لماذا هذه الثورات.. وهل سورية مستهدفة؟

محمد العبدة

كيف استطاعت بعض الأنظمة الديكتاتورية تدجين فئة من الناس، يهتفون
باسم الطاغية، كم هو حجم الغباء الذي يمارسه هؤلاء وكم هو حجم بُعدهم
عن معرفة حقوقهم ومعرفة إنسانيتهم، وأنهم يفقدون شيئاً ثميناً جداً لا
يدرون أنهم يفقدونه.. إنه: الحرية.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


سوريون في مظاهرة وسط العاصمة دمشق (1)
لماذا هذه الثورات
يتساءل بعض الناس: ما سر هذه الثورات التي قامت في بعض البلاد العربية، ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ وبعض هذا التساؤل يخفي في داخله نظرية المؤامرة، فأحدهم لا يتوقع أي حدث كبير إلا إذا كان وراءه الغرب أو أمريكا خاصة. ولكن هذا الصنف من الناس بعد أن يفترض هذا الافتراض، يجد نفسه مضطرباً، فهل أمريكا تريد إسقاط رئيس تونس أو رئيس مصر؟ والجواب: لا، ولكن تفسير ما حدث، وما يحدث الآن لا يحتاج إلى ذكاء شديد، فالبلاد العربية في العقود الأخيرة كانت في حالة مزرية من النواحي السياسية والاقتصادية، حالة لا تشبه أي بلد من بلدان العالم الذي تحوَّل وانتقل من الديكتاتورية إلى الديمقراطية في أمريكا الجنوبية وشرق آسيا وشرق أوروبا.
بقيت البلاد العربية أو أكثرها فريدة وحيدة تعيش حالة من الاستبداد والقهر للشعوب والنهب للأموال العامة.


وعندما انفجر الأمر في تونس (ولم يتوقع أحد ما حدث في تونس) ونجح الشعب في إزاحة الحكم الديكتاتوري كان هذا مما شجع الشعب في مصر، وكان عنصر الشباب قد تهيأ لهذا الأمر من خلال استخدام (الإنترنت) وانضم الشعب لشباب ميدان التحرير، ثم انضمت أحزاب المعارضة وخرجت مصر من محنتها في الحكم الاستبدادي.
كان الغرب يراقب ويحاول التدخل للخروج بأقل الخسائر، ولحفظ مصالحه السياسية والاقتصادية، وهو يرى أنه استطاع على ذلك، ولكن الشعوب كانت هي الرابح الأكبر.


(2)
هل سورية مستهدفة؟!
لم تستوعب الدرس بعض البلاد العربية وظلت تواصل العناد السياسي، فلما وصل مد التغيير قالوا: نحن مستهدفون، ولا يجوز أن يطالب أحد بحقوقه ولا يجوز أن تخرج المظاهرات، ولا ترفع الشعارات ولا قيام أي عمل معارض، وهي النغمة القديمة منذ الخمسينات وحتى الآن (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) فلا تتحدثوا عن الحرية ولا العدالة، لأننا مستهدفون، نغمة كانت نتيجتها أن وقعت هزيمة كبرى في حزيران 1967م؛ لأنهم أهدروا كرامة الإنسان ومارسوا الظلم وقهر الناس بحجة (صوت المعركة)، وكلما طالب مطالب بحقه قالوا: نحن مستهدفون فلا تطالب، ولنفرض أنكم مستهدفون، فهل هذا يبرر قهر الناس ونهب الأموال والفساد الإداري، وهل يبرر كتم أنفاس الناس وعدم المطالبة بحقوقهم هل الشعب الذليل والاقتصاد الضعيف والقضاء المرتشي يستطيع الصمود أمام التحديات وأمام الاستهداف؟


المنطق يقول: إذا كنتم مستهدفين فالحل هو أن يكون المواطن حراً، قوي الشخصية، لا أحد يستهدفه في ماله وكرامته، هذا هو الذي يدافع عن الأوطان.
ولكن هل صحيح أن سورية مستهدفة ومن الذي يستهدفها؟ نحن نعلم أنه منذ أربعين سنة تقريباً لم تقع حرب أو مناوشات أو استعداد للحرب على الحدود السورية "الإسرائيلية" وإذا كانت أمريكا هي التي تستهدف فما أيسر عليها أن تنفذ ما تريد لو أرادت والوسائل كثيرة.


بل الذي يقرأ مذكرات (دنيس روس) يخرج بانطباع أن المحادثات (غير المباشرة) كانت حميمية. والذي يقرأ كتاب (الحلف الغادر) والذي يتحدث عن العلاقات السرية بين إيران وأمريكا و"إسرائيل"، يعلم كم هي العلاقات القوية بين إيران (حليفة سورية) وبين أمريكا.
هكذا قال القذافي: مؤامرة غربية للاستيلاء على البترول، وكأنه لم يدفع كل أموال البترول رشاوى إلى الغرب أو لعصابات أخرى في العالم إرضاء لنزواته، ولم يستفد منها الشعب الليبي في المقابل.
وهكذا يقول كل ديكتاتور في البلاد العربية: إنها أجندة أجنبية ولكن الشعوب استيقظت ولم تعد تنطلي عليها هذه الأسطوانات المشروخة المكررة المعادة التي لا تخدع إلا المغفلين الساذجين ونحن عندما نطلب من هؤلاء الحكام أن يكونوا عقلاء ويستوعبون الدرس ويخرجون بطريقة حسنة.. إنما نطلب شيئاً يشبه المستحيل لأن الطغيان يمنعهم من ذلك.


(3)
كيف استطاعت بعض الأنظمة الديكتاتورية تدجين فئة من الناس، يهتفون باسم الطاغية، ويفدونه بالدم كم هو حجم الغباء الذي يمارسه هؤلاء وكم هو حجم بُعدهم عن معرفة حقوقهم بل معرفة إنسانيتهم، وأنهم يفقدون شيئاً ثميناً جداً ولكنهم لا يدرون أنهم يفقدونه.. إنه: الحرية.


21/4/1432 هـ
 

المصدر: موقع المسلم