أبشر يا شيخ ياسر بما يسرك

سعيد عبد العظيم

إن ُ«أشَدُّ النّاسِ بَلاءً الأَنْبِياءُ، ثمَّ الأَمْثَلُ
فالأَمْثَلُ، يُبْتَلى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فإِنْ كانَ في
دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُه» (رواه أحمد والترمذي، وصححه
الألباني)

  • التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأبشر.. فقد شرفك الله بالإسلام، وكفى بنعمة الإسلام نعمة، وأقامك في طاعته، وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك.

وانتسبتَ لهذه الدعوة السلفية المباركة، وكل خير في اتباع من سلف، وشرعت في تعبيد الدنيا بدين الله، فهدى الله على يديك خلائق، والدال على الخير كفاعله، نهجت منهج الأنبياء والمرسلين، وهتفت بوجوب العودة لمثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، أشرف مهمة وأعظم رسالة، فكان لك حظ ونصيب مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد فتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، هدى به من الضلالة، وبصر به من العمى.

ولما رجع إلى أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- متخوفًا من هول نزول الوحي عليه، قالت: «أَبْشِرْ؛ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَق » (متفق عليه).

مقدمات ونتائج.. فإذا كنتَ قد قضيت سنوات عمرك في مهمة الدعوة إلى الله، وشارفت على الرحيل؛ فأحسن الظن بربك، وانتظر مسك الختام: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ ﴿٥﴾ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ﴿٦﴾ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } [الليل:5-7] انهالت عليك السهام مِن هنا ومِن هناك، وآخرها اتهامك: "بأنك أخطر رجل ضد مصر"! كما وصفك رئيس تحرير "روزا اليوسف" سامحه الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


فأبشر..

فالظلم عاقبته وخيمة، ومَن سلَّ سيف البغي قُتل به، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج:60]، وقال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، فالنصر عُقبى الصابرين، وربك لا يضيع أجر المحسنين، والعاقبة للمتقين، ومَن ظن أن الله يضيع أولياءه؛ فقد ظنَّ ظن السوء برب العزة جل وعلا.

كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: "إذا أراد الله إظهار دينه أقام له من يعارضه، فيحق الله الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق".

وكان يقول أيضًا: "ماذا يفعل أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما رحتُ فهي معي، أنا سجني خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".

وقال: "المحبوس مَن حُبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه".


أبشر.. فما الذي يعتبونه عليك وينقمونه منك؟!

هل هي جرأتك في الحق، وكثرة محبيك، وطوفان أتباعك، وسبقك وثباتك على الطريق، وإصرارك على ما تراه صوابًا؟! فكل ذلك يُحسب لكَ لا عليك، ولا يستحق بغضًا ولا عداوة، ونعوذ بالله من الغل والحقد، ونزعات شياطين الإنس والجن.

ولا يسعك إلا الاستمرار، ومزيد من الثبات والرسوخ، تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان لسانه حاله قبل مقاله ينطق: « والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك » (ضعفه الألباني في فقه السيرة).

سُئل عبد القادر الجيلاني وقيل له: "أرنا من نفسك كرامة"، فصعد على المنبر وقال: "منذ كم وأنا فيكم؟"، قالوا: "منذ عشرين سنة"، فقال: "هل جربتم علي معصية؟ هل رأيتم علي مخالفة؟ فإن الاستقامة هي أعظم كرامة".


قد يقولون: أخطأت في مسألة كذا.. وجانبت الصواب في فتوى كذا.. وبدرت منك هفوات وذنوب يوم كذا.. وكذا.. ولن ننفي عنك التهمة، فأنت لم تدَّع العصمة، وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، ولكن هل بمقدورهم أن ينفوا انتسابك للدعوة وللإسلام ولأهل السنة والجماعة؟ وكل ذلك فضل وشرف ثابت، ومِن حسن إسلام المرء أن تعد معايبه، والذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب قوم غلبت حسناتهم على سيئاتهم: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32]، وكان البعض يقول: "إنا لنرد شهادة قوم، ونحن نرجو شفاعتهم يوم القيامة".

فليراجع المخالِف نفسه، وليتدبر أمره، ويقدم لنفسه، فلا داعي لِلـَّجَاجة، والفجر في الخصومة، فعند الله تجتمع الخصوم، وغدًا ينكشف الغطاء، وانظر في أي خندق تقف.


أبشر..

فـإن ُ«أشَدُّ النّاسِ بَلاءً الأَنْبِياءُ، ثمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ، يُبْتَلى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فإِنْ كانَ في دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُه » (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وربما طلبت المرأة الطلاق من زوجها إذا رأته كالبعير المصحح، ومثل هذا يوافـَى بذنوبه كلها، فلا ابتلاء يخفف أثقاله، وأمر المؤمن كله له خير: ُ« عَجَبًا لأمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا لَه » (رواه مسلم).

وكان بعض العلماء يقول: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخادمي وامرأتي".

فإن قال قائل: فما نزل بلاء إلا بذنب.

قلنا: كلنا ذلك العبد المذنب المسيء، ونعوذ بالله أن نقول زورًا وأن نغشى فجورًا، أو أن نكون بالله من المغرورين، والبلاء في حق المؤمن رحمة وفي حق الكافر نقمة، فالمؤمن يستغفر ويتوب، ويبادر بفعل الخيرات وترك المنكرات، والإنابة لخالق الأرض والسماء؛ لعلمه أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، { لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل:46].

فلا داعي للشماتة التي هي كشماتة الأعداء، ولا تنظر للقذى في عيون الآخرين، وتتجاهل أمثال الجبال في نفسك.


أبشر..

فقد انطلقتَ في طريقك غير عابئ بإرجاف المرجفين، ولا بسهام الشانئين، ولم تنكسر أمام حقد الحاقدين، وكان فضل الله عليك عظيمًا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

ولو ذكرتَ ما قدمتَه وفعلتَه لكان لك في ذلك مستند ودليل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا »(رواه البخاري)، وذلك في معرض الرد على الثلاثة الذين أرادوا مخالفة هديه، ومِن قبل قال نبي الله يوسف عليه السلام: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55].

ولما ثارت الفتنة على عثمان رضي الله عنه رد عليهم بأنه حفر بئر رومة، وجهز جيش العسرة، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ومن كانت تستحيي منه الملائكة.

وربما قال العالم: "خذها فهي نفيسة" أو: "قلما تجدها في غير هذا الموضع"، وقد تضطر لمثل ذلك إذا حدث التطاول وكان الظلم والجحود، تفعله بلا غرور وكبر مع حرصك على إخلاص العمل لله تعالى، وهذا حسن الظن بك.


ويبقى عدم الانشغال عن مهمات الدعوة، والسير في الطريق بعزم، والاستنان بسنن الأنبياء والمرسلين، فمِن العقبات السبع التي يحاول بها الشيطان أخذ حظه ونصيبه أن يجر الأذى على العبد من أعداء الإسلام والمسلمين.

مزيد من الطاعة، ومزيد من الدعوة، وبذل الوسع في تعبيد الخلق بدين الله، فهذا هو العلاج والمخرج من الفتنة.


لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة المريسيع، وسمع بقصة الإفك، سار بالجيش طوال النهار وطوال الليل، وصبيحة اليوم التالي، حتى طلعت الشمس، ووجدوا مس الحصى، فوقعوا نيامًا، فكان إشغال النفس والخلق بطاعة الله أو بأمر مباح هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواطن.

فسيروا على بركة الله..

فلله جنود السماوات والأرض، وما يعلم جنود ربك إلا هو، والأمر إن لم يكن بكم فبغيركم، ولابد وأن يمضي إلى منتهاه بغلبته وظهوره على الأديان كلها؛ فسابقوا في مرضاة الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.