أفأمن الذين مكروا ؟

المنافق أو المعاند للرسالة لو أن له مصلحة عند أحد ملوك أو كبراء الدنيا لسارع إلى التماس كل ما يرضيه حتى ينال منه ما يريد .
و لو هدده هذا الكبير بالتنكيل أو الإيذاء لسارع إلى فعل ما يرضيه تجنباً لشره .
و من المعلوم أن المنافق أو الكافر في الغالب ليس من الملحدين المنكرين لوجود الإله بالكلية و لكنه استكبر عن الإذعات و الاستسلام لأمر الله .
لو تفكر هذا الغبي لفعل مع الله نفس ما يفعله مع ملوك أو كبراء  الدنيا من أجل تحصيل مصلحته و النجاة من عذابه , و لكن الكبر و الغرور سيطر على القلوب و العقول فلم يعد يبصر حتى مصلحته .
  و لو تأمل لأحب الله الذي يمهله و يمهله و يعطيه الفرصة تلو الأخرى برغم عناده و محاربته لمولاه و محاربته لأولياء الله .
{ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [النحل 45 - 47]
قال السعدي في تفسيره : هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده .
ولكنه رءوف رحيم لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم  أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب، فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات  ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليتب إليه، وليرجع في جميع أموره إليه فإنه رءوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم، ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه.

أبو الهيثم 
#مع_القرآن