فساد لا يزال يحتاج إلى ثورة

ملفات متنوعة

يتناول الجميع في مصر الآن ما كان عليه الحال قبل تظاهرة 25 يناير
الماضي من مظاهر الفساد التي عانى منها الجميع في المؤسسات والهيئات
والمسؤولين وأعوانهم، ورجال الشرطة والأمن وتجاوزاتهم، وتضييع الأموال
والحقوق والواجبات...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

يتناول الجميع في مصر الآن ما كان عليه الحال قبل تظاهرة 25 يناير الماضي من مظاهر الفساد التي عانى منها الجميع في المؤسسات والهيئات والمسؤولين وأعوانهم، ورجال الشرطة والأمن وتجاوزاتهم، وتضييع الأموال والحقوق والواجبات، وما كان من فساد القائمين على مصالح الناس في الجهات الحكومية المختلفة من مديرين وموظفين رجالاً ونساءاً، وفساد أعضاء البرلمان بمجلسيه وتجاوزاتهم واستغلال أكثرهم -إن لم يكن جميعهم- لسلطاتهم في تحقيق مصالحهم الشخصية، وسرقة الأموال وضياع الثروات والمجهودات والكوادر من البلد بسبب القائمين على العديد من المؤسسات المختلفة في كل جانب من الجوانب، وأن ما يحدث من طلب الإطاحة بالجميع هو أمثل الحلول للبدء من جديد، واستبدال الفاسدين بغيرهم من أبناء مصر الشرفاء والمخلصين.


المطلوب الآن لدى الجميع هو إعادة النظر في الدستور والنظر في مواده وما ينص عليه فيما يتعلق بالسلطة والانتخابات وكيفية مراقبتها والإشراف عليها، ووضع القوانين والنظر في كيفية مراقبة الحكومة وكيفية محاسبة المقصرّين أياً كانوا وأن يكون القانون فوق الجميع حتى يلتزم الجميع بما فيهم رئيس الدولة بعمله ويؤديه على أكمل وجه هو ومن هم دونه من رجال الدولة والوزراء وجميع المسؤوليات، والنظر في الأحزاب وشرعيتها وما يتعلق بها واتاحة الفرصة للشباب للقيام بممارسات سياسية وزيادة وعيهم السياسي كبداية لتمثيل أكثر شرعية ومقدرة أكبر لتحقيق مطالب الجماهير بفئاتهم المختلفة.

ولكن:
ألم يظهر من بين الكثيرين من الشعب المصري الاستعداد للتخلي عن "الجميع" من أجل مصلحته الخاصة؟
ألم يظهر من كثير من الناس التجاوبات الساذجة للشائعات والانقلاب على العقبين مباشرة لأقل احتمال لوجود تضحيات من أي نوع؟
ألم يظهر استعداد الكثيرين لبيع ضمائرهم من أبناء الشعب نفسه مقابل أي شيء؟


الشعب الذي انقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض:
بين مُطالب لاستمرار التظاهرات والخروج إلى الشارع والضغط على الحكومة من أجل ضمان القيام بالإصلاح اللازم وأن التصريحات الحكومية ليست كافية وأن المطلوب ضمانات أكثر قوة ...
وبين مطالب بانهاء التظاهرات والاعتصامات حتى تعود البلاد إلى حالة الاستقرار الأمني والاقتصادي وانهاء حالة الخوف والذعر بين الناس بسبب أعمال التخريب والسرقات واطلاق النار عليهم من المساجين الهاربين، ومحاسبة المتسببين في استمرار هذا الوضع ممن يطالب باستمرار التظاهرات، خاصة بعد ما أدت إليه من خسائر وما تعرضت له من اعتداءات وسفك للدماء، وخاصة بعد الوعود بالالتزام بالمطالب والإعتراف بشرعيتها.

بين مُطالب بمحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات التي تعرض لها المعتصمون في ميدان التحرير من "بلطجية" الحزب الوطني بعد الكشف عن هوياتهم واعتراف بعضهم ...
وبين مُطالب باستمرار الحكومة الحالية حتى يتم الانتهاء من التغييرات المطلوبة بشكل يضمن استقرار البلاد سياسياً وأمنياً واقتصادياً.


بين شباب ورجال وشيوخ نزلوا إلى الشوارع ليكوّنوا "لجاناً شعبية لحماية الممتلكات الخاصة والعامة" ويقومون بالتناوب في مراقبة الطرقات وتأمينها من الغرباء والمسلحين خاصة في أوقات حظر التجوال، ويتصدون لأعمال التخريب والترويع والسرقات، ويقومون بتفتيش السيارات المارة والتأكد من الهويات ورخص المركبات بحثاً عن السيارات المسروقة، وفي النهار يقومون بتنظيم المرور بأنفسهم في الشوارع الرئيسية لضمان انسياب حركة المرور وأن يصل الناس إلى مصالحهم ويتمكنوا من قضاء حوائجهم.

وبين آخرين استغلوا حاجة الناس فزادوا في أسعار البضائع، وآخرين راحوا يخزنون خوفاً من عدم التمكن من توفير متطلبات البيوت مستقبلاً متناسين غيرهم من بقية الناس الذين قد لا يجدون عشر ما قاموا بشرائه وتخزينه والذي سيكون مصيره القمامة ولا بدّ! أو آخرين راحوا يسخرون من لجان التفتيش ويفتعلون معهم المشكلات ويرفضون التعاون أو يلمزون القائمين على تنظيم المرور لمجرد أنهم يمنعونهم من السير عكس الاتجاه أو الوقوف في منتصف الطريق، أو آخرين راحوا يستغلون اللجان في ترويع الناس والبلطجة حتى ضاقوا بهم ذرعاً، أو آخرين راحوا يلتقطون لأنفسهم الصور التذكارية مع الدبابات التي نزلت الشوارع!!


هل كانت هذه الأيام هي المرة الأولى التي يرى فيها كل فريق الطرف الآخر؟
هل هذه هي المرة الأولى التي يعاين فيها من خرجوا غاضبين متكاتفين يريدون الإصلاح آخرين يسرقون أو يرتشون أو لا يؤدون واجبهم أو يمنعون حقوق غيرهم من زملائهم أو أصدقائهم أو أحداً يأكل أموال الناس بالباطل؟

هل هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها من خرجوا متكاتفين لتنظيم المرور آخرين يسخرون من متطوع أو يقللون من شأن عمل خيري أو يخالف القانون أو يتصرف بأنانية؟


هل الملايين التي خرجت متكاتفة غاضبة تريد حقوقها المسلوبة لم تر في حياتها قط أحداً من هؤلاء الذين خرجوا لسفك دمائهم مقابل "خمسين جنيه"؟

ما الذي كان سيخسره أي من القادرين على مثل هذا التكاتف لو أعانوا أحداً وهو ينكر على ظلم أو رشوة أو تجاوز حتى يقوى جانبه بدلاً من ثقافة "المشي جنب الحيط" و"خلينا في حالنا" و"مش أنا اللي هصلّح الكون"؟

أليس الواجب يظل واجباً في جميع الأوقات أم أن الواجبات بالتشهي؟
أليست الحقوق حقوقاً ينبغي أن تؤدّى في جميع الأحوال أم أن الأداء بالهوى؟


إن المنكر لا يتجزأ والباطل لا يمكن أن يكون يوماً ما حقاً.

لو أن كل واحد من هؤلاء ظلّ كلما رأى مخطِئاً في أي شيء فلم يتركه يـُتم خطأه حتى ينزع ما سفكت دماء ولا احتاجوا للخروج ابتداءاً والله تعالى أعلى وأعلم، أو على أقل تقدير لوجدوا أنفسهم على قلب رجل واحد.


3/ربيع الأول/1432 هـ | 6/فبراير/2011 م
 
المصدر: كريم محمود القزق - خاص بموقع طريق الإسلام