إثبات المهديين ذريةً للإمام

أحمد علوان

فهم يقولون بأن ذرية الإمام ممكنة وواقعة، ومن يقول بخلاف ذلك، فهو جهال مجهال، واليماني هو ابن الإمام والممهد لأبيه، فمن يقل بنفي الذرية فهو يهدم الدعوة من أساسها، ويقضي عليها من جذورها، وقد واصل أنصار اليماني بإثبات ما نفاه الشِّيَعة، وهو الذرية للإمام، ورموا الذين ينفون الذرية عن الإمام بالجهل وأنهم لم يطلعوا على سيرة آل البيت

  • التصنيفات: مقارنة الأديان -


وهذه مسألة من الأهمية بمكان، حيث تعد من الأسس التي قامت عليها دعوة اليماني، فهم يقولون بأن ذرية الإمام ممكنة وواقعة، ومن يقول بخلاف ذلك، فهو جهال مجهال، واليماني هو ابن الإمام والممهد لأبيه، فمن يقل بنفي الذرية فهو يهدم الدعوة من أساسها، ويقضي عليها من جذورها، وقد واصل أنصار اليماني بإثبات ما نفاه الشِّيَعة، وهو الذرية للإمام، ورموا الذين ينفون الذرية عن الإمام بالجهل وأنهم لم يطلعوا على سيرة آل البيت، ومن الذين نفوا الذرية للإمام أحد مراجع الشِّيَعة-الشيخ السَنَد[1]- ، حيث ذكر "عن محمد بن عيسى ابن عبيد بإسناده عن الصالحين قال: اللهم كن لوليك القائم بأمرك الحجة محمد بن الحسن المهدي... وذكر في دعائه للإمام، وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين..، فقال السند: وظاهر الرواية يوهم أن الأئمة بعد الإمام المهدي من ذرية الإمام الثاني عشر وهذا وهم من أحد الرواة لهذا الدعاء، ومن الظاهر أن الضمير في "وذريته" يعود إلى النبي  صلى الله عليه وسلم "[2]، وألف بعض أنصار اليماني كتباً يرد فيها على ذلك ويثبت ذريةً للإمام المهدي، ويأتي بالأدلة من قلب مصادر ومراجع الشِّيَعة المعتمدة، ومن ذلك ما ذكره صاحب كتاب (الرد الحاسم على من منكري ذرية القائم) [3]إذ يقول:"ذكر الميرزا النوري في النجم الثاقب أثني عشر دليلاً على وجود الذرية للإمام المهدي عليه السلاموذكر منها دليلاً، وفيه: روى النعماني-تلميذ ثقة الإسلام الكليني- في كتاب الغيبة، والطوسي في كتاب الغيبة بسندين معتبرين عن المُفَضَّل بن عمر[4]، "عن أبي عبدالله-جعفر الصادق- قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: أحدهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحداً من ولده ولا غيره إلى المولى الذي يلي أمره"[5]. 
وهذا نص كلام رجل من رجالات دعوة اليماني، ومن أقوى المؤيدين له والمدافعين عنه، وعندما رجعت إلى الروايتين عند النعماني والطوسي في غيبتهما، بدا خلاف واضح بين ما نقله صاحب الرد الحاسم، وبين ما جاء في المصدر الذي نقل منه، فظهر تدليس وتلبيس، فنص الرواية عند النعماني:"عن المُفَضَّل بن عمر، عن أبي عبدالله الصادق قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطَّلع على موضعه أحدٌ من ولي ولا غيره إلى المولى الذي يلي أمره"[6].
أما نصها عند الطوسي فهو"عن مُفَضَّل قال سمعت أبا عبدالله يقول: إن لصاحب هذا
الأمر غيبتين: إحداهما أطول حتى يقال: مات، وبعض يقول: قُتل، فلا يبقى على أمره إلا
نفر يسير من أصحابه، ولا يطَّلع أحد على موضعه وأمره، ولا غيره إلى المولى الذي يلي أمره"[7].
ومن رووا هذه الروايات التي جاءت في غيبة الإمام، وغيرها من العقائد الخاصة بالشِّيَعة، متهمون عند أهل السنة، بل الروايات التي سبقت وكان في سندها المفضل بن عمرو، متهافت عند الشِّيَعة أنفسهم، وفاسد المذهب، وهذا رأي أهل السنة في رواة الشِّيَعة، يقول العلامة محب الدين الخطيب[8]:"وجميع رواة الغيبيات عن الأئمة الاثني عشر، معروفون عند علماء الجرح والتعديل من أهل السنة بأنهم كانوا كذبة، لكن أتباعهم من الشِّيَعة لا يأبهون لذلك ويصدقونهم فيما رووه من الغيبيات"[9].
فقد افتضح أمر المهديين، وانكشف عوارهم في عدم أمانتهم فيما ينقلون، ومدى التحايل والتمويه على الغير ليصلوا إلى مرادهم، إنها الغاية التي تبرر للوسيلة، فما دام أنهم يريدون إثبات شئ يفعلون ما يستطيعون فعله لإثبات هذا الشئ، وهذا عمل غير محمود ولا مرغوب، فبالرجوع إلى ما نقله العقيلي وبين الروايتين المذكورتين عند الشيخين-الطوسي والنعماني-في الغيبتين، نرى الفرق واضحاً وضوح الشمس، لا ينكره إلا من كان يمانياً، بغض النظر عن السند -والذي فيه عند النعماني عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله قال، أو عند الطوسي: عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله يقول- وإن كان من الأمانة العلمية الواجبة على العقيلي أن يبين ذلك، ناهيك عن أخطاء لغوية في كلامه حين قال: (أثني عشر) والتي لا تصح بأي وجه من أوجه اللغة، فالهمزة في الأصل مكسورة فضلاً عن أنها همزة وصل، أما لب الموضوع فهو أن هذا اليماني وأقرانه جعلوا هذا ديدنهم، فحتى يثبت أن للإمام المهدي ذرية، خالف نص الرواية فقال: (لا يطلع على موضعه أحداً من ولدهـ)،  وأصل الرواية (ولا يطَّلع أحد على موضعه وأمرهـ)، ولا ذكر للولد هنا كما يزعم أنصار اليماني، على غرار أنهم إن أثبتوا لفظ الولد في الرواية فالمقصود منه أحمد الحسن-إن يقولون إلا كذباً- فكيف يكون ذلك، أن يثبتوا نسبه للمهدي، وهذا من المستحيل بمكان، كما اتضح في التمهيد عند الحديث عن نسبه، ولو سلمنا بنقولهم وتركنا نقول مراجعهم-النعماني والطوسي- فمن قال بأن هذا الولد المقصود هو يمانيكم-أحمد المزعوم-، وينتج عنه أن أول دليل صدَّر به العقيلي كلامه لا يثبت لشذوذوه ووضعه وكذبه حيث مخالفته للروايات المعتمدة عند الشِّيَعة. 
ويضاف إلى ما سبق أن بعض الأنصار فهموا من الوصية المقدسة-عمدة الدعوة اليمانية- "والتي جاء في آخرها (فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين)، أن ابنه أحمد الحسن هو خليفته، ومن تؤول له الإمامة من بعده، ولأنه كما أمكن لعلي أن يكون هو الحجة في غياب رسول الله فيمكن لأحمد أن يكون الحجة في غياب أبيه"[10]، فالمهديون يرون أن الضمير في حضرته يعود على الإمام الثاني عشر-محمد بن الحسن العسكري- والضمير في ابنه يعود على اليماني، وعليه يكون اليماني هو المقصود في الوصية، وهم بذلك قد خالفوا مرجعيات وعلماء الشِّيَعة، فالسند يقول: "وهذا الإرجاع للضمير إلى الإمام الثاني عشر خطأ فاحش فإن الصحيح أن الضمير يرجع إلى الإمام الحادي عشر-الحسن العسكري-، أي إذا حضرت الإمام الحسن العسكري الوفاة فليسلمها إلى ابنه الثاني عشر وهو الإمام الثاني عشر وهو أول المَهْدِيّين"[11].
ثم ذكر العقيلي في كتابه (الرد الحاسم) وكذا الديراوي في كتابه (في القطيف ضجة) عدة روايات بلغت العشرين لإثبات ذرية للإمام، ثم عقب -الديراوي- عليها بقوله: "إذن، من هذه الروايات، وهي غيض من فيض، يتضح أن الإمام المهدي محمد بن الحسن لديه ذرية أوعقب"[12].
وقد تم الاقتصار بذكر رواية واحدة، وإلا فكلها تحمل غرضاً واحداً وهو إثبات الذرية للإمام-كما يزعم أنصار اليماني-، ونقولات أنصار اليماني وردودهم على من أنكر ذلك.
والرد على الاثني عشرية والمهديين:
 إذا كان المهديون والاثنا عشرية يتنازعون في ذرية الإمام، فالمهديون يجندون طاقاتهم لإثبات ذرية للمهدي، والاثنا عشرية تنكر ذلك، فما ردهم لو واجههم علماء أهل السنة، وأثبتوا لهم أنه لا وجود للإمام المزعوم أصلاً؟ وإنما هي لا تعدو أن تكون فكرة مخترعة، فقد نقل الإمام ابن تيمية-رحمه الله-أقوال بعض علماء السنة الذين أقروا بأن الحسن العسكري-والد المهدي- لم يكن له نسل أصلاً، "فيقال: قد ذكرمحمد بن جريرالطبري، وعبدالباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ: أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولاعقب"[13].
فتلك علماؤنا من أهل السنة ينفون الذرية للحسن العسكري، فكما ذكر ابن تيمية أن الذين اشتغلوا بالأنساب والتواريخ أكدوا أن الحسن لم يعقبه أحد ولم تكن له ذرية، فبطل كل ما ذهب إليه الشيعة في كلامهم عن المهدي، وما بني على باطل فهو باطل.

------------------------------------------ 

[1] انظر تعريفه في التمهيد، ص9.
(([2] المَهْدِيُّون الاثنا عشر، الشيخ محمد السند، ص42و43 (بتصرف)(مرجع سابق).
[3] الرد الحاسم على من منكري ذرية القائم، الشيخ ناظم العقيلي، ص6، توزيع حسينية ومدرسة أنصار الإمام المهدي، العراق.
[4] هو المُفَضَّل بن عمرو، الجُعْفِيُّ، أبو عبدالله، هو ضعيف، متهافت، مرتفع القول، فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً، ولا يجوز أن يُكْتَب حديثه. انظر: الرجال، لأحمد بن الحسين الغضائري، ص87، تحقيق : السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، ط1/1422ه، دار الحديث، قُم-إيران، وانظر: رجال النجاشي، ص398.
[5] الغيبة للطوسي، ص50و51.
[6] الغيبة، للنعماني، ص 176.
[7] الغيبة للطوسي، ص50و51.
[8] هو: محب الدين بن أبي الفتح محمد ابن عبد القادر بن صالح الخطيب، يتصل نسبه بعبد القادر الجيلاني الحسني: من كبار الكتاب الإسلاميين. ولد في دمشق عام 1303ه = 1886م، وتعلم بها، ورحل إلى صنعاء فترجم عن التركية وعمل في بعض مدارسها، ولما أعلن الدستور العثماني (1908م) عاد إلى دمشق، ثم زار الأستانة ومنها قصد القاهرة (1909م) فعمل في تحرير المؤيد، وعمل محررًا في الأهرام، وأصدر مجلتيه " الزهراء " و " الفتح " وكان من أوائل مؤسسي "جمعية الشبان المسلمين"، وتولى تحرير "مجلة الأزهر" ست سنوات، وأنشأ المطبعة السلفية ومكتبتها، ونشر من تأليفه: "تاريخ مدينة الزهراء بالأندلس " و " ذكرى موقعة حطين " و " الأزهر، ماضيه وحاضره والحاجة إلى إصلاحه"، توفى عام 1389 ه = 1969م. انر: الأعلام، للزركلي، ج5/282(باختصار)(مرجع سابق).
[9] الخطوط العريضة، ص31.
(1) في القطيف ضجة، عبدالرزاق الديراوي، ج1/23، ط1/1433ه = 2012م، إصدارات أنصار الإمام المهدي عليه السلام ، العدد(156).
[11] المَهْدِيُّون الاثنا عشر، محمد السند، ص8.
[12] في القطيف ضجة، ج1/34.
[13] منهاج السنة النبوية، ج4/87.