النفقة على العيال.. الصدقة المجهولة
خالد روشة
النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك.
- التصنيفات: التصنيف العام -
ليس أدل على نبل المعدن ونقاء السريرة من إحسان المرء للقريبين منه، فهم أكثر الناس معرفة بطبائعه وقياما بشأنه، ومسارعة الى محباته..
لذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم» (رواه الترمذي).
ولا شك أن أكثر ما يشغل غالب الناس فيما يتعلق بالإنفاق هو الإنفاق على أبنائه وأهله، لكن ليست هذه هي القضية، قضيتنا هنا هي الصورة والمعنى الذي ينفق به هذا العائل على ابنائه واسرته.
وتذكرتنا هنا هي أن نقول لهذا العائل والراعي، أنك تقوم بعمل صالح عظيم بصورة يومية، أنت يا ايها الساعي على أهلك وولدك تتصدق كل يوم أعظم الصدقات بما تنفقه عليهم، بل إن خروجك وعملك وشغلك وتعبك هو في سبيل الله.
روى كَعْبُ بنُ عُجْرَة: أنَّه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فرأى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَدِه ونشاطِه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيلِ الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كان خرجَ يسعى على وَلَدِه صِغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه، يَعُفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومُفاخرة، فهو في سبيل الشيطان»؛ (رواه الطبراني وصححه الألباني)
وانظر إلى هذه الكلمات الذهبيات لشيخ الإسلام وتدبرها جيدا، يقول: " «من أحب أن: يلحق بدرجة الأبرار ويتشبه بالأخيار.. فلينوِ في كل يوم تطلع فيه الشمس نفع الخلق، فيما يسر الله من مصالحهم على يديه، وليطع الله في أخذ ما حل، وترك ما حرم، وليتورع عن الشبهات ما استطاع، فإن طلب الحلال والنفقة على العيال باب عظيم، ﻻ يعدله شيء من أعمال البر».
فأي فضيلة أحسن من هذه الفضيلة؟!
على الجانب الآخر فإن المقصر في حقهم البخيل عليهم المانع منهم وهو عامد لذلك إنما هو على خطر عظيم واثم صريح، بل إن الامتناع من النفقة الواجبة محرم بل من كبير الذنوب: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (أخرجه ابن حبان)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يحبس، عمن يملك قوته» (رواه مسلم).
ثم تعال أهمس في اذنك ايها البخيل المقتر عليهم، ودعني أسألك: من ينفق على ابنائك إذا انت لم تنفق عليهم؟!
ومن يمنحهم إذا لم تمنحهم؟!
البعض يتحجج بوجود ما هو أهم من أن يهبهم أو يمنحهم، ودعني أسوق إليك كلام النبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلكك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك» (رواه مسلم).
قال المناوي في فيض القدير: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن أبي شيبة: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. مع أنه ذكر قبله النفقة في سبيل الله وفي العتق والصدقة ورجح النفقة على العيال على هذا كله لما ذكرناه. انتهى.
لقد رفع الله قدر هذا العمل رفعة كبيرة، واثاب عليه أعظم الثواب، قال صلى الله عليه وسلم: «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك» (متفق عليه)
وقال صلى الله عليه وسلم «إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» (منتفق عليه)