فرصة ذهبية .. هل يغتنمها الاسلاميون ..؟
عبد العزيز مصطفى كامل
ومن أعظم المظالم ما يقع بين كثير من عوام المسلمين من إطلاق الألسن في الأعراض والنوايا، بعد التنقيب عن الأسرار والسرائر والطوايا، بدعوى رد الاعتبار أو النصيحة، أو قول الحق ولو كان مُرًا.. !.. وأَمَرُّ وأقبح من فعلهم هذا الناشئ عن جهلهم ؛ ما يكون بين بعض الدعاة الذين يُفترض أنهم قدوة لهم، حيث يتورع بعضهم أو يتبرع بكف لسانه عن أكابر المجرمين ؛ في حين يطلقه في أعراض وسِيَر من يخالفونه من إخوانه المسلمين
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لأن تعظيم شعائر الله بإقامة شرائعه يحتاج منا إلى برهان؛ يُدلل على ما وَقَرَ في القلوب من الإيمان، فقد قال الله تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب } [الحج :32]..ومن شعائر الله الواجب احترامها والوقوف عندها؛ تعظيم الأشهر الحُرُم، ومن تعظيمها الابتعاد عن المظالم كلها، سواءً ما كان منها يتعلق بحدود الله التي من تعداها فقد ظلم نفسه، أو ما يتعلق بحقوق العباد التي بتخطيها يجلب الانسان على نفسه الخطايا ويستنزل البلايا ، فالإنسان الذي يُبتلى بنوع من الظلم فيرد بأنواع أشنع من الظلم؛ يُنشئ حالة من تبادل المظالم تنتهك بها المحارم، ولهذا قال الله تعالى « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرمًا، فلا تَظَالموا» [ رواه مسلم/ 2577] .
ومن أعظم المظالم ما يقع بين كثير من عوام المسلمين من إطلاق الألسن في الأعراض والنوايا، بعد التنقيب عن الأسرار والسرائر والطوايا، بدعوى رد الاعتبار أو النصيحة، أو قول الحق ولو كان مُرًا.. !.. وأَمَرُّ وأقبح من فعلهم هذا الناشئ عن جهلهم ؛ ما يكون بين بعض الدعاة الذين يُفترض أنهم قدوة لهم، حيث يتورع بعضهم أو يتبرع بكف لسانه عن أكابر المجرمين ؛ في حين يطلقه في أعراض وسِيَر من يخالفونه من إخوانه المسلمين.. فيستحل أذاهم ويستبيح حرمتهم التي هي أعظم من الكعبة حرمة، وانتهاكها أشد جُرمًا ..
عاقبة إطلاق اللسان في المسلمين من أكبر موارد البوار الموصل للنار؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ - رضي الله عنه - وهو مَنْ هو؛ ورعًا وحرصًا وتُقىً : «كُفَّ عليك هذا؛ وأشار إلى لسانه». قال: يا نبيَّ الله ! وإِنَّا لَمُؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ( ثكِلتك أمُّك.. وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائدُ ألسنتهم » [أخرجه الترمذي /2616] [وصححه الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب / 2866)] .
دعانا الله تعالى في الأشهر الحُرُم أن نكُفَّ عن ظلم أنفسنا، ونصون قلوبنا وألسنتنا وأيدينا عن الخوض في أذى بعضنا، إذ المؤمنون كنفسٍ واحدة، قال سبحانه : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة/36] فالأشهر الحُرُم التي نعيش أوْلها - وهو شهر رجب – أوجب الله تعظيمها وحفظ حُرمتها، بحفظ حدوده وحقوق عباده فيها.. ولا يكون ذلك - بعد بتقواه والتوبة إليه – إلا بإفراغ الضمائر من الضغائن، والقلوب من الأحقاد، وكف الألسن عن الأذى..
كثيرٌ مما يدور في المجالس ويُتداول على صفحات (التواصل) الاجتماعي بين بعض الإسلاميين؛ يؤول إلى (تقاطع) اجتماعي .. فردي وجماعي، ولا يعدو وصفه في كثير من الأحيان أن يكون من (التحريش) الذي يُرضي الشيطان ويُغضب الرحمن، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - « إن الشيطان قد أيِسَ أن يعبده المُصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم» [ رواه مسلم/2812] يعني : يئس أن يتحقق مُناه في إجماع أهل الجزيرة العربية على عبادته ؛ ولكنه رضي عوضًا عن ذلك بالتحريش بين المسلمين بالخصومات والشحناء والحروب والفتن .
(رجب).. فرصة ذهبية كبيرة، في مهلة زمنية قصيرة، يمكن استغلالها في نزع الغل من الصدور، وتبريد القلوب التي تفور كالقدور، وهي فرصة تجيء على صورة فريضة شرعية، يزيد من فرضيتها ما يعانيه أهل الإسلام من ضرر واقع وضرورات واقعية... تدعونا جميعًا.. أن نعتصم بحبل الله جميعًا.. وأن نتقي الله في بعضنا بعضًا، فيكُف بعضنا عن بعض، ويتفرغ بعضنا للبحث في سبل الإصلاح بين بعضنا البعض.. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [10الحجرات]
نريد أن نتراحم فيما بيننا...حتى يرحمنا الله، فلا يُسلِّط علينا مزيد البلاء من صنوف الأعداء... فاعرضوا – أيها الأكارم – وفكِّروا في المقترحات والمبادرات؛ لبدء مرحلة جديدة في تطبيق ما يعرفه الجميع من أبجديات (فقه الوِفاق)..بدلًا من المُضي في تيه أنفاق الاختلاف والتظالم والشقاق...