دار المسنين.. الجحود أمام العطاء!

ليعلم هؤلاء الأبناء الجاحدون أن دار المسنين هذه ستظل باقية في انتظارهم، ليزجهم أولادهم فيها مهما طال الوقت، فإذا زرعوا الشوك لن يحصدوا إلا الشوك، وإذا أحسنوا سيحصدون جزاء الإحسان إحسانا..

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - الأدب مع الوالدين -

كثيرا ما تذكرت زمانا ماضيا، عندما كان إخواني صغارا، صورة أمي ما زالت بخيالي، وكأنها أمامي، تناديهم فينتبهوا إليها لتعلمهم الكلام، وتأخذ بأيديهم خطوة بخطوة ليستطيعوا السير من مكان إلى مكان..

 أذكر كم حرمت نفسها وسهرت علينا ليالي طوالا، وأذكر تلك الأكف الضارعة إلى الله دعاء ورجاء بينما نحن مرضى فيستجيب الله لها بالشفاء.

 علمتنا الأخلاق من خصالها، والأدب بإشارة من سبابتها، كانت لنا كالأرض الخصبة كلما قطفنا من ثمارها زادت ثمارا ونماء، لا تشتكي من خدماتنا و لا تبالي مهما بذلت لنا.

 أما أبي الذي كان في كثير من الأوقات وفي الأعياد والمناسبات ينسي نفسه ليوفر لنا متطلباتنا، يريدنا أسعد من حولنا، باذلا، مضحيا، معلما، قائدا، ناصحا، إلى آخر لحظات حياته..

 وكذا كل أم وأب بذلوا ساعين بمنتهى التضحية والعطاء، كانوا كالشمعة تحترق لتنير لمن حولها.. فهل يا ترى جزاء الاحسان كان إحسانا؟

 للأسف نجد بعض الأبناء قابلوا عطاء وتضحية الأبوين بالجحود، وقابلوا الاحسان بالإساءة، والجود بالشح، قد يكون هذا الشح ليس ماديا، لكنه شح العواطف والحنان حتى البخل بالخدمات!

 وبعض الأبناء لا يتوددون إلى أبويهم إلا عندما يكونون في حاجة إليهم، إلى قرض مادي مثلا، أو مساعدة في أمر ما...!

فهذا الابن لإرضاء زوجته ولراحة باله واستقرار بيته قد ضحي بالمال ووضع أمه بدار المسنين، حرمها حنانه في الوقت الذي تحتاج منه الحنان والرعاية.

 وهذا الآخر قد هجر البلاد مع زوجته وأولاده، ونسي أن هناك أبا وأما يشتاقان لرؤيته، لا ينفعهم ولا يرضيهم المال الذي يرسله إليهم للدار، (هذا إذا تذكر وأرسله)

هذه الدار التي تجد فيها علامات التجاعيد الحزينة تغطي وجوه سكانها، وخصلات الشيب تعم الجبين، وانحناء الظهر بعد الشموخ، والعيون مليئة بالدموع، دموع الحسرة والندم علي العمر، الذي قضي في رعاية أبناء لم يقدروا الجميل.

 يظن هؤلاء الأبناء أن دار المسنين للأبوين هي الحل، وأنها نعم السكن لهم، وخير الحمى، ونسوا أن الأبوين يحتاجان لحضن دافئ، ونظرة حانية، وابتسامة صادقة، فمتى إذن نرد لأبوينا الجميل إذا لم نرده وهم ضعفاء؟

ومتي نوفيهم حقهم ونحن نعلم أنهم أصبحوا ضيوفا عندنا وأن الأجل قريب؟!

لماذا نظل نسوف في السؤال عليهم والزيارة لهم وتحول بيننا وبينهم المعوقات والحجج الواهية؟!

لماذا لا نتذكرهم إلا في الهموم بينما ننساهم في الرخاء والسعة؟

لماذا لا نسارع في الاهتمام بهم وقد أوصانا الله تعالى بالإحسان إليهم ومصاحبتهم في الدنيا معروفا، خاصة في كبرهم؟

نحن مازلنا رغم كبرهم نحتاج إليهم، هم بابنا إلى الجنة، فبدعوة صادقة راضية منهم لنا تنجينا من مآسي الزمان، ويحفظنا الله سبحانه في الآخرة من الهلاك والهوان.

وليعلم هؤلاء الأبناء الجاحدون أن دار المسنين هذه ستظل باقية في انتظارهم، ليزجهم أولادهم فيها مهما طال الوقت، فإذا زرعوا الشوك لن يحصدوا إلا الشوك، وإذا أحسنوا سيحصدون جزاء الإحسان إحسانا..

 

الكاتبة: أميمة الجابر