه من الشَّرائع المُحرَّفة والكتب الْمَنسوبة إليها، وأنَّ من لَم يدخل في الإسلام فهو كافر مُشْرك، كما قال الله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } [آل عمران: 70].


• يجب على أمَّة الإسلام: "أُمَّةِ الاستجابة"، "أهْلِ القبلة": اعتِقادُ أنَّهم على الحقِّ وحْدَهم في: "الإسلام الحقِّ" وأنَّه آخِرُ الأديان، وكتابه القرآن آخِرُ الكتب، ومُهَيمِنٌ عليها، ورسوله آخِرُ الرُّسل وخاتمهم، وشريعته ناسخةٌ لِشَرائعهم، ولا يَقْبل الله من عبدٍ دينًا سواه، فالْمُسلمون حَمَلةُ شريعةٍ إلَهيَّة خاتمة، خالِدَة، سالِمَة من الانْحِراف الذي أصاب أتباع الشَّرائع السابقة، ومن التحريف الذي داخلَ التَّوراةَ والإنجيل؛ مِمَّا ترتَّب عليه تحريفُ الشَّريعتين المنسوختَيْن: اليهوديَّة والنصرانية.

• ويجب على "أُمَّة الاستجابة" لِهذا الدِّين إبلاغُه إلى "أُمَّة الدعوة" من كلِّ كافرٍ؛ من يهودٍ ونصارى، وغيرهم، وأن يَدْعُوَهم إليه، حتَّى يُسْلِموا، ومن لم يُسْلم فالْجِزية أو القتال.

قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].


• ويَجِب على كلِّ مسلمٍ يُؤْمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبِمُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم نبيًّا ورسولاً: أن يَدِين الله تعالى بِبُغضِ الكُفَّار من اليهود والنَّصارى، وغيرهم، ومُعاداتِهم في الله تعالى وعدم مَحبَّتِهم، ومودَّتِهم، وموالاتِهم، وتوَلِّيهم، حتَّى يُؤْمِنوا بالله وحْدَه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبيًّا رسولاً.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة: 51]، والآيات في هذا الْمَعنى كثيرة.

ولِهذا صار من آثار قَطْع الْمُوالاة بيننا وبينهم، أنَّه لا تَوارُثَ بيْن مسلمٍ وكافر أبدًا.

• يجب على كلِّ مسلم اعتقادُ كفْرِ مَن لَم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنَّصارى وغيرهم، وتسميته كافِرًا، وأنه عدوٌّ لنا، وأنَّه من أهل النار.

قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الأعراف: 158].

وفي "صحيح مُسْلِم" أنَّ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « والذي نفسي بيده، لا يَسْمع بِي أحَدٌ من هذه الأُمَّة، يهودي، ولا نصراني، ثُم يموت ولَم يؤمن بالذي أُرْسِلت به إلاَّ كان من أهل النَّار».

ولِهَذا؛ فمَن لَم يكفِّر اليهود والنَّصارى فهو كافرٌ، طردًا لقاعدة الشريعة: "مَن لَم يُكَفِّر الكافرَ فهو كافر"، ونَقول لأهل الكتاب كما قال الله تعالى: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ } [النساء: 171].


• ولا يجوز لأحدٍ مِن أهْلِ الأرض اليومَ أن يبقى على أيٍّ من الشَّريعتين: "اليهوديَّة والنصرانيَّة" فضلاً عن الدُّخول في إحداهما، ولا يَجُوز لِمُتَّبع أي دينٍ غير الإسلام وصْفُهُ بأنه مُسْلم، أو أنه على مِلَّة إبراهيم؛ لِما يأتي:

1- لأنَّ ما كان فيهما -أيِ: اليهوديَّة والنَّصْرانية- مِن شَرْع صحيحٍ فهو مَنْسوخٌ بِشَريعة الإسلام، فلا يَقْبل الله من عبدٍ أن يتعبَّدَه بشرعٍ مَنْسوخ.

2- ولأنَّ ما كان منسوبًا إليهما من شرْعٍ مُحرَّف مبدَّل، فتحرم نِسْبتُه إليهما، فضلاً عن أن يجوز لأحدٍ اتِّباعُه، أو أن يكون دينَ أحَدٍ من الأنبياء؛ لا موسى، ولا عيسى، ولا غيْرِهِما.

3- ولأن كلَّ عبدٍ مأمورٌ بأن يتَّبِع الدين الناسخ لِما قبله، وهو بعد مَبْعَث محمد صلَّى الله عليه وسلَّم دين الإسلام الذي جاء به، بعبادة الله وَحْدَه لا شريك له، وتوحيده بالعبادة، فمن كان كذلك كان عبدًا حنيفًا، مُسْلِمًا، على ملَّة إبراهيم، ومن لم يؤمن بِجَميع الأنبياء والمرسلين، ويَخُصَّ نبيَّه ورسولَه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بالاتِّباع دون سواه، فلا يَجُوز وصْفُه بأنَّه حنيفٌ، ولا مسلمٌ، ولا على ملَّة إبراهيم، بل هو كافِرٌ في مُشاقَّة وشقاق.


قال الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة: 135 - 137].

فبطَلَتْ بِهَذه نظريَّةُ الْخَلط بين دين الإسلام الحقِّ، وبين غيره من الشَّرائع الدَّائرة بين التَّحريف والنَّسْخ، وأنَّه لَم يبْقَ إلاَّ الإسلام وحْدَه، والقرآن وحده، وأنَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم لا نَبِيَّ بعده، وأنَّ شريعته ناسِخَةٌ لِمَا قبْلَه، ولا يجوز اتِّباع أحَدٍ سواه.

• وأنَّه لا يجوز لِمُسلمٍ طباعةُ التَّوراة، والإنجيل، وتوزيعهما، ونَشْرهما، وأنَّ نظريَّة طبْعِهِما مع القرآن الكريم في غلافٍ واحدٍ، من الضَّلال البعيد، والكُفْر العظيم؛ لِما فيها من الجمع بين الحقِّ: "القرآن الكريم" والباطل: في التَّوراة والإنجيل من التَّحريف والتبديل، وأنَّ ما فيهما من حقٍّ فهو مَنْسوخ.

• وأنه لا تَجُوز الاستجابةُ لدعوتِهم ببناء "مسجدٍ، وكنيسة، ومَعْبَد"[2] في مَجْمع واحدٍ؛ لِما فيها من الدَّيْنونة والاعتراف بدينٍ يُعْبَد الله به سِوَى الإسلام، وإخفاء ظهوره على الدِّين كُلِّه، ودعوة مادِّية إلى أنَّ الأديان ثلاثةٌ، على أهل الأرض التديُّن بأيٍّ منها، وأنَّها على قَدَم التَّساوي، وأن الإسلام غيْرُ ناسخٍ لِما قبْلَه، وهذه المردودات السَّالبة فيها من الكفر والضَّلال ما لا يَخْفى، فعلى المسلمين بعامَّة، ومن بَسَط الله يدَه عليهم بِخاصَّة، الحذَرُ الشَّديد، من مقاصد الكَفَرة من اليهود والنَّصارى في إضلال الْمُسلمين، والكيد لَهم؛ فإنَّ بيوت الله في أرضِ الله هي: "المساجد" وحْدَها: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29].

وهذه الْمَساجد من شعائر الإسلام، فواجبٌ تعظيمُها، ورعايةُ حرمَتِها، وعمارَتُها، ومِن تعظيمها ورعايتها عدَمُ الرِّضا بِحُلول كنائس الكفَرة، ومعابدهم في حرَمِها، وفي جوارِها، وعدم إقرار إنشائها في بلاد الإسلام، ورَفْض مساجد المضارَّة بالإسلام، والضِّرار بالمسلمين في بلاد الكافرين.

فإن "المسجد"، والحالُ هذه، مسجدُ مُضَارَّة للإسلام، ولا يجوز إقرارُه، ولا التبَرُّع بِمالٍ أو جهد لبنائه، ولا الصَّلاة فيه، ويجب على مَن بسط اللهُ يدَه من وُلاة المسلمين هدْمُ هذا المَجْمع، فضلاً عن السُّكوت عنه، أو المشاركة فيه، أو السَّماح به، وإن كان -والحالُ ما ذُكِر- في بلاد كُفْر، وجب إعلان عدم الرِّضا به، والمطالبة بِهَدْمه، والدَّعوة إلى هجره.


وانظر: كيف تشابَهتْ أعمالُ المنافقين ومقاصِدُهم في قديم الدَّهر وحديثه؛ إذْ بنَى الْمُنافقون مسجدًا ضرارًا بالمؤمنين، أمَّا عمَلُهم اليوم، فهو: أشدُّ ضرارًا بالإيمان، والمؤمنين، والإسلام والمسلمين، وقد أنزل الله سبحانه قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، فقال الحكيم الخبير سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 107 - 110]" [3].

ولنا هنا سؤال: لماذا المبادرة باتهام المسلمين؟ لماذا اندفع وجهاء القوم جميعًا والإعلام المرجف إلى اتهام الإسلام وإلصاق التهمة به قبل أن يعرف المحققون هُوية الفاعل؟ هل لزامًا أن يكون مسلمًا سنيًّا؟ لماذا لا يكون نصرانيًّا له عند الكنيسة ثأر؟ لماذا لا يكون النصارى أنفسهم هم فاعليها؛ كورقة ضغط على الدولة لتحقيق مكاسب سياسية دنيئة، والغاية -عند مكيافلي وأتباعه- تبرر الوسيلة، فيضحَّى ببعض النصارى من أجل مصالح بقية رعايا الكنيسة؛ من أجل الوصول إلى هدفهم الأعلى: إنشاء دولة نصرانية مستقلة على أرض مصر؟! ولا يبعد أن يكون للصهاينة أيادٍ خفية؛ لإشغال مصر عن قضية تقسيم السودان -كما أشار بعض الباحثين- ولا يخفى كذلك دورُ أقباط المهجر، وقد يكون ذلك بالتعاون بينهما؛ حيث اتفقت المصالح، وليست الخيانة على الكفار ببعيد!

وما كل هذا العويل على قتلى النصارى؟ أليس في القتلى مسلمون؟ لماذا لم يتحدث عنهم أحد؟!


هذه مجرد إشارات، وإلا فالكلام يطول، والخطب جلل.

اللهم احفظ بلاد الإسلام من كيد أعدائهم، واربط على قلوب المسلمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد!
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

-------------------------
[1] "بأيِّ عقلٍ ودين يكون التفجير والتدمير جهادًا؟"؛ عبدالمُحسن بن حمد العبَّاد البدر.
[2] انظر حاشية 2، ص 23، وهذه صورةُ مشروعٍ لِهذه الفكرة الْمُراد تنفيذها لِمَسجد وكنائس في بعض دُوَل شرق آسيا: الْمَسجد مَمرُّ معبد النَّصارى "كاثوليك" مَمرُّ معبد النَّصارى "بروتستانت" ممر معبد النصارى "إنجليزياني كريستو"، نسأل الله الكريم أن يُبْطِل كيْدَهم.
[3] "الإبطال لنظريَّة الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان"؛ بكر بن عبدالله أبو زيد (90 - 99).
 
 
المصدر: إبراهيم عبد الفضيل - موقع الألوكة