11 فبراير .. يوم سقوط مبارك ونظامه

ملفات متنوعة

11 فبراير 2011 م الموافق 8 من شهر ربيع الأول 1432 هـ، سيظل تاريخاً
محفوراً وراسخاً في قلب وعقل كل مصري وعربي شريف يؤمن بالحرية وتحطيم
أغلال الظلم والاستبداد، التي ظل مكبلاً بها لسنوات وعقود طويلة.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

11 فبراير 2011 م الموافق 8 من شهر ربيع الأول 1432 هـ، سيظل تاريخاً محفوراً وراسخاً في قلب وعقل كل مصري وعربي شريف يؤمن بالحرية وتحطيم أغلال الظلم والاستبداد، التي ظل مكبلاً بها لسنوات وعقود طويلة.

سيظل هذا التاريخ المبارك شعلة مضيئة أمام باقي الشعوب العربية التي لا ترضى بالإذعان والهوان، ليأخذوا المبادرة لتحرير أنفسهم من الأنظمة الاستبدادية المشابهة، والتي كانت لها توأمة خاصة مع النظام المصري المخلوع، لتعود مصر ثانية حضن العروبة النابض وصدرها المفتوح الذي يحتوي كل العرب. هكذا نجحت الثورة المصرية البيضاء- التي حاول النظام الغاشم تلويثها بشتى الطرق قبل زواله - في هزيمة الطغيان وأضاءت مجدداً نفق الظلمة والاستبداد الذي آمن كثيرون باستحالة الخروج منه أو حتى استنشاق الهواء النقي من ثناياه.

سيظل هذا التاريخ، بمثابة التاريخ الجديد لشهادة ميلاد لمصر الجديدة بعد أن أعلن شبابها شهادة وفاة النظام الغابر برئاسة حسني مبارك. فها هي مصر التي كان يحلم بها الشرفاء والأحرار في كافة أنحاء البسيطة تعود من جديد .. مصر التي انقلبت على الطغيان، وثارت ضد الاستبداد .. مصر التي استعادت أبنائها الأبطال من الشباب الذين أقسموا على رفع اسمها على عنان السماء، وإزالة العار والخزي عن جبينها الذي ألصقه بها النظام المخلوع على مدى سنوات طويلة، والذي اعتقد خطأ وجهلاً وتعجرفاً بأن هذا الشعب سيظل مستكيناً وراضخاً تحت وطأة سلاحه وتهديداته الإرهابية.


السطر الأخير:
وقبل كتابة هذه السطور بساعات كنت لا أزال أفكر في مصير النظام المصري ورئيسه السابق حسني مبارك، وكيف سيكون تعاطي الثورة المصرية بعد خطاب تفويضه لنائبه عمر سليمان بصلاحيات رئيس الجمهورية، متوجساً مما يحمله المستقبل من تطورات وتداعيات، قد تلقى بظلالها على مسيرة تلك الثورة المباركة لكن يبدو أن روح الثورة ورغبة الشعب في تحقيق الحرية وانتزاعها بقوة إرادة الشعب، كانت أسرع مما كان يخطه قلمي. فحشود الشعب المصري التي عبأها الخطاب الاستفزازي للرئيس المتنحي مبارك نجحت في كتابة السطر الأخير من حكمه بعد ثلاثة عقود متواصلة من الظلم والطغيان، وأن قراره بالتنحي والفرار جاء بعد أن أدرك أنه لم يعد أمامه خيار أو مفر سوى الرضوخ والإذعان لرغبة الشعب.

تحية للشعب المصري بشبابه وشيوخه ونسائه وأطفاله، الذي أبى أن يظل راضخاً تحت وطأة الظلم والطغيان .. تحية للشعب الذي حطم جدران الخوف والترهيب التي أعلى بنائها نظام مبارك حول شعب مصر، وجعلها فزَّاعة لترهيبه وقهره.


صمود الثورة:
حقاً نجحت ثورة الشباب المصري بعد 17 يوماً متواصلة من الإصرار والصمود في إسقاط نظام لم يحلم بإسقاطه أحكم الخبراء ويتنبأ بزواله أكبر المحللين. لقد تحدى الشباب المصري كافة الظروف وأحبطوا محاولات خطف ثورتهم المباركة والسطو عليها، والمتاجرة بها واستخدامها كورقة للعب بها في لعبة السياسة الحزبية المصرية.

حقاً نجح الشباب المصري في الصمود سبعة عشر يوماً متحدين بلطجة النظام ومخططاته الدنيئة لتشويه هدفهم النبيل وإيمانهم الراسخ في حقهم لانتزاع حريتهم من أفواه الفراعين الطغاة الذين تساقطوا تحت أقدامهم واحد تلو الآخر.


حقاً نجح الشباب المصري في الصمود والبقاء في وجه الظلم والطغيان، مقابل تراجع النظام الفرعوني بقيادة مبارك الذي لم يتخل طوال فترة الأيام السابقة عن استخدام أساليبه الواهية من الترهيب والوعيد التي عجزت عن ترهيبهم وتخويفهم. فها هو نظام مبارك الفاسد أدرك من الوهلة الأولى منذ اندلاع شرارة الثورة المباركة بأن نهايته أوشكت على الانتهاء، ومع ذلك ظل متشبثاً، عبثاً، بتلابيب السلطة على أمل البقاء حتى نهاية فترة رئاسته على أقصى تقدير، التي يدعي بأنها شرعية، لكن كل ذلك ذهب في أدراج الرياح، وتلاشى كبخار الماء في الهواء أمام قوة صمود وإصرار أبناء الثورة التي ما لبثت أن تحولت إلى ثورة شعبية تضم كافة طوائف الشعب وطبقاته، ليخرجوا سوياً وليقولوا معاً لا لمبارك، بعد أن كانت حبيسة في داخل أعماقهم لسنوات طويلة.


يوم خالد:
سيظل يوم 11 فبراير 2011 يوماً خالداً في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ليسطر بدماء أكثر من 350 شاب وشابة مصرية شهداء تلك الثورة المباركة، صفحة جديدة من صفحات تاريخها العظيم، فتحية لهؤلاء الشهداء الذين أحيوا بأرواحهم الطاهرة ليس فحسب أرواح 85 مليون مصري، بل أرواح أكثر من 400 مليون مواطن عربي في كافة الدول العربية التي تعاني من ظلم واستبداد أنظمة عفي عليها الزمان .. فشعلة التحرر من تلك الأنظمة التي انطلقت شرارتها الأولى من سيدي بوزيد في قلب تونس الخضراء واحتضنتها أرض الكنانة بميدان التحرير وسط القاهرة وأكسبتها الزخم والبُعد العربي والإسلامي المطلوب فسوف تنتقل بلا محالة إلى باقي الشعوب العربية الحرة من المحيط إلى الخليج، إلى الجزائر وليبيا غرباً مروراً بسوريا التوريثية شرقاً إلى اليمن جنوباً، ليتخلص العرب نهائياً من الأنظمة الطاغية التي استعبدتهم لسنوات طويلة، ونهبت مقدراتهم وسلبت مكتسباتهم وثرواتهم، ووضعت رؤوسهم في الوحل والطين، في مقابل الاحتفاظ بالجاه والسلطان، وأن يحكموا شعوبهم بالحديد والنار، للبقاء على مقاعدهم الزائلة لإرضاء الغرب وتنفيذ مخططاته. فها هو قطار الحرية للشعوب العربية يتحرك مجدداً ليكسح جبال الخزي والظلم التي تراكمت وفُرضت عليهم لعقود طويلة، ولتكن تونس الشرارة ومصر الانطلاقة نحو مستقبل مشرق، وغد زاهر لأبناء الشعوب العربية قاطبة وليعودوا كما كانوا في المصاف الأولى للشعوب ويحق فيهم قول الله عز وجل في كتابه الكريم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.


أخيراً وقبل أن أنهي مقالي الذي لم يكتبه قلمي بقدر ما كتبته مشاعري ووجداني، أوجه تحية إجلال وتقدير للثورة المصرية، ولنقول لأرواح شهدائها ارقدوا بسلام فقد سقط مبارك وسقط النظام وعلت كلمة الشعب فوق كيد كل ظالم .. فلكم منا التحية والدعاء وليرحكم الله وعاشت مصر وشعبها أحرار.


الجمعة 11 فبراير 2011 م

 
المصدر: سامح عباس - موقع مفكرة الإسلام