حجم التأثير المتوقع على قطاع غزة عقب الثورة المصرية

ملفات متنوعة

لا يخفى على أحد مدى تأثير الأحداث الجارية في المنطقة العربية على
القضية الفلسطينية بشكل عام، لارتباط الواقع العربي بعضه ببعض وتأثيره
وتأثره بدرجات متفاوتة، ولكن في مجملها تترك آثارا متعددة، خاصة أن
القضية الفلسطينية كانت حاضرة في هذه الثورات..

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


لا يخفى على أحد مدى تأثير الأحداث الجارية في المنطقة العربية على القضية الفلسطينية بشكل عام، لارتباط الواقع العربي بعضه ببعض وتأثيره وتأثره بدرجات متفاوتة، ولكن في مجملها تترك آثارا متعددة، خاصة أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة في هذه الثورات سواء تلك التي وقعت في تونس أو التي جرت في مصر وما يجري في بقية البلدان العربية.

لقد تأثرت هذه الثورات وهذه المتغيرات بما جرى في فلسطين في الآونة الأخيرة وبات الشعب الفلسطيني ملهما للشعوب العربية ودافعا نحو التغيير خاصة عندما تتساوى الحياة مع الموت ويصبح في مقدور الإنسان أن يختار ميتته، فهل يموت تحت التعذيب وفي أقبية السجون دون أن يحدث تأثيرا، أو يموت وهو يصنع الحياة لم يأت بعده، هذه كانت مدرسة الفلسطينيين والتي استلهم منها العرب تحركاتهم فكان أول هذا التحرك هذا الشعور ثم جاء كسرهم لحاجز الخوف الذي كسر تلك القيود التي وضعوها في أيديهم.

وما حدث في مصر من ثورة وتغيير على النظام ونهاية نظام مبارك سيترك آثارا كبيرة على قطاع غزة الذي عاني الكثير نتيجة نظام مبارك والذي تعامل مع قطاع غزة تحديدا تعاملا أمنيا زاد ذلك في الفترة التي تلت الانتخابات الفلسطينية في عام 2006 وفوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الأمر الذي اعتبره النظام المصري يشكل تهديدا على النظام كون هذا النظام يرى أن حماس هي جزء من حركة الإخوان المسلمين، وحركة الإخوان المسلمين في مصر هي حركة محظورة ويتعامل معها النظام المصري على أنها تشكل خطرا على وجوده.


سبب آخر في رفض مصر لنتائج الانتخابات هو أن النظام المصري انخرط بعد اتفاقية كامب ديفيد في الحلف الأمريكي الإسرائيلي، بعد خروجه من المنظومة العربية عبر تخليه عن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية ورفع نظام مبارك شعر مصر أولا، ويرى أن الحل يجب أن يكون عبر طاولة المفاوضات وأن حل القضية الفلسطينية يكون عبر الدولتين المتجاورتين ( فلسطين في الضفة القطاع مع ممر بينهما)، ( إسرائيل على بقية الارض الفلسطينية) وأن المقاومة لم تعد هي الحل واعتبر النظام المصري أمر حرب أكتوبر هي آخر الحروب وبدأ يرسم سياساته على ذلك، وشارك بقوة في إقناع الجانب الفلسطيني المتمثل بحركة فتح والمنظمة بالحل السلمي ودفع في هذا الاتجاه وتوافق مع الإدارة الأمريكية على تصفية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، ولكن بفوز حماس تغيرت المعادلة كون حماس ترفض المفاوضات وترفض الحلول السياسية القائمة على حل الدولتين وترى في المقاومة السبيل نحو تحقيق الحقوق الفلسطينية وهذا يخالف النهج المصري فكان العداء والمعاملة الأمنية من قبل نظام مبارك مع قطاع غزة وزاد في التشديد في المعاملة ما حدث بعد حزيران 2007 وسيطرة حماس على قطاع غزة.


لقد عانى قطاع غزة معاناة شديدة في ظل حكم مبارك، حتى باتت الحكومة المصرية جزء من الحصار، وجزء من محاولة القضاء على حركة حماس، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على الأوضاع في قطاع غزة، وعلى العلاقة بين حكومة حماس والنظام المصري، والتي كانت متوترة إلى حد كبير بل كانت فيها ممارسات تعسفية وظالمة وصلت إلى حد مقاطعة حركة حماس ومنع قادتها من السفر والتضييق عليهم، حتى وصل الأمر إلى حد اعتقال أي عناصر من قبل حركة حماس والتحقيق معهم في قضايا تخدم الأمن الإسرائيلي، وكذلك من أجل العمل على ملاحقة المقاومة وتزودها بالسلاح لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على قطاع غزة وكذلك لاستمرار المقاومة وتطوير ذاتها، كون النظام المصري هو جزء من اتفاق مصري أمريكي أوروبي إسرائيلي يهدف إلى تجفيف منابع المقاومة وتزويدا بالسلاح ، وزاد في الضرر على قطاع غزة إعلان وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة العدوان على قطاع غزة من القاهرة خلال مؤتمر صحفي عقد مع وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط والذي لم يبدي أي اعتراض على ذلك، بل سمح النظام لشركات أغذية بتزويد الجيش الإسرائيلي بالغذاء خلال العدوان.


ونتيجة هذه السياسة الضارة التي انتهجها نظام مبارك مع قطاع غزة كان التوقع أن تحدث الثورة تغييرا كبيرا على طبيعة العلاقة مع القطاع والتي من المتوقع أن تأخذ أشكالا مختلفة عما كانت عليه في عهد مبارك على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والدولية والداخلية بما يحقق المصلحة للشعب الفلسطيني وقضيته التي تضررت كثير بالسياسة المصرية، كون مصر تمثل في مواقفها النصر والهزيمة ليس للقضية الفلسطينية فحسب بل ولكافة القضايا العربية، فكان حجم التفاؤل كبير أن ينعكس التغيير بشكل ايجابي على الوضع في قطاع غزة.

ولعل المؤشرات الأولى التي أعلنت عنها الحكومة المصرية الجديدة في ظل حكومة الدكتور عصام شرف ووزير خارجيته الدكتور نبيل العربي أعطت مزيدا من التفاؤل لعلاقة أفضل مع قطاع غزة ، ولعل أول هذه التباشير هو نقل الملف الفلسطيني وخاصة قطاع غزة من جهاز المخابرات إلى وزارة الخارجية وهذا فيه نقله نوعية حيث سيتم التعامل مع الملف الفلسطيني من منظور سياسي بعيدا عن النظرة الأمنية التي كانت في ظل نظام مبارك، وهذا أيضا ينعكس على العلاقة مع القوى والفصائل الفلسطينية بحيث تحافظ مصر على حياديتها وعدم انحيازها لطرف على حساب طرف، كما كان معمول به في ظل حكومة مبارك حيث انحازت مصر إلى جانب فتح، بل وعملت على أن تكون مرجعية لمحمود عباس وغطاء له في التساوق مع الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الأمريكي وشكلت له غطاء خلال التفاوض مع الاحتلال وكذلك كانت عاملا مشجعا له للتنازل والتفريط في كثير من الثوابت والحقوق الفلسطينية وكان هذا واضحا في وثائق ويكيليكس وكشف المستور.


ويبدو من خلال التصريحات التي تصدر عن حكومة شرف أن السياسة المصرية ستنتهج نهجا مختلفا مع القضية الفلسطينية بما يخدم المصالح الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك سيكون تعاملها مع قطاع غزة مبني على العمل على تخفيف الحصار المفروض على القطاع والذي يعتبر من وجهة نظرها انه يشكل جريمة بحق الشعب الفلسطيني، ومن المتوقع أن تعمل الحكومة على فتح معبر رفح مع قطاع غزة بشكل أكثر حرية ومرونة عما كان عليه سواء من ناحية المرور الآمن لكل سكانه، وكذلك تقديم تسهيلات أوسع على صعيد اقتصادي وتجاري الأمر الذي قد يتيح إدخال مواد البناء ويتم البدء باعمار قطاع غزة، الأمر الذي يشكل كسرا فعليا للحصار.

ورغم الانشغال الكبير لحكومة الثورة بالوضع الداخلي المصري إلا أن قضية المصالحة الفلسطينية أخذت حيزا من اهتماما الحكومة المصرية بقيادة شرف وأبدت حرصا على ضرورة إنهاء الانقسام، ودار الحديث عن توجه من قبل الحكومة لإرسال وفدين مصريين إلى كل من رام الله وقطاع غزة وهذا دليل على التوازن في المعاملة مع طرفي الصراع الفلسطيني، كما أن اتصالات جرت بين شرف وهنية، كما أن وفدا من حركة حماس يمكن له ان يلتقي بالمجلس العسكري والحكومة، وهذه جميعها تعطي مؤشرات ايجابية تدلل على أن القادم سيكون أفضل مما كانت عليه العلاقات في عهد نظام مبارك.


وأمام كل هذه المقدمات وهذا الاهتمام الكبير يشعر الفلسطينيون وخاصة سكان قطاع غزة بان العلاقة مع النظام المصري بعد الثورة ستكون علاقات ايجابية على الصعيد الداخلي وكذلك على الصعيد الخارجي، خاصة في طبيعة العلاقة مع إسرائيل، وان هذه العلاقة لن تكون على حساب مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، وان هذه الثورة ربما تساهم بشكل كبير على تعديل دور مصر في المرحلة القادمة وتعيد هذه الثورة لمصر مكانتها التي أريد لها أن تغيب وأن تترك دورها الريادي وتتحول من دولة قائد إلى دولة وظيفية تخدم إسرائيل وتشكل لها حامية أمنية، لان عودة الروح لمصر وتوليها قيادة المنطقة العربية سيعود بالإيجاب على القضية الفلسطينية، لان مصر هي العود الفقري للمنطقة العربية والإقليمية، وعودتها إلى مكانتها السابقة سينعكس على مجمل العلاقات الإقليمية وربما هذا يجعل من مصر جدار صد للمشروع الصهيوني الذي يراد له أن يكتمل على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، سيشكل وقفا لمسلسل التنازلات التي قادها النظام السابق.

من هذا كله نخلص إلى أن الثورة المصرية من المتوقع لو كتب لها النجاح، وعملت على تحقيق أهدافها سوف يكون لها تأثيرا ايجابيا على قطاع غزة، والذي من المتوقع أن تمثل له انتعاشا في كافة المجالات بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني عامة وسيكون له آثار ايجابية على المقاومة الفلسطينية والتي سيسمح لها بالتزود بما تحتاج من أسلحة لتطوير قدراتها من خلال عدم الملاحقة وغض الطرف من قبل الحكومة المصرية على عمليات توريد الأسلحة بشكل غير معلن، بما يحقق للمقاومة على الأقل تحقيق توازن الردع مع الاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى التحشيد السياسي والإعلامي المساند للحقوق والمانع لمزيد من التنازل والتفريط.


13/03/2011 م

أ. مصطفى الصواف
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني.

 

المصدر: مصطفى الصواف - موقع قاوم