حملة الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة

عائض بن عبد الله القرني

اجتمع لأحمد خمسة أمور لم تجتمع لشخص إلا سارت به إلى العلا والسمو النفسي ، والبعد عن سفساف الأمور ، والاتجاه إلى معاليها ، تلك الأمور هي : شرف النسب والحسب ، واليتم الذي يُنَشِّئُه منذ فجر الصبا معتمدا على نفسه ، وحالٌ من الفقر غير المدقع ، لا تستخذي به النفس ، فلا يبطرها النعيم ، ولا تذلها المتربة ، ومع هذه الخصال قناعةٌ ونزوعٌ إلى العلا الفكري بتقوى الله تعالى ، والْتَقَى كل ذلك بعقل ذكي وفكر ألمعي .

  • التصنيفات: التاريخ الإسلامي - تراجم العلماء -

إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران: 102]. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامََ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

 أما بعد:

فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أيها الناس:

فَسِيَرُ الصالحين مدرسة أسسها القرآن، ووعتها السنة، وحفظتها كتب التاريخ. ومعنا في هذا اليوم، عَلَمٌ من الأعلام، وصالح من الصالحين، وإمام من الأئمة؛ بل إمام الدنيا، وحافظ العصر، أحفظ أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحديث الشريف، حفظ التاريخ سيرته، وأحبته القلوب لصلابته في السنة، ودفاعه عنها، وما أظن أن هناك مسلمًا يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة إلا ويعرف هذا الإمام، حتى أعداؤه من الكفار والمنافقين يعرفونه إلى قيام الساعة إنه الإمام المبجّل أحمد بن حنبل، إمام السنة، الواقف يوم المحنة، الزاهد فيما سوى الله، المتقن للحديث، فمن هو الإمام أحمد؟ عَلَّنا نقتدي بشيء من سيرته، فإن لم نستطع فلنحبه في الله، فإن المرء مع مَنْ أحبَّ يوم القيامة(1)، «والرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل» (2)   {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [الطور: 21].

 

أَحَبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْتُ مِنْهُمْ *** لعلِّي أَنْ أنالَ بهم شفاعهْ

وأَكْرَهُ مَنْ تجارتُه المعاصي *** وإِن كنَّا سواءً في البضاعهْ

 

ولد الإمام أحمد في آخر القرن الثاني، وعاش في بيت فقير، مات أبوه وهو طفل، فتكفَّلت أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة بتربيته، وهذا دور المرأة يوم أن تكون صالحة، يوم أن تكون ذاكرة لله عز وجل يوم أن تكون مستقيمة على أمر الله، ينشأ أطفالها على لا إله إلا الله، فيحبون الله، ويحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبون كتاب الله، ويتعلقون ببيوت الله.

 

قال الإمام أحمد رحمه الله: فحفَّظَتني أمي القرآن وعمري عشر سنوات، حفظ كتاب الله واستوعاه في صدره، ففرّت الوساوس والشياطين من صدره، فأصبح عابدًا لله، محافظًا على أوامره، منتهيًا عن نواهيه، علمته أمه الفضيلة، وربته على التقوى.

 

قال أحمد رحمه الله: كانت أمي تلبسني اللباس، وتوقظني، وتحمي لي الماء قبل صلاة الفجر، وأنا ابن عشر سنوات، وكانت تختمر وتتغطى بحجابها وتذهب معه إلى المسجد؛ لأن المسجد بعيد؛ ولأن الطريق مظلمة. فانظر إلى هذه المرأة الصالحة، وما تبذله من جهد وتعب حتى يصبح ولدها من عباد الله الصالحين وليس ممن استهوته الشياطين في الأرض حيران.

 

عاش الإمام أحمد في هذا الجو الطاهر، وفي هذه الأجواء النقية، في بيت كلُّ همِه أن يعبد الله عز وجل وأن يكون هذا الغلام عبدًا خالصًا لله، قال: فلما بلغتُ السادسة عشرة من عمري، قالت لي أمي: اذهب في طلب الحديث، سافر فإن السفر في طلب الحديث هجرة إلى الله الواحد الأحد. قال: فأعطتني متاعَ السفر، أتدرون ماذا أعطته من الزاد؟ كم أعطته من الألوفِ؟ كم أعطته من الدراهم والدنانير؟ ما كانت تملك شيئًا.. صنعت له ما يقارب عشرة من أرغفة الشعير، عشرة من الأقراص اليابسة، ووضعتها في جراب من قماش وأعطتها إياه، ووضعت معه صُرَّة ملح وقالت: يا بني إن الله إذا استودع شيئًا لا يضيعه أبدًا، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، فذهب من عندها من بغداد، من عاصمة الدنيا، من دار السلام، لماذا ذهب؟ أذهب للسياحة كما يفعل اللاهون اللاغون؟ أم ذهب إلى تسلية الأوقات والتزحلق على الثلج في عواصم بلاد العهر والفجور؟ لا إنما ذهب يبحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب الدنيا من أجل ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، ذهب إلى جناب المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى مكة والمدينة:

 

مَنْ زَارَ بابَكَ لم تبرَحْ جَوَارِحُهُ *** تروي أحاديثَ ما أوْلَيْتَ من مِنَنِ

فالعينُ عن مُرَّةٍ والكفُّ عن صِلَةٍ *** والقلبُ عن جابر والسَّمعُ عن حسنِ

 

فذهب رضي الله عنه وأرضاه قال: مضيتُ من بغداد إلى مكة، فضِعْتُ في الطريق ثلاث مرات، فكنت كلما ضِعتُ استغفرت الله ودعوته، وقلت: يا دليل الحائرين دلّني، قال: فوالله ما أنتهي من كلامي إلا ويدلني دليلُ الحائرين على الطريق!!

من هو دليل الحائرين؟ إنه الله، من هو ملجأ الخائفين؟ إنه الله، من هو مناص العارفين؟ إنه الله، فكان كلما ضاع في الصحراء التجأ إلى الله، ما عنده علامات ولا خرائط، ما هناك مواصلات ما هناك نقل ولا خطوط، صحراء يبيد فيها كل شيء، ويضيع فيها الذكي قبل البليد، فضاع الإمام أحمد؛ ولكن الله لم يضيعه، هداه إلى الطريق؛ لأنه توجه إليه بالدعاء والتضرع، احفظ الله يحفظك، فلما حفظ الله، حفظه الله في سمعه وجوارحه ودينه ومستقبله وسمعته إلى يوم القيامة، وحفظ الله اسمه للملايين، عند مسلمي الصين واليابان والملايو والعراق والجزيرة ومصر وسوريا والجزائر ومسلمي أمريكا، كلهم يسمعون بأحمد بن حنبل؛ لأنه حفظ الله، ثم وصل إلى مكة، فأخذ حديث مكة، وبعدها سافر إلى اليمن، إلى صنعاء اليمن إلى عبدالرزاق بن همام الصنعاني يطلب الحديث، وبينما هو في طريقه، ضاع مرة رابعة، قال: وانتهت نفقتي من الخبز، أما الدراهم فما كان عندي دراهم، فماذا فعل؟ قال: نزلت إلى قوم أهل مزارع يحصدون ويصرمون، فأجَّرت منهم نفسي ثلاثة أيام، يا سبحان الله! إمام الأئمة، الذي يحفظ ألف ألف حديث، كما يقول الذهبي وابن كثير، يحفظ مليون حديث؛ بل ما حفظ من الأمة أبدًا أحدٌ كما حفظ ابن حنبل يؤجر نفسه من الحصَّادين، فيحصدُ معهم، ووصل بحفظ الله إلى صنعاء، وأخذ الأحاديث النبوية، وكتبها، كان يسهر الليل حتى الفجر، ويصوم النهار حتى الغروب. قال ابنه عبد الله: كان أبي يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمئة ركعة!! انظروا تذكرة الحُفَّاظ للذهبي، وسِيَر أعلام النبلاء له أيضًا، والبداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ بغداد للخطيب، وتاريخ دمشق لابن عساكر، كلها أجمعت على أنه كان يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمئة ركعة، وكان يسرد الصوم إلا في بعض الأيام.

وصل إلى صنعاء، فقُدِّم له جوائز من السلطان ومن الأغنياء، فرفض وأبى، وقال: أعمل بيدي، فاشتغل في بعض الصناعات بيده، حتى أعطاه الله بعض الأسباب، وبعض النقود، ثم عاد إلى بغداد.

أما علمه رحمه الله فهو البحر:

 وَحَدِّث عن البحر ولا حرج: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } [البقرة: 282]. العلم ليس بالمؤسسات، ولا بالشهادات، ولا بالجامعات، العلم تقوى الله، العلم من الحيِّ القيوم، يقول عز من قائل عن نبيه صلى الله عليه وسلم: { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وقال الله لإبراهيم: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]. ويقول عن سليمان: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]. فالفهم من الله، والعلم من الله، والفقه من الله، والذكاء من الله، فيا من اغتر بشهادته، أو بمستواه، أو بمنصبه، والله ما تغني هذه الأمور عند الله جناح بعوضة، العلم أن تتعلَّم وتعمل وتعلِّم الناس، سواء كانت عندك شهادة أو لم يكن، سواء تعلَّمت في مدرسة أو لم تتعلَّم: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة: 282].

 

فعَلَّمَ الله الإمام أحمد:

فحفظ ألف ألف حديث مع القرآن، مليون حديث يستحضرها متى شاء، وقد كتب "المسند" من حفظه، أربعين ألف حديث أكبر مسند في الدنيا، هو بين أيدينا ولكن مَنْ يقرأ "المسند"؟ ومن يطالع "المسند"؟! ومن يعيش مع "المسند"؟!

 

لقد أعرض الناس عن "مسند الإمام أحمد"، واتجهوا إلى مطالعة الصحف اليومية، والمجلات الأسبوعية، والقصص التافهة، والكتب التي لا تساوي المداد الذي كتبت به، إلا من رحم الله عز وجل. أصبح "المسند" مطبوعًا طبعة فاخرة، وغيره من كتب الحديث. وأصبح معروضًا لنا عرضًا جيدًا، ولكن الناس أعرض عنه واشتراه الكثيرون ليكون ديكورًا وزينة في البيوت، لاستكمال مظاهر البذخ والترف الذي يعيش فيه كثيرٌ من الناس.

 فيا أمة محمد من يقرأ "مسند الإمام أحمد"؟!!

إن من يقرؤه سوف يجد التقوى، والزهد والرفعة، والخوف من الله، والتوكل على الله عز وجل.

 أفتى الإمام أحمد في ستين ألف مسألة:

 وكان حجته فيها: قال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذمَّ المنطق، وذمَّ الرأي، وذمَّ الفلسفة والجدل، وقال: نحن قوم مساكين لم يأمرنا الله عز وجل بذلك.

 

أما تواضعه فمنقطع النظير: وطالب العلم والمسلم والعالم والمسؤول إذا لم يكن متواضعًا لله فاعلم أن الله قد مقته من فوق سبع سماوات، وقد سقط من عين الله، قد باء بخزيٍ من الله إن لم يتب. كان متواضعًا جدَّ التواضع، قال بعض الحفَّاظ: رأينا الإمام أحمد نزل إلى سوق بغداد، فاشترى حزمة من الحطب، وجعلها على كتفه، فلما عرفه الناس، ترك أهل المتاجر متاجرهم، وأهل الدكاكين دكاكينهم، وتوقف المارة في طريقهم يسلمون عليه، ويقولون: نحمل عنك الحطب فهزَّ يديه، واحمرَّ وجهه، ودمعت عيناه، وقال: نحن قوم مساكين، ولولا ستر الله لافتضحنا.

 

والعجيب في الإسلام أن العبد كلما زاد تواضعًا لله، كلما زاده الله رفعةً، وكلما ارتفع، كلما زاده الله حقارة ومهانة ومذلة جزاءً وفاقًا. قال أبو بكر الصديق لخالد بن الوليد لما أرسله إلى اليرموك، أخذه بتلابيب ثوبه وهزَّه، وقال: يا أبا سليمان فِرَّ من الشرف يوهب لك الشرف، واطلب الموت توهب لك الحياة، وصدق رضي الله عنه وأرضاه.

 

أتى رجل يمدح الإمام أحمد، فقال له الإمام أحمد: أُشهد الله أني أمقتك على هذا الكلام، والله لو علمت ما عندي من الذنوب والخطايا لحسوت على رأسي بالتراب!! انظر إلى الإمام، انظر إلى العابد.

 

جاءه قوم فقالوا: يا أحمد بن حنبل، إن الله قد نشر لك الثناء الحسن، والله إنا نسمع ثناءك في كل مكان، حتى في الثغور مع الجيش وهم يقاتلون العدو، يدعون لك وقتما يرمون بالمنجنيق. فدمعت عيناه، وقال: أظن أنه استدراج من الله عز وجل.

 

أما زهده في الدنيا:

 فقد رفعه عن كثير ممن عاش معه وعنده الملايين، أتته الدنيا راغمة إلى باب بيته فأبى، طولب منه أن يتولى القضاء فامتنع أبدًا، وقال: إن تركتموني وإلا فوالله لأهاجر إلى مكان لا تجدوني فيه أبدًا!! كان دخله كما يقول الذهبي وابن كثير في الشهر: سبعة عشر درهمًا وقال: هذه تكفينا. قال أبناؤه: يا أبتاه ما تكفينا هذه، قال: أيام قلائل، وطعام دون طعام، ولباس دون لباس، حتى نلقى الله الواحد الأحد!!

يقول ابنه عبد الله بسند صحيح إليه: "بقيت حذاء أبي في رجله ثمان عشرة سنة، كلما خرمت خصفها بيده"، وهو إمام الدنيا.

أرسل له المتوكل ثمانية أطقم من الذهب والفضة حملها الوزراء على أكتافهم مع سرية من الجيش بعد المحنة، فردَّها وقال: والله لا يدخل بيتي منها درهمٌ ولا دينار.

 

وأما خُلُقه فأحسن الناس خُلُقًا:

لأن مَنْ يصاحب القرآن، من يدرس القرآن، من يشتغل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتأثَّر بذلك ولو بعد حين، وذلك في الغالب؛ لأن هناك من يتعلم لغير الله عز وجل ليصيب به عرضًا من الدنيا قليلاً، فإن هذا من أول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة.

 وإذا لم نأخذ أخلاقنا وآدابنا من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن أين نأخذها؟ ومن أين نتعلمها؟ أَمِنْ ديكارت وكُنْت؟ أم من أصحاب المدرسة النفعية الذين يقولون: إن الأخلاق والقيم والمبادئ كلَّها أمور نسبية، تتغير بتغير الزمان والمكان، وأن المصلحة هي التي تحدد هذه المبادئ والقيم!!

متى كان هؤلاء الفئران أساتذة لنا؟ متى كانوا معلمين؟ إنهم أحقر الناس، إنهم أخبث الناس، إنهم أضل الناس، إنما يُتَعلّم من وحي السماء الذي تربَّى عليه محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من أنبياء الله عز وجل.

 

يقول الإمام أحمد: رحم الله أم صالح يعني زوجته وقد توفيت صاحبتني ثلاثين سنة، والله ما اختلفت أنا وإيَّاها في كلمة واحدة.. زوجته في بيته، صاحبته ثلاثين سنة، ما اختلف معها في كلمة واحدة. أتاه رجل من أتباع السلطان المعتصم، فَسَبَّ الإمام أحمد أمام الناس وشتمه وانتقصه أمام الجماهير، فقال الناس: يا أبا عبدالله، يا أحمد، رُدَّ على هذا السفيه، قال: لا والله، فأين القرآن إذن؟! يقول الله عز وجل: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63]، هذا هو اتباع القرآن، هذا هو العمل الحقيقي بكتاب الله تبارك وتعالى.

 

كان يجلس الناس إليه رضي الله عنه وأرضاه فيتعلمون منه، وينظر إليهم، قال ابنه عبدالله: دخلتُ على أبي وهو جالس في البيت متربع مستقبِل القبلة، ودموعه تنهمر على خديه، فقلت: يا أبتاه، ما لك؟ قال: تذكرت في هذه الغرفة موقفي في القبر وحدي لا أنيس إلا الله، قال: فأراك متربعًا، لماذا لا تتكئ وتريح نفسك لأنه شيخ كبير قال: أستحيي أن أجالس الله وأنا متكئ.

دخل عليه الأديب الكبير ثعلب، فقال له الإمام أحمد: ماذا تحفظ من الأدب والشعر؟ قال: أحفظ بيتين، قال: ما هما؟ قال: قول الأول:

 

إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يومًا فلا تَقُلْ *** خَلَوْتُ ولكن قُلْ عليَّ رقيبُ

ولا تحسبَنَّ الله يغفُل ساعةً *** ولا أن ما تُخْفي عليه يغيبُ

 

فوضع الإمام أحمد الكتاب من يده، وقام وأغلق على نفسه بابًا، وبقي في الغرفة، قال تلاميذه: والله قد سمعنا بكاءه من وراء الباب وهو يردد البيتين.

 كان يتمنى أكبر الأمنية في حياته أن يتقدم الصفوف مجاهدًا في سبيل الله، نظر إلى قدميه وقت الوفاة وبكى، وقال: يا ليتها جاهدت في سبيل الله. لكن والله جاهد جهادًا من أعظم الجهاد، بذل علمه، بذل جاهه، بذل ماله، بذل نفسه، بذل كل ما يملك في رفع راية لا إله إلا الله، فكان إمام الدنيا بحق. قال يحيى بن معين: والله ما رأيت أحدًا كأحمد بن حنبل، والله ما أستطيع أن أكون مثله ثلاثة أيام. وقال علي بن المديني: لو كان الإمام أحمد في بني إسرائيل كان نبيًا من الأنبياء. وقال الإمام الشافعي رحمه الله خرجتُ من بغداد وسكانها ألفا ألفٍ يعني مليونين اثنين فوالله ما خلّفتُ رجلاً أتقى لله وأعلم بالله وأزهد لله وأورع أن تنتهك محارم الله، ولا أحب إليَّ من أحمد بن حنبل.

 

رحم الله الإمام أحمد وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا في زمرته يوم يوفَّى الصادقون بصدقهم، يوم يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

 

وللحديث بقية إن شاء الله.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله.. الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

• أما بعد:

فيقول سبحانه وتعالى: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].

ويقول عز من قائل:   {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

 

لما قرأ الفضيل بن عياض رحمه الله هذه الآية بكى، وقال: اللهم لا تبلونا فتفضحنا، فنحن في ستر الله نسأل الله ألا يفضحنا، وألا يفتنا، وأن يجعلنا في عافية وستر حتى نلقاه، لكن للفتنة نتائج طيبة يجعلها الله للصابرين، قال سبحانه وتعالى:   {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة: 24].

 

والفتنة التي تعرض لها الإمام أحمد رواها أهل التاريخ جميعًا، سمعت بها الدنيا شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، مسطَّرة إلى قيام الساعة، وهي محنة خلق القرآن، أو الفتنة التي أورثها المأمون في الأمة.

 

وملخص هذه المحنة: هو أن المأمون كان مفتونًا برأي منطقي معتزلي فلسفي، ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والمأمون هو الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد، قال: إن القرآن مخلوق وكذب على الله، فالقرآن كلام الله عز وجل والله يتكلم بما شاء متى شاء لم يزل متكلمًا سبحانه وتعالى.

يقول عز من قائل: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } [الأعراف: 54] والأمر هنا القرآن فقال هذا الخليفة: إن القرآن مخلوق، واستخدم السيف ليثبت هذه القضية في الأمة، وقتل ما يقارب ألفًا من العلماء الكبار، من علماء الأمة، من أساتذة وتلاميذ وزملاء الإِمام أحمد، وملأ السجون من العلماء وطلاب العلم، فبعضهم أجاب خوفًا من السيف، وبعضهم رفض، وقال: لا أجيب؛ فقتل في الحال، ومُنِعَ التدريس في المساجد، ومنعت الخطابة إلا للمعتزلة وانتشر الشر الكثير وعمت البدعة، فنضَّر الله الإسلام بالإِمام أحمد بن حنبل، وقف وحده وقال: لا والله، القرآن كلام الله،

فاستدعي، قال الإمام أحمد: أُخذت من بيتي وسط الليل، وأنا أصلي، فوُضِعَ الحديد في يديَّ وفي رجليَّ، حتى كان الحديد أثقل من جسمي، القيود التي سُلسل بها أثقل من وزنه رضي الله عنه ووضع على فرس، قال: فلما وُضعتُ على فرسٍ لم أتمالك نفسي فكدت أسقط ثلاث مرات، كل مرة أقول اللهم احفظني، فكان الله يردني حتى أستوي على الفرس: نعم: « احفظ الله يحفظك » [3]، وكان الجندي الذي معه يضرب الفرس، عَلَّ الإِمام أحمد يسقط على وجهه، قال: فلما أدخلت السجن سحبت على وجهي فنزلت، قال: فكنت أستغفر الله، فنزلت في آخر الليل، قال: فلا أدري أين القبلة، ولا أدري أين أنا، في ظلام وفي وحشة، لا يعلمها إلا الله، فكنت أقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، قال فمددت يدي، فإذا بماء بارد، فتوضأت منه وقمت أصلي إلى الفجر. انظر إلى حفظ الله، حتى في الساعات الحرجة، لا ينسى ربه تبارك وتعالى لأنه يعلم أن دعوة المظلوم تخترق السبع الطباق حتى تصل إلى الله عز وجل فيقول الله تعالى لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.

فَالْزِمْ يَدَيْكَ بحبلِ اللهِ مُعْتَصِمًا ♦♦♦ فإنَّه الرُّكْنُ إنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ

 قال: فلما أصبح الصباح، حُملت على الفرس ثانية، وما طَعِمْتُ طعامًا، وكدت أسقط من الجوع، فأدخلت على المعتصم الخليفة الثاني، الخليفة العسكري صاحب عمُّورية الذي تولى بعد المأمون، قال فلما دخلت عليه هزَّ السيف في وجهي وقال: يا أحمد والله إني أحبك كابني هارون، فلا تعرض دمك لنا، فقال الإمام أحمد آية من كتاب الله أو حديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حاول الخليفة معه أن يجيب، وأن يقول القرآن مخلوق فرفض، فدُعِيَ بالجلادين، ودُعِيَ بجبار من الجبابرة، رئيس الحرس الذي يتكون من خمسين ألفًا، واسمه عُجَيْب، فقال له المعتصم: اضرب هذا الرجل يعني الإمام أحمد قال: فجلده مئةً وستين سوطًا حتى غُشي عليه، ثم استفاق قال: فكان يقول: لا إله إلا الله، حسبي الله ونعم والوكيل؛ لأنها أقوى الكلمات، إنها قوة هائلة، إنها قوة فتاكة، حسبي الله ونعم الوكيل، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قالها إبراهيم فنجاه الله من النار، وقالها محمد فنجاه الله من كيد الكفَّار، ورفض الإمام أحمد أن يجيب حتى ظهرت أخاديد الدماء المتجمدة في ظهره من كثرة الضرب الذي تعرَّض له، فرفع على الفرس وأعيد، وبقي في

السجن ثمانية وعشرين شهرًا، وهو في السجن سرد الصيام، لم يفطر يومًا واحدًا كما ذكر ابنه عبد الله لأن كل يوم يمرُّ كان يظنُّ أنه سوف يموت فيه، وكان يحبّ أن يلقى الله عز وجل صائمًا.

 

يعرض عليه الطعام والشراب، واهتم الخليفة بأمره؛ فكان يقول: لا تأتوني بالعشاء حتى تعرضوه على أحمد، فيعرضون له المائدة ليأكل فيقول: والله لا آكل لهم لقمة، والله لا أشرب لهم شربة، ماذا كان يتغذى عليه، كان عنده جراب من سويق، إذا اقترب من المغرب أخرج كفًّا منه ثم وضعه في الماء وشربه، فهذا غذاء الإمام أحمد في ثمانية وعشرين شهرًا، ثم في الأخير عرض على السيف مرات ولكنه رفض أن يجيب، فلما أعجزهم وأَكَلَّهم وأملَّهم أعادوه إلى بيته، فأنزلوه وهو جريح، يقول ابنه عبد الله: دخل أبونا علينا في الليل بعدما أُطلق من السجن قال: فأنزلناه من على الفرس، فوقع من التعب ومن الإعياء ومن الضعف والهزال والمرض على وجهه، وقال: فبقي أيامًا، ثم تولى الخلافة المتوكل، فنصر الله به السنة، وأتى بالمال والذهب إلى الإمام أحمد، فبكى الإمام أحمد، وقال: والله إني أخاف من فتنة النعمة أكثر من فتنة المصيبة والمحنة، فرفضه وما أخذ شيئًا.

 

وبقي على هذه الحال، وكان يقول: يا ليتني ما عرفت الشهرة، يا ليتني في شِعْب من شعاب مكة ما عرفني الناس. فلما أراد الله أن يرفع ذكره قبضه إليه في يوم من أسعد الأيام، مرض تسعة أيام، ومحَّص الله ما بقي عليه من خطايا ومن ذنوب ومن سيئات لا يخلو عنها البشر في هذه التسعة أيام، وفي اليوم الأخير سمع الخليفة أنه مريض، فأمر الناس بزيارته فانقلبت بغداد العاصمة، عاصمة الدنيا، دار السلام، صاحبة المليونين نفر، انقلبت ظهرًا وبطنًا متجهة في طوابير وفي كتائب إلى بيت الإمام أحمد لتزوره في اليوم الأخير، قال أبناؤه: والله لقد أغلقت المتاجر حول بيوتنا، ولقد توقف الباعة، ولقد وقف حرس المتوكل من ممر الثكنات إلى بيتنا من كثرة الناس، فرفض الإمام أحمد أن يُدخل عليه إلا الصبيان والمساكين، فأدخلوا الأطفال عليه، فأخذ يبكي ويقبلهم، ويمسح على رؤوسهم، ويدعو لهم، ثم أُدْخِلَ عليه الفقراء فأخذ ينظر إليهم ويقول: اصبروا، فإنها أيام قلائل، لباس دون لباس، وطعام دون طعام، حتى نلقى الله.

 

وفي سكرات الموت التفت إلى طرف بيته، إلى طرف غرفته، فقال: لا بَعْدُ. لا بَعْدُ، فقالوا: ما لك، قال: تصور ليَ الشيطان ورأيتُه يَعَضُّ على أصبعه ويقول: فُتّني يا أحمد، فُتَّني يا أحمد، يعني هربت مني، فتنتُ الناس إلا أنت، فيقول الإمام أحمد: لا بَعْدُ، يعني: انتظر، فإني أخاف على نفسي، فقبضه الله عز وجل واستودع أبناءه، وأوصاهم بوصية إبراهيم عليه السلام لأبنائه: ألا يشركوا بالله شيئًا، وأن يقيموا فرائض الإسلام، وأن يتخلَّقوا بالخلق الحسن.

 أتدرون ماذا كان آخر كلماته؟ قال: اللهم اعف عمَّن ظلمني، اللهم اعف عمَّن شتمني، اللهم سامح مَنْ ضربني، اللهم سامح مَنْ سجنني، إلا صاحب بدعة يكيد بها دينك، فلا تسامحه، عدو الإسلام لا تسامحه، أما عدوي الذي عاداني لنفسي وشخصي فسامحه واعفُ عنه. وقُبضت روحه رضي الله عنه وأرضاه فماذا كان؟

طَوَى الْجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ *** فَزِعْتُ فِيهِ بآمَالِي إِلَى الكَذِبِ

حَتَّى إِذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ كَذِبًا *** شَرِقْتُ بالدَّمْع حتى كاد يَشْرَقُ بي

 

فلما توفي أعلن المتوكل في الناس أن عليهم أن يُشَيعُوا الجنازة ففتحت الثكنات العسكرية لجيش الخليفة، وحملت الجنازة صباحًا، فما وصلت إلى المقبرة إلا عصرًا، لكثرة الزحام، فقد شيَّعه كما يقول أهل العلم مليون وثلاثمئة ألف: [ألف ألف وثلاثمئة ألف]. وتوقف اليهود والنصارى من بيعهم ذاك اليوم، وهبت رياحٌ على بغداد، حتى ظنَّ بعض الجهلة أن القيامة قد قامت، وخرج الجيش وقوامه تسعون ألفًا في مقدمة الناس يرتِّبون الصفوف، وبكت بغداد على بكرة أبيها فراق هذا الإمام الرباني، ووصلت جنازته حتى قال بعض أهل التاريخ: كانت تذهب الجنازة على رؤوس الناس تحمل على الأصابع وتعود إلى المؤخرة، وتذهب وتأتي، فلما وضعت ارتفع البكاء وقام الناس يصلون عليها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27-30] دفن جسده ولكن ما دُفن علمه، ولا تواضعه، ولا زهده،

ولا ذكره الحسن، أبقى الله له ذكرًا حسنًا في قلوب أتباع محمد عليه الصلاة والسلام من أهل السنة والجماعة نضَّر الله وجوههم.

 

قال ابن كثير: رآه كثير من الصالحين تلك الليلة التي توفي فيها فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: ناداني فقال: يا أبا عبدالله الحقْ بأبي عبدالله، وبأبي عبدالله وبأبي عبدالله، قلت: مَنْ هم؟ قال: بالشافعي، وسفيان الثوري، والإمام مالك، كلهم أبوعبدالله: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16].

 

• أيها الناس:

وفي سيرته رضي الله عنه دروس أولها:

أن الرفعة من الواحد الأحد، وأن مَنْ يحفظ الله يحفظه الله.

الدرس الثاني: أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، لعنها الله وهو خالقها، وما التفت إليها منذ خلقها.

الدرس الثالث: أن العلم النافع، العلم الصحيح، العلم القويم، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

العِلْمُ  قَالَ  اللهُ   قَالَ   رَسُولُهُ ♦♦♦ قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أولُوا العِرفَانُ

الدرس الرابع: أن من أراد الرفعة ومن أراد المنزلة ومن أراد المكانة عند الله فعليه أن يتواضع، عليه أن يذل نفسه لإخوانه عليه أن يلغي اعتباراته ليرفعه الله.

الدرس الخامس: أنك كلما سجدت لله سجدةً رفعك بها درجة؛ ولذلك كان الإمام أحمد يصلي ثلاثمئة ركعة كل يوم غير الفرائض؛ لأن كل سجدةً بدرجة عند الواحد الأحد.

الدرس السادس: أن في سِير هؤلاء أثرًا للقلب، وتربيةً للروح، وهداية إلى الواحد الأحد، فطالعوا أخبارهم، وتلمحوا سيرهم، وكونوا متشبهين بهم، علَّ الله أن يهدينا وإيَّاكم سواء السبيل.

 

• عباد الله:

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَ {هُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

• وقد قال صلى الله عليه وسلم: « من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشرً» [4].

 

اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] حديث: ((المرء مع من أحب))، أخرجه البخاري (7/ 112)، ومسلم (4/ 2034) رقم (165).

[2] أخرجه الترمذي (4/ 509) رقم (2378)، وأبو داود (4/ 259) رقم (2833)، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني كما في ((صحيح الجامع)) رقم (3545).

[3] جزء من حديث أخرجه الترمذي (4/ 576) رقم (2516)، وأحمد (1/ 293) عن ابن عباس. قال الترمذي: حسن صحيح.

[4] أخرجه مسلم (1/ 288) رقم (384).