الله وحده أسقط النظام

ملفات متنوعة

ستظل الثورات الشعبية التي هبت على الدول العربية في مطلع 2011
الميلادي مثيرة للجدل الكبير وللنقاش المستمر وستستمر تحليلاتها
ودروسها لفترة ليست بالقصيرة , وذلك مع تنامي الشعور العام بالثورة في
كل الوطن العربي..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

ستظل الثورات الشعبية الَّتي هبَّت على الدول العربية في مطلع 2011 الميلادي مثيرةً للجدل الكبير وللنقاش المستمر وستستمر تحليلاتها ودروسها لفترة ليست بالقصيرة وذلك مع تنامي الشعور العام بالثورة في كل الوطن العربي فمنها الَّتي أفلحت بالفعل في إسقاطِ الأنظمة ومنها لازالت تحاول جاهدةً مع تشابه كبير في رَدَّةِ أفعال الأنظمة تجاهها.

وكانت نتيجةُ الاستفتاء في مصر على التَّعديلاتِ الدُّستوريةِ مادَّةً للجدل الكبير وللنقاش المتواصل للوصول لأجوبة كثيرة حول دلائله ومؤشراته وتحليل ما ورد فيه من إحصاءاتٍ أربكت حسابات الكثير من المراقبين السياسيين وفقًا لحساباتهم عملا بأبجديات العمل السِّياسي.

لم يَكُنِ النظام المصري هشًّا يومًا ما .. ولم يكنْ يتخيَّل أحدٌ من المتظاهرين أنفسهم أنْ تَصِلَ النتيجةُ بهم إلى إسقاطه حتَّى بعد تجربة تونس كون النظام المصري أقوى وأرسخ وأكثر سيطرة من نظرائه بحسب التقديرات الأمريكية والغربية وتقديرات القوة وغيرها.


إنَّ نظامًا يمتلك جيشًا داخليًّا يزيد عن عدد جنود قواتهم المسلحة، ويمتلك إدارةً تسمع وترى وتسجل كلَّ ما يدور داخل البلاد وهي لا تستثنى أحدًا بحيث تضمن الولاءَ التَّامَ والانصياع المطلق من الجميع للوصول للمراكز القيادية، ثم تتدخل الشُّئون الدِّينيَّةُ وتملي على الناس ما يجب عليهم قوله وما يمنعهم من الاقترابِ منه أو المساس به ... لم يكن هذا النِّظامُ هشًّا حتَّى تُسْقِطَه ثورة شباب سلمية بيضاء أو اعتصام في الميادين.


إنَّ التحليلاتِ الَّتي تحدثت عن الثورة وعوامل نجاحها فاختزلتها في القدرةِ التَّنظيميَّةِ للشباب المشاركين أو الضغط الشعبي والالتحام الوطني أو الغباء السياسي للنظام فقط تغفل العامل الأهم والأقوى تأثيرًا والَّذي ينبغي العودة إليه أثناء تحليل المشهد.

ولكن إذا لماذا نجحت الثورة فعلا في إسقاطِ النظام ؟

إنَّ كلَّ الإجاباتِ على السؤال السابق والَّتي تطرح نفس الأفكار عن موازين القوى والثورة الشعبية وغيرها مفاهيمُ قاصرةٌ أو بعيدةٌ عن الواقع تمامًا وقد أودت بالكثير من الليبراليين إلى هذه الصدمة الفكرية الَّتي وقعوا فيها بعد نتيجة الاستفتاء .. إذ أُثبت لديهم أنهم قد وَقعوا في خطأ الفهمِ والتَّقديرِ والقراءةِ السياسيَّةِ للواقع وللمجتمع المصري واتَّضح لهم أنهم غرقوا في دائرة الأوهام اللذيذة وأنهم حاصلون لا محالة على أصواتِ الناخبين حتَّى رأى بعضهم أنهم يستطيعون حَشْدَ تأييدِ ما يقارب اثنين وأربعين مليونًا من الشعب المصري لرفض التعديلات الدستورية وجعلوا ذلك الاستفتاء مقياسًا للقوة والتأثير.


لقد اشتركت عدة قوى مختلفة الاهتمامات والأفكار واتحدت جميعها تحت هدفٍ واحدٍ، فاجتمعت قوة رجال الأعمال بالإمكاناتِ الماديَّةِ والقوة الإعلاميَّةِ الهائلة الممثلة في القنوات التليفزيونية الليبرالية مع تأثير التَّوْجيهِ المسيحيِّ المباشر المعلن وانضمَّ إليهم طوائف من حركة الشباب على اختلاف مسمياتهم وحشدوا الشباب الَّذين كانوا على يقين أنهم قد أسهموا بالجزء الأكبر في نجاح الثورة والَّذين استخدموا نفس الوسائل الَّتي استخدموها في الإعداد للثورة وهو الانترنت والفيسبوك وانضمَّ إليهم أيضًا كل المرشحين الَّذين أعلنوا ترشيحهم لرئاسة الجمهورية بكل ما يحملون من رصيد أنصارِهم لدعم حملاتهم الانتخابية والَّذي اكتسبوه من الفترات السابقة سواء بالعمل الرَّسمي في الدولة أو بالعمل الشعبي وانضمَّ إليهم قطاعات كبيرة من الفنانين والممثلين والإعلاميين الَّذين اشتركوا في الثورة وأصبح لديهم مصداقية لدى الشعب المصري وكان من الضروري أنْ ينضمَّ إليهم صوتٌ إسلاميٌّ فانضمَّ إليهم إعلاميٌّ إسلاميٌّ معروف بالتحامه بالشباب وظَنَّ هذا التحالف الغريب أنَّه قادرٌ على تغيير الخريطة السياسية في مصر وإذا بالنتيجة الصادمة إذ لم يحصلْ كلُّ هؤلاء إلا على ما يوازي خمس عدد الأصوات الَّتي حضرت للاستفتاء


هذه النتيجة الصادمة أعادت إلى الجميع نفس السؤال .. إذا كان كلُّ هذا الحشد الغريب والتحالف غير المتجانس ظاهريًّا لم يستطعِ الوصول والحصول إلا على هذه النسبة .. من الَّذي أسقط النِّظامَ القوي المستبد حقيقة ؟
وهل تكون جماعةُ الإخوان المسلمين هي الَّتي أسقطت النظام؟ وهل تملك من القدرة وحدها أو بالاشتراك مع الإسلاميين على إسقاط هذا النظام القوي الَّذي لم ينلْ أحدٌ من ضرباته مثلما نال الإسلاميُّون بوجه عام والأخوان بوجه خاص بضرباتٍ متتاليةٍ على مدى ستين عامًا منذ يوليو 1952..


هل يمكن أنْ يُنْسَبَ إليهم نجاحُ الثورة وإسقاطُ النِّظام وخاصة أنَّ كلَّ تحركاتهم واجتماعاتهم ونشراتهم ودورياتهم وأعمالهم يُخصص لها فرع كامل من فروع أمن الدولة يختص بهم ويرصد كلِّ شيءٍ عنهم؟

وهل يكون ما يُسمى بفلول الحزب الوطني هو الَّذي أسقط النظام؟! وهذا سؤال جدلي فقط لأنَّ الحزب الوطني هو النظام فهل يُسقط النظام نفسه؟!

إذن من الَّذي أسقط النِّظامَ القَوِيَّ المُسْتَبِدَّ الَّذي ظنَّ نفسه قادرًا على كلِّ شيءٍ؟
لن يكون لنا هاهنا إلا إجابةً واحدةً منطقيَّة يُحل بها هذا اللغز الكبير وهي أنَّ اللهَ وحده أسقط النظام ..فكل الجهود البشرية مجتمعة لم يكن لها أبدًا أنْ تسقطَ هذا النظام المتماسك ولا أن تُحرِّكَ فيه شعرةً.


لقد تمادى الظَّالمون في محاربةِ الله سبحانه .. حاربوا كلَّ فضيلةٍ وأعانوا على كلِّ رذيلةٍ .. سرقوا البلاد وسهلوا السرقة لأفراده .. ظلموا الناس وأعانوا على ظلمهم .. أفسدوا كل خير في البلاد وأظهروا كل شر.

{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [القصص:5]، لقد ذكر من خرج من سلخانات التعذيب الممارسات الَّتي لا تحمل إلا استهزاءً بدينِ الله وبقدرةِ الله بل استهزاء بالله سبحانه.


إنَّ التَّحليلَ السياسي بكل المفاهيم السياسية الأرضية لا ينبغي أنْ يجعلَنا نتردَّد من هذا الطرح أو أنْ نستبعدَه من نقاشنا وأفكارنا لأنَّنا مسلمون ولا ينبغي عند تحليلنا السياسي أنْ ننسى أو نتناسى أنَّ الكونَ كله لله ليس له رَبٌّ سواه له الخلق وله الأمر { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف:128].

الله سبحانه وحده أسقط هذا النظام وأخذ أركانه وأذلَّهم حين تصوَّروا أنهم ملَكوا الأرض بمن فيها وظنُّوا أنهم قادرون عليها فأتاها أمر الله { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود:102].


إنَّ أيَّ ثورة في أي دولة الآن تملك ما يملكه الشعب المصري وينبغي إن أرادت نجاحًا وتوفيقًا أنْ تُحْسِنَ الصِّلةَ بمسبب الأسباب سبحانه لا أنْ تثقَ بقدرتها وتنظيمها وبنيانها فقط بل عليها قبل ذلك وبعده أنْ تثقَ في الله وأن تحسنَ الظَّنَّ به وأن تُساندَ بالدعاء الخالص المبتهل إلى الله سبحانه أنْ يخلِّصَها من ظالميها وأنْ يأخذَهم أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ.


ينبغي أنْ يتغيَّرَ التناولُ لدى السياسيين الإسلاميين ومحلليهم ويدخل في مصطلحاتهم وجود قوة مؤثرة في العمل السياسي كغيره وهي قوة غالبة قاهرة لها معطياتها وأسبابها ونتائجها وينبغي أن لا يضيع هذا المفهوم عن أذهانهم عند تناولهم لكلِّ قول أو فعل أو تصور .. وما أجمل من هذه اللغة عند الخطاب السياسي لرجل على هرم السلطة في دولة كانت يومًا ما عاصمة الخلافة وهو ينصح مبارك بصوت سياسي لا يخلو من مفردات هذا الخطاب المنشود «إن على الرئيس المصري حسني مبارك الإصغاء لمطالب شعبه» ثم اختتم نصيحتَه بقوله «نحن كمسلمين سنوضَعُ في حفرةٍ مساحتُها لا تزيد على مترين مكعبين» فهل لا يفقه اردوغان المفردات السياسية أم ينقصه الوعي السياسي؟.

المصدر: يحيى البوليني - موقع المسلم