دعوها فإنها منتنة
خالد الشافعي
أقول لإخواني الأخوان : والله إني لأحبكم فى الله ، وأدعو لكم ،
وأترضى عليكم ، وأعرف فضلكم ، وقدركم ، بل وأوافقكم فى بعض مآخذكم ،
لكن حنانيكم ، فما كان الرفق فى شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا
شانه..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان على الظالمين، وبعد.
فيعلم الله أننى لا أستسيغ الكتابة فى هذه الأيام ، وأننى - والذى
نصر عباده فى ميدان التحرير - أجد الكلام - أى كلام - لا يمكن قط أن
يكون على مستوى الحدث ، ويعلم الله كم حاولت أن أكتب شيئاً طوال هذه
الأيام فما هو إلا أن أجلس إلى مكتبى وأكتب بعض السطور حتى أغلق
الحاسوب ، وأصرف النظر عن الكتابة ، وأدخل فى نوبة بكاء ، لم أعرفها
قط فى حياتى ، ووالله ما شهدت زوجتى دموعى منذ عرفتنى إلا هذه الأيام
، حتى أن بكائي فقد وقعه لديها ، إذ تكاد لا ترانى فى هذه الأيام إلا
باكياً .
كنت قد نويت أن أتوقف عن الكتابة ، وأن أكتفى بطول التأمل ، والتدبر
لاستخلاص الدروس والعبر ، فما الذى أجلسني مجلسي هذا ؟
الذى أجلسني هذا المجلس ، وأقامنى هذا المقام ، وجعلني فى وسط هذا
الشعور الطاغي - بعد دقائق من رحيل الطاغية- الذى جعلني أحمل نفسي على
الكتابة حملاً مع كراهتها لذلك ، هو خوفي على أبناء الصحوة المباركة ،
بجناحيها الإخوانى والسلفي ، ذلك أننى - وللأسف - صدمني طوفان من
التعليقات المرعبة من الطرفين ، وهالني هذا الكم الرهيب من التراشق
البغيض بالاتهامات ، وأفزعتني حرب التعليقات المتبادلة ، واكتشفت أن
هناك قدراً عجيباً من الغل وسوء الظن الذى لا يليق - أبداً أبداً
أبداً - بفريقين - فى رأيي - أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما
.
كيف يمكن تفسير هذه الحرب المشتعلة بين السلفيين والإخوان على
المواقع والمنتديات ، بل وفى بعض المساجد ، واللقاءات ؟ كيف يمكن
تفسير ذلك ؟ وهما يرفعان شعار- إن الحكم إلا لله ، ويؤمنان بأن
الإسلام هو الحل ، ويعتقدان اعتقاداً جازماً أنه لا نهضة ، ولا تقدم ،
ولا نصر لهذه الأمة إلا إذا عادت إلى دينها وشريعتها ؟!
قولوا لى بالله عليكم : كيف لمن يتفقون على هذا ، أن يكون بينهم كل
هذا السباب والتراشق والتخوين والتسفيه ؟وإذا كان هذا حالنا ونحن ما
زلنا على ( البر ) كما يقولون ،فكيف لو وصل فريق منا إلى السلطة ؟ بل
كيف لو جمعتنا حكومة أو برلمان ؟ ربما ساعتها سنجعل العالم يضحك علينا
! ربما ساعتها سيشمت بنا رفعت السعيد ، وجابر عصفور ، وعبدالله كمال ،
وحجازى ، والدقاق !! وسيقولون للدنيا : أرأيتم ؟ أتبينتم ؟ أصدقتم أن
هؤلاء طلاب دنيا ، وأدعياء دين ؟
أسوأ ما فى هذه الحرب ، أنها تقوم على أسوأ خصلتين ، وأقبح وأشنع
رذيلتين ، الخلق الأول : سوء الظن ، والحكم على النيات ، والخلق
الثاني : هو تصور احتكار الحقيقة ، والعجيب أن هذين الجريمتين هما ما
عانى منهما كِلانا من خصومنا الهالكين !! والأسوأ أن هذه الرذائل
تخالف أبجديات الإسلام الذى يقف كل منا تحت رايته .
حين تنظر إلى التعليقات ، وحين تقرأ الاتهامات ، وحين تتأمل الحوار
الدائر ، فالغالب أن قلبك سينقبض ، وربما حاك فى صدرك ، أنه لو مُكن
لفريق منا ، أو لكلانا فسيكون أول ما يفعله ، هو تصفية حسابه مع الآخر
.
الاتهامات المتبادلة كلها - وأكرر كلها - قائمة على سوء الظن ،
وكلها- أكرر كلها ـ كان يمكن مع أقل ـ وأكرر ـ مع أقل حسن ظن أن يجد
لها الناقم مسلكاً ، ومع رذيلة سوء الظن برفيق الدرب ،فإن الناقم يقع
فيما هو أرذل ، حين يقطع أنه على الحق ولا شك ، وأن الآخر على الباطل
ولا شك !!
وأقبح وأشنع من ذلك ، أنه ينزع من الآخر كل فضيلة ، ويغفل تاريخه ،
ويجعله بلا محاسن ، فأين فى كتاب الإسلام هذه الرذائل ؟ ثم وأسخف من
ذلك : أن الناقم ،ينتقى أبشع الألفاظ وأقذعها ، وأشد العبارات
وأشنعها، كأنه يكلم رجلاً علمانياً من أعداء الدين ، أو ماركسياً ،
وليس مثله، يؤمن بكل ما يؤمن به من مقاصد ، وكليات ، وأهداف ، ومعظم
الاختلاف - إن لم يكن كله - فى الوسائل ، والأدوات ، والأولويات ،
يشنع هذا التشنيع ويستخدم هذه العبارات ، بينما كان يسعه أن يبعث
رسالته ، ويعبر عن مآخذه ، بعبارات ألطف ، وكلمات أرفق ، دون أن يؤثر
ذلك على مضمون كلامه .ثم والأهم من ذلك ، أن الوقت ليس وقت اتهام ،
وسباب ، وسخرية ، واستهزاء ، ولا هو وقت معايرة ، ولا وقت تسجيل مواقف
، وإنما الوقت وقت عمل : وماذا بعد ؟ أيعقل أن نترك ألوف من الأشرار
المتربصين فى الداخل والخارج لنقول : أنت لم تشارك : وأنت كنت جباناً
، وأنت كنت عميلاً ، وأنت قلت للناس : صلوا على النبي ، فيرد الآخر بل
أنت مبتدع ، ومتعجل واصبر لترى !! أيعقل أن نفعل هذا والبلد تمر بلحظة
من أحرج لحظات تاريخها ؟ أهذا وقت عتاب ؟ ثم لو فرضنا أنه وقت عتاب ،
أهذا هو أدب العتاب ؟ إن كان هذا مستوى الخطاب - العتابى - بيننا ،
فكيف يكون خطاب العتاب بين العلمانيين وبعضهم ؟ بل كيف يكون خطاب
العتاب بيننا وبين العلمانيين ؟ أيُعقل أن يكون حديثنا معهم أرفق
وأرقى من الحديث والعتاب بيننا ؟ قد خسرنا وخبنا إذن !!
أهذا وقت : كنتم مشغولون بالحيض والنفاس ، ونحن نتعرض للقمع والبطش،
وكنتم أداة للنظام فى تخدير الجماهير ، فيرد السلفي : كل شيوخنا قضوا
زهرة شبابهم فى المعتقلات ، وشباب السلفيين هم أيضاً وقود المعتقلات ،
وأنتم تريدون التغيير من القمة ونحن نرى التغيير من القاعدة ؟ أيعقل
أن يكون هذا هو النقاش الدائر بيننا الآن ؟ ثم وإن دار ، أيعقل أن
يكون بهذا الإسفاف ؟ أرجو مراجعة التعليقات على مقالة الدكتور كمال
حبيب ( ثوار وسلفيون ) ، بل راجعوا التعليقات على مقال الإخوانى
الفاضل إبراهيم الديب ( أيها الإخوان اتركوا التفاوض فوراً ) هل يعقل
أن كل من يختلف معي فهو خائن وعميل وجاهل ودرويش ومتخاذل، راجعوا
التعليقات على مقال الشيخ خالد عبدالله ( الرئيس والطوفان ) و مقال (
دوائر العقول المغلقة) مهما اختلفتُ معه فى مضمون المقالة ، لكن ألا
يحق لخالد عبد الله الذى أعرفه وتعرفونه ، الذى لا أعرف رجلاً فى
العالم الإسلامي من الدعاة الإسلاميين ، أيا كان توجهه ، قدم فى قناة
فضائية تتبع النايل سات ما قدمه خالد عبد الله فى سهرة خاصة من طرح ،
يعد من وجهة نظري فى وقتها انتحار ، وراجعوا ما أقول وحلقاته موثقة
على الشبكة العنكبوتية ، هذا الرجل بهذا التاريخ ، وهذه السابقة ، طرح
وجهة نظر مخالفة، هب أنها بالغة الشذوذ ، وصادمة ، فالواجب أن يكون
الرد بإحسان ولطف ، هب أنه أخطأ ، بل هب أنه أساء الأدب ، فما هو
الواجب على من قام ليرد ؟ أيدفع بالتي هي أحسن ، أم يقابل الجهل
بالجهل ، هذا مع أن الرجل لم يجهل ، ولا أساء الأدب ، بل طرح وجهة نظر
مخالفة فقط ، فسقط بالقاضية ، وبدلاً من أن نقول له أخطأت يرحمك الله
، قلنا له : يا خائن ، يا عميل ، يا درويش ، خذلك مسبحة وارحل مع
السلفيين الدراويش أمثالك ، الواقع أن هناك أزمة وجفوة وسوء ظن وجرح
متقيح ينبغي أن ينظف بعلم ويغلق على نظافة للأبد .
هما سؤالان لا ثالث لهما : هل فعلاً هناك من الطرفين من يشك فى نوايا
الفريق الآخر فى الجملة ؟ خاصة نوايا الكبار ؟ أعنى هل يمكن أن يكون
حسان، والحوينى، ويعقوب، والعدوى، وبرهامى، والمقدم وغيرهم من
السلفيين عملاء للنظام ، أو هل يمكن أن يكون بديع، و عاكف، وأبو
الفتوح، والعريان، والشاطر وغيرهم إلا مجتهدون فيما ننقمه عليهم ؟ لا
أظن أن منصفاً ، عاقلاً ، يدرى ما يقول ، يمكن أن يظن بهؤلاء إلا
خيراً فى الظاهر ، والسرائر موكولة إلى الله ، فإذ كان الأمر كذلك ،
فلم يبق إلا أن الخلاف فى وجهات النظر وتأويل النصوص ، وتقدير المصالح
والمفاسد طبيعي ومفهوم، وقد حدث بين الصحابة اختلاف في وجهات النظر ،
هل يمكن أن نكون مثل الهالك ( بوش ) فيكون من ليس على رأيي ورؤيتي ،
فهو عدوى ؟؟!!
وإذا كان المنصف يُسلِّم أن الفريقين - فى الظاهر - هما من أهل
الصلاح ، والإصلاح ، وأن خلافهما فى كثير من مسائله هو خلاف : لا
يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة ، لا والله بل إن منطقية الخلاف
بين السلفيين والإخوان ـ لاحتمال الأدلة وجسامة النوازل ـ أعظم من
منطقية الخلاف فى نص واضح قاطع لا استثناء فيه، إذا كان المنصف يظن
بالفريقين - فى الجملة - أنهم مريدوا خير، وأنهما أهل شريعة ، وشرع ،
وكتاب ، وسنة ، فكان أولى من التجهيل ، والتسفيه ، والتخوين ،
والتنقيص ، والسباب ، أن يكون هناك حسن الظن ، والتماس الأعذار ، وسعة
الصدر ، وأدب الخلاف ، فإن لم أجد لأخي عذراً ، قلت لعل له عذراً لا
أعرفه، هب أننى جبان ، هب أنك البطل ، هب أنك الذى أسقطه ، هب أنك
الذى كنت على الحق ، فلك أجران ولى أجر ، يشفع لى عندك أننى كنت مريد
للخير ، طالب للإصلاح ، وأن هذا فهمى ، ومبلغ علمى ونتيجة اجتهادي ،
هب أنك صليت العصر فى الطريق إلى بنى قريظة فى وقته ، بناءاً على
اجتهادك فى فهم المراد من الأمر ، وأننى صليته فى بنى قريظة بناء على
تعظيمي للنص ، ومنهجي فى الالتزام بحرفيته ، وبناءاً على فهمى للمراد
من الأمر أيضاً ، مادام لم ترد قرينة صارفة ، ثم تبين أن الحق معك ،
فعلى ماذا أُلآم ، هنيئاً لك الأجران ، والحمد لله على الأجر الواحد ،
هب أنك ( علياً رضي الله عنه ) فى الجمل ، فأنا فى أقل حالاتي معاوية
رضي الله عنه .
طبعاً أنا أقول هذا من باب التنزل ، وضرب المثل ، وتأكيداً على أن
الواجب فى أسوأ الأحوال غير ما وقعنا فيه ، وإلا فعند التحقيق ، فالذي
أدين به ، أن الحق موزع على الفريقين ، وأن مثلنا ومثل الإخوان ، كمثل
معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ، لما جاءا للنبي صلى الله
عليه وسلم يتنازعان فيمن قتل منهما أبا جهل ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : كلاكما قتله ،والذى أدين لله به ، أن كل منا أكل من منسأة
الطاغية حتى خر ، لكن أينا أكل أكثر ؟ وأينا قضم آخر قضمة؟ فأهل
الإخلاص لا يتنازعا فى هذا قط ، المهم أنه سقط ، فهل يعقل أيها
العقلاء ، وهل يليق أيها الفضلاء ، وهل يقبل أيها الحكماء ، بعد أن
يسقط وفى هذا الظرف البالغ الخطورة ، أن نتفرغ للاتهامات ؟ هذا والله
هو العجب ، العجيب، العاجب، العجاب !!!
هب أننى مخطأ ، هب أننى متأول ، هب أننى متحرف لقتال ، بل هب أننى
جبان ، هب أن خطابي كان باهتاً وأحياناً نشازاً وأحياناً مضحكاً
وأحياناً بالغ الغرابة والاستفزاز من سطحيته أو صدميته ، هب أى شيء
إلا الطعن فى نيتي واتهامي أنى عميل وخائن ، وافعل أى شيء ، إلا
التألى على الله وشق الصدور ، وقل ما شأت ، لكن فى حدود أخوة الإسلام
.
هبوا أن السلفيين شاركوا فقط بتعليم أحكام الحيض ، والنفاس ،
والرقائق ، والمواعظ ، هبوا أننا فقط كثرنا سواد الطائعين ، هبوا أن
السلفيين لم يقدموا إلا ، سيد بلال ، هبوا ذلك ودعكم من ألوف
المعتقلين من السلفيين كبارهم وصغارهم ، ودعكم من أن ابن لادن سلفي ،
وأن الظواهري سلفي ، والزرقاوى سلفي ، والزمر ، والإسلامبولى سلفي ،
وأن من قاد مظاهرات كاميليا سلفي ، وأن الشيخ محمد عبد المقصود نزيل
المعتقلات سلفي ، وأن الشيخ نشأت صنوه سلفي ، وأن كلاهما نزل إلى
المظاهرات وخطبا فيها بسقوط الطاغية ، وأن معظم دعاة الدعوة السلفية
قضوا سنوات من أعمارهم فى المعتقلات ، دعونا من كل هذا ، وهبوا أننا
فقط علمنا الناس العلم الشرعي ، أفهذه عندكم جريمة ؟ أو لم يقل الله
عز وجل {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
} [التوبة :122] فنهى الله نهى تحريم تأثم الأمة جمعاء
إن وقعت فيه ، نهى أن ينفر الجميع إلى القتال ، وأمر بأن تبقى طائفة
تتعلم العلم ، وتعلمه للخلق ، فالذين نفروا للجهاد ، ليسوا بأفضل ممن
نفروا ليتفقهوا فى الدين ، وكلاهما على خير .
هذا بفرض أن السلفيين لم ينفروا للقتال ، وهم قد نفروا وأوذوا وعذبوا
، لكن هب أنهم نفروا ليتفقهوا فقط فقد قاموا بدور لا يقل فضلاً عن
دوركم .
إخواني الإخوان : لو اتفقنا على أن علماء الدعوة السلفية ، فيما يبدو
، ويظهر ، وتشهد به أقوالهم ، وأفعالهم ، وثمار دعوتهم ، هم مخلصون فى
الظاهر ، والله حسيبهم ، فليسوا عملاء ، وإذا اتفقنا أنهم من أهل
العلم فليسوا جهلاء ، وإذا اتفقنا أنهم عقلاء فليسوا مجانين ولا سفهاء
، أقول إذا اتفقنا أنهم مخلصون ، علماء ، عقلاء ، فعلى أى محمل ينبغي
أن يحمل كلام المخلص العالم العاقل ، إذا صدر منه ما هو من وجهة نظرك
خطأ بل خطيئة ؟ ثم هم مع ذلك بشر كالبشر ، خطاءون ، وما زعموا أنهم
معصومون ولا زعم أتباعهم ذلك ، بل هم مثلكم إن شاء الله ، يدورون بين
أجرين ، وأجر واحد ، فكلانا إذن على خير .
أقول لإخواني الأخوان : والله إني لأحبكم فى الله ، وأدعو لكم ،
وأترضى عليكم ، وأعرف فضلكم ، وقدركم ، بل وأوافقكم فى بعض مآخذكم ،
لكن حنانيكم ، فما كان الرفق فى شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا
شانه ، أحسنوا الظن بإخوانكم ، الذين يعملون بما يرونه الحق ، وبما
يرونه مقتضى الدليل ، فلا يسعهم مخالفته إلى رأى أحد، كائنا من كان ،
حتى لو جلب ذلك عليهم سخط الناس ، وحتى لو رضي عن أقوالهم فرعون ،
لأنهم إنما يراقبون الله ، ولا أحد سواه .
وأقول لشباب السلفيين : اعرفوا لإخوانكم قدرهم ، وفضلهم ، وبذلهم ،
فقد عبدوا لهذه الثورة الطريق ، وقدموا من المال والنفس والشباب ، ما
لا يحتاج إلى دليل ، لينوا فى أيدي إخوانكم ، وأزيلوا هذه الجفوة ،
وأحسنوا الظن بهم .
وإلى الفريقين أقول : دعوها فإنها منتنة ، جدير بمن يقفون تحت راية
الإسلام ، ويصلون إلى القبلة ، ويقرأون القرآن ويتشرفون يالإنتساب إلى
محمد صلى الله عليه وسلم ، جدير بهم أن يكونوا مع بعضهم ، على حال غير
هذا الحال ، وعلى أقوال غير هذه الأقوال ، دعوها فإنها منتنة .
وتذكروا أن المفلس يوم القيامة من يعطى الناس من حسناته حتى تفنى ،
تذكروا قول الله تبارك وتعالى : {
وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ } [الحجرات 11] ،
وقوله : {ِإنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
}[الحجرات :12]، «
المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا
يحقره » رواه الشيخان عن أبي هريرة
.
وأن مقتضى الأخوة التى فهمها سعد حين آخى النبي صلى الله عليه وسلم
بينه وبين عبد الرحمن ، أن قال سعد لعبد الرحمن : خذ نصف مالي ونصف
أهلي ، وأن السلف كانوا يقولون لا تتم الأخوة بين اثنين حتى يقول
أحدهما للآخر : يا أنا ، فيا أنا الإخوانى غفر الله لى ولك ، سامحني
عما بدر منى فى حقك ، وقد سامحتك على ما بدر منك ، هيا نطوى هذه
الصفحة ، ونبدأ معاً صفحة بيضاء ، لا تنابز فيها ، ولا معايرة ، ولا
سوء ظن ، صفحة ليس فيها إلا أخلاق الجسد الواحد ، فيا أعضاء الجسد
الواحد ، تذكروا أن كلنا نسعى للتمكين ،ونبحث عن النصر ، ونرجو إقامة
دولة الإسلام فعلى أى شيء نتنابز ونتسافه ويحقر بعضاً بعضاً ، أحسنوا
الظن ببعضكم ، وتفرغوا لأعداء الدين وأعدائكم وكونوا عباد الله
إخواناً .
ليس عيباً أن نختلف ، ولكن العيب ـ كُل العيبِ ـ أن يكون هذا هو
مستوى الحوار بيننا ، والعيبُ ـ كلُ العيبِ ـ أن نتقاتل والأعداء ـ لا
أقول على الأبواب ـ بل هم بيننا .
قال على بن أبى طالب وقد قُتل طلحة والزبير فى الجيش الذى كان يقاتله
: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم : {
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ
إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
} [الحجر :47].
يقول يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة،
ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن
نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟.
والشافعي هو القائل : ما ناظرت أحداً على الغلبة ، ولا ناظرت أحداً
إلا وتمنيت أن يكون الحق معه ، ولا ناظرت أحداً فأحببت أن يخطأ ، رأيي
صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب .
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
} [الحشر :10]
[email protected]