الالتزام
إن الالتزام الحقيقي ـ أخي الفاضل ـ ما هو إلا تحقيق لمعنى الإسلام الذي نلتزم به، و إن من أعظم معانيه الاستسلام لله عز وجل.. الاستسلام الكامل في كل شئون الحياة فيجدنا حيث أمرنا ولا يرانا حيث نهانا.
- التصنيفات: تربية النفس - تزكية النفس -
والالتزام لغة:
الاعتناق، (مختار الصحاح) وفى المعجم الوجيز: لزِمَ لُزُما: ثبت ودام لزم الشيء فلاناً: وجب عليه. لزم العمل: داوم عليه. ألزم الشيء: أثبته وأدامه لازمه ملازمة، لِزَما: داوم عليه. التزم الشيء أو الأمر: أوجبه على نفسه. اللِّزام: الملازم جدا، وفى القرآن: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]، اللُّزَمَة: من يلزم الشيء فلا يفارقه.
وإن معنى الالتزام الحقيقي ليثير في نفس كل منا شجون وتساؤلات.. ويجعله يسأل نفسه سؤالاً مباشراً: هل أنا ملتزم؟ فما هو الالتزام وما هي علاماته؟
إن الالتزام الحقيقي ـ أخي الفاضل ـ ما هو إلا تحقيق لمعنى الإسلام الذي نلتزم به، وإن من أعظم معانيه الاستسلام لله عز وجل.. الاستسلام الكامل في كل شئون الحياة فيجدنا حيث أمرنا ولا يرانا حيث نهانا.. فالفرد الملتزم مستسلم لأمر ربه في عقيدته وعبادته وسلوكه ومعاملاته بين الناس. والأمة الملتزمة مستسلمة لأمر ربها في شرعها وحكمها وعلاقتها بسائر الأمم. فالالتزام الحقيقي هو تحقيق قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، [الأنعام:162-163]، هو تحقيق رسالة الإنسان في هذه الحياة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، [الذاريات:56]. هو الاستسلام الكامل لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، ومن علامات هذا الالتزام الاستسلام لأمر الله عز وجل في الظاهر والباطن.. ففي الباطن: يلتزم المسلم بتوحيد الله عز وجل وبتقوى الله عز وجل والخوف منه والرجاء في رحمته.. إلخ وفي الظاهر: يلتزم المسلم بأداء ما افترض الله عز وجل عليه من صلاة وصيام وحجاب للمرأة المسلمة..... إلخ وعلى هذا فمن أظهر للناس صلاحاً وهو غير ذلك في خلوته فالتزامه ناقص.. ومن أظهرت للناس صلاة وصياماً للنوافل وهي غير مرتدية للحجاب الشرعي فالتزامها ناقص.. ومن أظهر للناس ذهاباً وإياباً للمساجد ولسانه غير منضبط فتارة يغتاب وأخرى ينم وثالثة يكذب فالتزامه ناقص.... لكن هذا الالتزام لا يأتي في يوم وليلة بل يحتاج مجاهدة ومحاولة تلو المحاولة وفشل يعقبه نجاحات بفضل الله وعلى قدر إخلاص الإنسان وعلى قدر إرادته وبذله يترقى في مقامات الالتزام بدين الله عز وجل.
وأثناء هذه المحاولات المتتالية يعتري الإنسان شيء من الفتور والإحساس بالملل، وهذا شعور طبيعي ليس بغريب، فقد أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح، ومن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر». ففي بداية الالتزام تكون " الشرة " والعنفوان والقوة كإنسان ظامئ وجد الماء أمامه فشرع ينهل منه الكثير والكثير، ثم يعقب هذا " الفترة " وهيي الفتور والشعور بالكسل والملل. فالواجب علينا كما أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نجعل فتراتت الفتور تصل بنا إلى المعصية أي أن نجعل لأنفسنا حداً أدنى من العلاقة مع ربنا لا ننزل عن هذا الحد أبداً... قد نعلو عنه في أوقات " الشرة " لكن لا ننزل عن هذا الحد أبداً في أوقات " الفترة ".
وعلى طريق الالتزام وحين يتملك من الإنسان الفتور يحتاج الإنسان أعواناً على الخير ويكون في أشد الاحتياج إلى صاحب يقوي من عزمه، ويشد من أزره، ويذكره بربه، ولذا أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحبة الصالحة فقال لنا: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ". فلابد من مصاحبة الأخيار الأطهارر الذين يعينون على طاعة الله عز وجل والبعد عن مصاحبة الفجار الذين ينسى الإنسان معهم دينه وخلقهه فالصاحب ساحب. فالمصاحبة تكون للأخيار الأطهار الملتزمون بدينهم، أما غيرهم من غير الملتزمين فالواجب دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وجذبهم إلى طريق الالتزام لا الانجذاب معهم إلى طريق المعصية. فديننا يأمرنا ألا يكون أحدنا إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن علينا أن نوطن أنفسنا إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أن نجتنب إساءتهم.