هل يجني الإسلاميون ثمار الثورة
إبراهيم الأزرق
بغض النظر هل كانت الثورة الشعبية في تونس ومصر مفاجأة أم غير مفاجئة
للعرب أو الغرب، فإن من الخطأ أن نظن بأن الغرب لم يضع حسابات لها.
وهذا الخطأ قد سبق في تاريخ الأمة خطأ مقارب له دفعت الكثير ثمناً
له...
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بغض النظر هل كانت الثورة الشعبية في تونس ومصر مفاجأة أم غير مفاجئة للعرب أو الغرب، فإن من الخطأ أن نظن بأن الغرب لم يضع حسابات لها. وهذا الخطأ قد سبق في تاريخ الأمة خطأ مقارب له دفعت الكثير ثمناً له، فقد كان سبباً لتمكين الغربيين في بلاد المسلمين بأياد توصف بالوطنية، دمرت الأوطان ومسخت هويتها!
وقد سجل في شهادته على القرن المنصرم مالك بن نبي ملاحظة على الحالة التونسية وصعود بورقيبة بعد ذهاب جسد المستعمر وبقاء روحه في طائفة صنعها على عينه من أبناء تونس، فقال ما حاصله: إن الاستعمار لا يمكن أن يلغي من حساباته احتمال الاستقلال، وإن كان في أوج سطوته، وبين أنه لن يسلم مفاتيح القلعة للشيخ الثعالبي رئيس حزب الدستور إذ ذاك الذي سيرفع راية الإسلام أو ما يشابهها، بينما الآخر سيجعل منها ما فعل بالضبط: قلعة علمانية، وإذا لم يكن ثمة أي تردد من قبل الجهات الباريسية تجاه احتمال الاستقلال فيجب أن تسلم المفاتيح إلى الحزب العلماني إذا آن الأوان، هكذا قال، وهذا ما كان! فقد سلمت البلاد لحزب الدستور الجديد بقيادة الماطري وبورقيبة، وكلاهما من المطربشين الذين صنعوا في فرنسا، وكانت طائفة المطربشين تقابل في قاموس مالك طائفة المعممين! أما اليوم فلا عمة ولا طربوش!
وكذلك كان الشأن في الجزائر، ولعل أبرز مأخذ حسب رأي مالك بن نبي على التيار الإصلاحي الذي كان يقوده إذ ذاك الشيخ العلامة ابن باديس رحمه الله، هو أن العلماء:
1- لم تكن لهم الخبرة بوسائل الاستعمار في مجال الصراع الفكري عن طريق إبرازهم أصحاب التوجهات المشبوهة وصناعة أبطال وطنيين منهم، فكانوا يتساهلون مع أولئك الفئران الذين صنع منهم الاستعمار أبطالاً!
2- لم تكن لديهم من حدة المزاج وصرامة الإدارة ما يكفي حتى يتداركوا الموقف.
وكان يرى أن ظروفاً مختلفة إبان الاستعمار وضعت العلماء الصادقين أمناء على مصلحة الشعب، لكنهم سلموا الأمانة إلى غيرهم.. ونقدهم في ذلك نقداً شديداً، قد لا يوافقه عليه المتمعن في القضية وإن كان أصل ملاحظته صحيحاً في نظري.
وعوداً إلى المقصود، لابد أن نعلم أن احتمال الثورات الشعبية مدروس عند الغربيين، وقد حرص الغربيون على التعامل مع هذا الاحتمال الوارد متى وقع عن طريق استبدال خدمهم بآخرين معارضين صنعوا كذلك على أعين الغربيين، والتزموا نظمهم، بل تربطهم بهم علاقات لا تخفى، وتبعية كثير من الأحزاب السياسية (الوطنية)! أو (الإصلاحية)! في العالم العربي للغرب أو الشرق تظهر للناظر بأدنى تأمل، كما أن دعوة الغربيين لعملائهم المستبدين إلى إتاحة مجال لمزيد من الحريات ولاسيما السياسية أحد أهدافهم منه ترسيخ أقدام صنائعهم الأخرى، وإتاحة مجال لهم أكبر في المشاركة.
ومن السذاجة أن يظن بدولة كأمريكا مثلاً أنها تعلق مصالحاه على شخص حاكم مستبد بمفرده، دون أن تكون لها علاقات مع قيادات حزبية أخرى، بل دون أن تكون لها علاقات أخرى في صحافة البلد، ومجلس شبعه، وجيشه، وغيرها من المؤسسات الحيوية.
واليوم في كل من مصر وتونس يظهر لمن تتبع أولئك الذين يلمعهم الغرب، ونقب في تاريخهم، وخلفياتهم الثقافية بل وحال أولادهم وبناتهم، وآرائهم في الدين دعك من الالتزام الشخصي، أن الغرب إنما يمهد لحقبة جديدة من الاستعمار المعنوي، لكنه برضا واختيار الشعب المخدوع، الذي ربما أسهم في خداعه مخدوعون آخرون من أهل الدين يكررون بطريقة أخرى ذلك المسلك الذي نقده مالك بن نبي يوم سلمت الأمور في تونس للمتفرنسين العلمانيين!
إن من الأهمية بمكان أن يدرك الإسلاميون على اختلاف اتجاهاتهم أنهم الآن في أقوى أحوالهم، فالثورة ألغت النظام المستبد، وكثير من الشعب يثق فيهم، فليبادروا إلى طرح أنفسهم بقوة ووضوح، وليأخذوا الراية بحقها، فمحاولة ذلك هي السبيل الأمثل للخروج بأكبر المكاسب، وفي المقابل فإن المنافسين الذين يلمعهم الغرب لا يزالون في أضعف أحوالهم، وحسبك أن أشهرهم لا تزال فضائحه تذكر، وإن سعت كثير من الجهات إلى تلميع صورته ولاسيما مع الثورة!
ولا أزعم أن هذا وأمثاله شرٌ ممن لفظتهم الشعوب الإسلامية من الحكام المستبدين الذين لا يمثلونها، لكن من الحسرة أن يضحي أبناء البلدان العربية تلك التضحيات ثم تكون الثمرة هذا وأمثاله!
وباختصار ليست للإسلاميين مصلحة في الركون إلى تفويض مشبوهين بثمن بخس مقداره قدر محدود من المشاركة السياسية، فذلك هو الغبن الذي لن تكون مغبته خروجهم من المولد بحمصة فقط، بل ربما تلويث سمعتهم وتشويه صورتهم -بعد حين- في مخيلة الشعوب بسبب تلك الحمصة!
قد يقول بعضهم إن الغرب لن يرضى عن حكومة إسلامية ولا يمكن أن يقبل بها، ولهم أقول: نعم هو كما قلتم!
بيد أن من يخنس أو ينزوي من الإسلاميين لأجل هذا لم يدرك حجمه الطبيعي في المجتمعات المسلمة بعد ولم يفهم حتى الساعة مغزى الثورة!
الثورة التي خلعت أقواماً رضي الغرب عنهم ورضوا عنه!
الثورة التي تقول صور شبابها وهم في الساحات ركعاً وسجوداً: المهم رضا الله ثم رضا الشعب لا رضا الغرب!
فافهموا الدرس ولاسيما مع علمكم أن الإسلام مرن يتعامل مع الظروف المختلفة والأحوال المتغيرة ويكلف بما في الوسع ولا يطالب بغير المقدور.
28/2/1432 هـ
المصدر: موقع المسلم