سنن ثابتة ومتنوعة
عبد الله بن حمود الفريح
♦ الذكر الوارد عند دخول الخلاء، والخروج منه، ♦ السماحة، واللين في البيع والشراء، ♦ صلاة ركعتين بعد كل وضوء، ♦ انتظار الصَّلاة، ♦ السِّواك، ♦ تجديد الوضوء لكل صلاة، ♦ الدُّعاء.
- التصنيفات: فقه العبادات -
♦ قول الذكر الوارد عند دخول الخلاء، والخروج منه:
يُسَنُّ لمن دخل الخلاء، أن يقول ما جاء في الصحيحين:
عن أَنَس رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبثِ وَالْخَبَائِثِ» [1].
و(الخبُث): بضم الباء: ذكران الشياطين، والخبائث إناثهم، فتكون الاستعاذة من ذكران الشياطين وإناثهم.
و(الخبْث): بتسكين الباء: الشر، والخبائث النفوس الشريرة، فتكون الاستعاذة من الشر وأهله، والتسكين أعمّ، وهو أكثر روايات الشيوخ، كما قال القاضي عياض، والخطابي وغيرهما رحم الله الجميع-.
♦ ويُسَنُّ لمن خرج من الخلاء أن يقول:
ما جاء في مسند أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، وصححه الألباني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ» [2].
فائدة:
قيل: مناسبة قول: «غفرانك» أنَّ الإنسان لمَّا تخفَّف من أذيَّة الجسم، تذكَّر أذيَّة الإثم، فدعا الله تعالى أن يخفف عنه أذيَّة الإثم، كما منَّ عليه بتخفيف أذية الجسم ذكره ابن القيم رحمه الله [3].
وقيل: إنَّ مناسبة ذلك هو: استغفاره؛ لانقطاعه عن الذِّكر حال الخلاء، وقيل غير ذلك.
♦ تسنُّ كتابة الوصية:
- فالوصية سُنَّة لكل مسلم حال المرض، أو الصِّحة؛ لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ أمرئ مُسْلِمٍ، لَهُ شيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلاَّ وَوَصيتهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» [4] وذكر الليلتين في الحديث ليس تحديداً، وإنما المراد به ألَّا يمر عليه زمن قصير إلا ووصيته مكتوبة عنده؛ لأنه لا يدري متى يموت، وهذه سُنَّة عامَّة لكل الناس.
- أمَّا الوصية فيما عليه من حقوق الله تعالى كزكاة، أو حج، أو كفَّارة، أو حقوق الآدميين كالدَّيْن، وأداء الأمانات، فهذه واجبة لا سُنَّة؛ لأنه يتعلَّق بها أداء حقوق واجبة، لاسيما إذا لم يعلم بهذه الحقوق أحد، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
♦ السماحة، واللين في البيع والشراء.
وذلك بأن يتحلَّى كل من البائع، والمشتري، بالسماحة، واللين أثناء البيع، ولا يتشدَّد كل منهما مع الآخر في المساومة في السِّعر والجدل فيه، بل يتسامحان، فلا يبخس المشتري حق البائع فيطالب بإنزال السِّعر فوق طاقة البائع، أو يُلحَّ عليه بشيء قد يضره، وكذا البائع لا يُضر بالمشتري، فيغالي بسعره، أو نحو ذلك، مما قد يؤدي لاستغلاله، وخلاصة الأمر: أن يكون تعاملهما مبنيَّاً على السَّماحة، واللين.
ويدلّ عليه: حديث جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا؛ إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضى» [5].
وكذلك إذا طالب بقضاء حَقِّه، فإنَّ من السُّنَّة أن يُطالب بسهولة ولين؛ لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا اقتضى».
قال ابن حجر رحمه الله: «وإذا اقتضى» أي: طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، وفي رواية حكاها ابن التَّين«وإذا قضى» أي: أعطى الذي عليه بسهولة، بغير مطل، وللترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنهه مرفوعاً: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ، سَمْحَ الشراءِ، سَمْحَ الْقَضَاءِ» [6] وللنَّسَائي من حديث عثمان رضي الله عنه رفعه: «أَدْخَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضيا وَمُقْتَضيا الْجَنَّةَ» [7] ولأحمد من حديث عبدد الله بن عمرو رضي الله عنه نحوه، وفيه الحضّ على السَّماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وتركك المشاحنة والحضّ على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم» [8].
♦ صلاة ركعتين بعد كل وضوء:
وهذه من السُّنَن اليوميَّة التي يترتب عليها فضل عظيم، وهو: دخول الجنة، فعَن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ» قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ [9]، «ودَفَّ نَعْلَيْكَ»: يعني: تحريك نعليك.
♦ انتظار الصَّلاة.
وانتظار الصلاة من السُّنَن التي يترتَّب عليها فضل عظيم، فهو بانتظاره يأخذ أجر الصلاة، ويدل عليه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ» [10].
وقوله: «ما لم يُحدِثْ» أي: ما لم يأتِ بشيء ينقض الوضوء، وجاء عند مسلم: «مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ» [11] أي: أن هذا الثواب مشروط بألَّا يُلحق بأحد أذية في مجلسه-، ولا ينتقض وضوئه.
وعن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، بَعْدَ مَا صَلَّى، فَقَالَ: صَلَّى النَّاسُ، وَرَقَدُوا، وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا» [122].
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «هذه الأحاديث في بيان فضل انتظار الصلاة سواء كان ذلك بعد صلاة سابقة، أو تقدَّم الإنسان إلى المسجد ينتظر الصلاة» [13].
وأيضاً حديث أَبِي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟)) قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسْاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ)) [14].
♦ السِّواك:
والسِّواك من السُّنَن المطلقة التي تُفعل في كل وقت، وكان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يحث عليه كثيراً حتى قال: ((أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ)) [15] وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه: ((السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)) [16].
وتتأكد سنيَّة السواك في مواضع تقدَّم ذكر بعضها لاسيما التي تتكرر في اليوم والليلة، كالقيام من الليل، وعند الوضوء، وعند كل صلاة، وعند دخول المنزل والله أعلم.
♦ تجديد الوضوء لكل صلاة.
يُسَنُّ للمسلم أن يُجَدد الوضوء لكل صلاة، فلو توضأ لصلاة المغرب مثلاً ثم صلَّى المغرب، فإذا جاءت صلاة العشاء يُسنُّ له أن يتوضأ، ولو كان على طهارة، فالسُّنَّة أن يتوضأ لكل صلاة وضوءً جديداً.
ويدلّ عليه: حديث عند البخاري قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» [17]، وأيضاً من السُّنَّة أن يكون الإنسان على طهارة خلال يومه؛ لحديث ثوبان رضي الله عنه أنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: ((وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ)) [18].
♦ الدُّعاء.
والدعاء من أسباب تحقيق رأس الرسالة ولُبِّها، وهو: التوحيد، وذلك حين يُقْبل العبد على ربه داعياً، متضرعاً منيباً إليه سبحانه، متبرئاً من كل شريك، ومن كل حول وقوة إلى حوله وقوته سبحانه، وبه يذوق العبد حلاوة المناجاة، والتذلل والخضوع، وبه تُجلَب النِّعم، وتُدفع النِّقم؛ لأنها عبادة يكون بها تمام الاعتماد على مَنْ عليه كل الاعتماد سبحانه، وغير ذلك من المنافع التي لا تحصره أسطر يسيرة.
وهو نوعان:
1- دعاء عبادة: وهذا النوع يدخل في الذِّكر كما سيأتي.
2- دعاء مسألة: وذلك حين يسأل العبدُ ربَه، ويتوجه إليه في قضاء حوائجه.
وتقدَّم في ثنايا السُّنَن السابقة مواضع أحرى بأن يستجاب فيها الدعاء، تتردد على المسلم في كل يوم وليلة، وهي: حال السجود، والثلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة.
مستله من كتاب: المنح العلية في بيان السنن اليومية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البخاري برقم (6322)، ومسلم برقم (375).
[2] رواه أحمد برقم (25220)، وأبوداود برقم (30)، و الترمذي برقم (7)، وصححه الألباني (تحقيق مشكاة المصابيح 1 /116).
[3] انظر: إغاثة اللهفان (1 /58 ).
[4] رواه البخاري برقم (2783)، ومسلم برقم (1626). من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-.
[5] رواه البخاري برقم (2076).
[6] رواه الترمذي برقم (1319).
[7] رواه النسائي برقم (4670).
[8] الفتح، حديث (2076)، باب: السُّهولةِ والسَّماحةِ في الشراء والبيعِ ومَن طَلبَ حقّاً فلْيَطْلُبهُ في عَفاف.
[9] رواه البخاري برقم (1149)، ومسلم برقم (2458).
[10] رواه البخاري برقم (659)، ومسلم برقم (649).
[11] رواه مسلم برقم (649).
[12] رواه البخاري برقم (661).
[13] شرح رياض الصالحين (2 /1296).
[14] رواه مسلم برقم (251).
[15] رواه البخاري برقم (888). من حديث أنس -رضي الله عنه-.
[16] رواه أحمد برقم (7)، والنَّسَائي برقم (5). من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وصححه الألباني (الإرواء 1/105).
[17] رواه البخاري (214).
[18] رواه أحمد برقم (22434)، وابن ماجه برقم (277)، والدارمي برقم (655)، وصححه الألباني (صحيح الجامع 1/225).