إياك و ترك راية الإسلام .. (29)
مدحت القصراوي
إلى قوله {يأيها الذين آمنوا لا تتخذو الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أتريدون أن تجعلو ا لله عليكم سلطانا مبينا. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا} يعني ما أفسدوه بالنفاق وولاء الكافرين {واعتصموا بالله} ليتقوّوا به في ترك ولاء الكافرين وفي الانحياز الكامل للصف المسلم وراية الإسلام {وأخلَصوا دينهم لله؛ فأولئك مع المؤمنين} الآيات.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
ارتباط النفاق بولاء الكافرين في صريح كتاب الله :
فإذا تدبرت كتاب الله تعالى وجدت جريمة ولاء الكافرين مرتبطة بالنفاق..
ففي سورة البقرة؛ في وصْف المنافقين وأفعالهم الدالة على نفاقهم قال تعالى {وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} وفي التفسير أن الإفساد هنا أبرز صوره هو ولاؤهم للكافرين.
وفي سورة النساء {فما لكم في المنافقين فئتين} الآيات الأربع، والمعنى أن الله يعاتب المؤمنين ويعيب عليهم الاختلاف في كفر من أظهروا نفاقهم واضحاً بولائهم للكافرين، واشترط تعالى لقبول توبتهم ليس أن يصدّقوا بالخبر بل أن يهاجروا للخروج من ولاء الكافرين؛ ليحققوا الخروج من ولاء القبيلة لحساب ولاء العقيدة.. {فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله؛ فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيراً} .
وفي سورة النساء أيضا {بشِّر المنافقين بأن لهم عذابا أليما، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أيبتغون عندهم العزة؟ فإن العزة لله جميعا} .. إلى قوله {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً} ) إلى قوله {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} إلى قوله {يأيها الذين آمنوا لا تتخذو الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أتريدون أن تجعلو ا لله عليكم سلطانا مبينا. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا} يعني ما أفسدوه بالنفاق وولاء الكافرين {واعتصموا بالله} ليتقوّوا به في ترك ولاء الكافرين وفي الانحياز الكامل للصف المسلم وراية الإسلام {وأخلَصوا دينهم لله؛ فأولئك مع المؤمنين} الآيات.
فلم يذكر تعالى هنا شكّا، بل ذكر أفعالا في ولاء الكافرين ومناصرتهم والتآمر معهم على المسلمين.. وهي خلل في أعمال القلوب والجوارح، وهي أيضا مواقف سياسية بالتعبير المعاصر؛ حيث لم يحسموا موقفهم بالانحياز للعقيدة بل انحازوا لما ظهر من المعسكرات المختلفة وتواصلوا مع كل معسكر ظهرت قوّته بحبال للنجاة الدنيوية.
وفي سورة المائدة {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين} ثم حكى عمن يقع في ولائهم أنهم مرضى القلوب بالنفاق؛ فقال {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم} يعني في ولائهم، وأما السبب {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} يعني لم يكن شكا ولا تكذيبا بل كان خللا في عمل القلوب وخللا في الاعتصام بالله، فردّ الله عليهم قائلا {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} يعني بتغيير موازين القوى لصالح المسلمين.. ثم أعلن تعالى توليه للمؤمنين الذين قطعوا صِلاتهم بمعسكرات الكفر وتولوا الله ورسوله ودينه فأبدلهم ولاءه تعالى بدلا عما تركوه من أجله، والله خير وأبقى، وأقوى.. {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} ثم وعدهم النصر {ومن يتول الله ورسله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} فلم يذكر تعالى هنا خللا في التصديق والعلم بل ذكر الخلل في قوة الموقف والتوكل والاعتصام..
ولهذا عالج تعالى قلوبهم بوعد النصر والقوة للمسلمين ورجّاهم في هذا حتى تتقوى قلوبهم على الخروج من حال الذبذبة والنفاق.. وهذا من رحمة أرحم الراحمين.. فالقرآن يكشف المرض ويعالجه فمن طلب الشفاء فيه وجد ما طلبه بإذن ربه.. والله الهادي الى صراط مستقيم.