الفوائد التربوية من قصة سليمان عليه السلام في القرآن الكريم

لقد ورث سليمان عن داود عليهما السلام خلافة إيمانية، ودولة قوية، ومملكة متكاملة؛ فحافظ عليها، وقوَّاها ووسَّع رقعتها، وضم لها بقاعًا أخرى، وطبَّق فيها شرع الله، وأسعد الناس، وسار بهم في طريق مرضاة الله. وبلغت المملكة الإسرائيلية في عهد داود ثم سليمان عليهما السلام الذروة والأوج والقمة، وبعد وفاة سليمان عليه السلام بدأت المملكة تضعف، وابتعد الناس عن مرضاة الله، وساروا في طريق معصيته، وانتهى الأمر بإزالة هذه الدولة بسبب كفر اليهود بالله تعالى

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - التاريخ والقصص - قصص الأنبياء -

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.

 

أما بعد: فقد اصطفى القرآن الكريم من الأحداث التاريخية المهمة في حياة المخلوقات ما يخدم الدعوةَ الإسلامية، ويرسخ عقيدتها، ويرفع الهمم، ويوجِّه المسلمَ توجيهًا صحيحًا، ويفتح للناس طرقًا للعبرة والعظة منها، كما أنه قد تخيَّر من هذه الأحداث ما رآه صالحًا لبناء الصورة المحقِّقة لهذه الغاية، فالاعتبار بما جرى للسابقين والاستفادة من ذلك، لا يكون إلا من قِبَل أولي الألباب والأبصار، فذكَر الله عز وجل في كتابه قصصًا لأصحاب الهمم العالية ومناقبهم؛ لنحذو حذوهم، ونقتدي بهم.

 

ومن الأمثلة على القصص الدالة على علو الهمة، ما دار مع نبي الله سليمان عليه السلام في مسيرته الدعوية، ولعلنا نقف بعض الوقفات التربوية القرآنية من قصته عليه السلام ونطَّلع على تلك المواقف العظيمة التي بينت لنا علو همته وقوة عزيمته. [1]

 

لقد ذُكر نبي الله سليمان عليه السلام في القرآن سبع عشرة مرة، في سبع سور[2]، ولقد جمع الله تعالى له بين النبوة والمُلك، وأعطاه خيرَي الدنيا والآخرة، وقد أثنى الله تعالى عليه في عدة مواضع في القرآن؛ فقال تعالى{وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: 84]. وأثنى عليه بالعلم والفهم والحكمة؛ فقال: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79].

 

ومما يميز سليمانَ عليه السلام أنه ابن الملك الكريم داود، وهو أحد الأنبياء الكرام الذين جمعوا ما بين الملك والنبوة، قال تعالى{وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: 251]؛ فما كان هذا الأمر الذي استحقه من الله عز وجل إلا لحسن سياسته، وقوة حُنكته، وعلو همته قال تعالى{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 30-40].

 

 

قال تعالى{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ} [ص: 30]، منح الذرية الصالحة الماجدة من أعظم هبات الله لعبده. {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30].

 

هذا هو عنوان البيان الآتي في السورة عن سليمان عليه السلام وفيه وصفان له:الوصف الأول: وصف يستحق أن يمدح من أجله، وهو تحققه بالعبودية لربه، وهذا يستحق من أجله أن يقول الله بشأنه: {نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 30].

 

وجاء بعد ذلك في عرض مقتطفات من قصة حياته مثالٌ مما استحق به عبارة المدح، وهو علو همته في إعداد خيول الجهاد في سبيل الله، ونشر دين الله، واهتمامه بها تدريبًا واستعراضًا لها وحرصًا على اقتنائها، وهذا أمر يستحق المدح المبالغ فيه.

 

الوصف الثاني: بيان أنه أوَّاب؛ أي: رجَّاع إلى الله بالاستغفار والتوبة وذكر الله.

 

كلما شغلته شواغل الملك والسلطان، استرجع وتاب إلى الله عز وجل ولم يكتفِ بطلب المغفرة من ربه فقط، بل لم يتنازل عن رغبته في ملك وسلطان أوسع مما لديه مع ذلك؛ فأتبع استغفاره بقوله في دعائه لربه: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35].

 

هذا هو دأب أصحاب الهمم العالية في مطالبهم التي يسعون إلى تحقيقها [3].

 

يقول ابن عاشور:"تعليق هذا الظرف بـ: (أَوَّابٌ) تعليق تعليل؛ لأن الظروف يراد منها التعليل كثيرًا؛ لظهور أن ليس المراد أنه أوَّاب في هذه القصة فقط؛ لأن صيغة: (أَوَّابٌ) تقتضي المبالغة، والأصل منها الكثرة؛ فتعين أنن ذكر قصة من حوادث أوبته كان لأنها ينجلي فيها عظم أوبته" [4].

 

قال تعالى{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16].

 

اختلف أهل العلم في حقيقة الوراثة التي تتحدث عنها الآية، والذي يترجح من مجموع أقوالهم وعليه أكثرهم أنها وراثة الملك والعلم والنبوة، لا وراثة المال.

 

قال القرطبي"كان لداود صلى الله عليه وسلم تسعة عشر ولدًا، فورث سليمان من بينهم نبوته وملكه، ولو كان وراثة مال، لكان جميع أولاده فيه سواء" [55].

 

قال الطبري عن هذه الوراثة"العلم الذي كان آتاه الله في حياته، والمُلك الذي كان خصه به على سائر قومه، فجعله له بعد أبيه داود دون سائر ولد أبيه" [66].

 

وقال ابن كثير: "المراد وراثة الشرع والعلم؛ فإن الأنبياء لا يورثون المال" [7].

 

وقال الألوسي"أي: قام مقامه في النبوة والملك، وصار نبيًّا ملكًا بعد أبيه داود عليهما السلام فوراثته أباه مجاز عن قيامه مقامه فيما ذكر بعد موته" [88].

 

ومن الصور الواضحة التي تحدث عنها القرآن، وتبيِّن علو همة سليمان عليه السلام ما يأتي:

أولاً: حسن التدبير لشؤون الدولة: لقد ورث سليمان عن داود عليهما السلام خلافة إيمانية، ودولة قوية، ومملكة متكاملة؛ فحافظ عليها، وقوَّاها ووسَّع رقعتها، وضم لها بقاعًا أخرى، وطبَّق فيها شرع الله، وأسعد الناس، وسارر بهم في طريق مرضاة الله. وبلغت المملكة الإسرائيلية في عهد داود ثم سليمان عليهما السلام الذروة والأوج والقمة، وبعد وفاة سليمان عليه السلام بدأت المملكة تضعف، وابتعد الناس عن مرضاة الله، وساروا في طريق معصيته، وانتهى الأمر بإزالة هذه الدولة بسبب كفر اليهود بالله تعالى [9].

 

 

ومن حسن نظامه وعلو همته وحزمه: تفقد الجنود بنفسه، مع أنه قد جعل لهم مديرين؛ فإن قوله: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] دليل على ذلك، حتى إنه تفقد الطير لينظر هل هي لازمة لمراكزها؟ [10] ومما يبيِّن لنا ذلك أخذُه للأمور بحزم، والضرب على أيدي المارقين؛ ليستقيم الأمر وتستوي شؤون الحياة، ويتجلى هذا بتوعد سليمان عليه السلام للهدهد حين لم يره بين جماعته من الطير: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21].

 

قال ابن عاشور"أكَّد عزمه على عقابه بتأكيد الجملتين (لأعذبنه لأذبحنه) باللام المؤكدة التي تسمى لام القسم، وبنون التوكيد؛ ليعلم الجند ذلك حتى إذا فقد الهدهد ولم يرجع، يكون ذلك التأكيد زاجرًا لباقي الجند عن أن يأتواا بمثل فعلته فينالهم العقاب" [11].

 

ومما يبين ذلك قولُه تعالى{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17].

 

فقوله{يُوزَعُونَدليل على أن سليمان عليه السلام قد قسَّم المهام والوظائف على جنوده، فكلٌّ له غايته، وكل له وظيفته الموكل بها، ولا شك أن هذا مؤشر على علو همة سليمان عليه السلام [12].

 

فهذه الآية إشارة إلى النظام الذي وضعه سليمان عليه السلام لحركة الجند، قال الزمخشري في تفسير هذه الآية {يُوزَعُونَ}: حبس أوَّلهم على آخرهم.

 

أي: توقف سلاف العسكر حتى تلحقهم التوالي، فيكونوا مجتمعين لا يتخلف منهم أحد" [13].

 

وهذا النظام يحقق للقائد عملية ضبط جنده، ويحقق كذلك التماسك بين مقدمة الجيش ومؤخرته، وبين مَيْمَنته ومَيْسَرته.

 

قال سيد قطب{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} [النمل: 20] واحدًا بعد الآخر، فإذا كل فرد في مكانه الصحيح، يقوم بواجبه خير قيام، فتفقد الطير ولم يجد الهدهد، فلما تأكد سليمان من فقْده، فلا بد في هذه الحالة من الحزم الذي يقطع دابر الفوضى في مهدها؛ ليستقيم بعد ذلك الأمر، وتستمر الرعية في طاعته، وهنا يرفع سليمان عليه السلام عقيدته بعلو همة وحزم: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21]" [14].

 

 

وتفقُّد الجند من شعائر الملك والأمراء، وهو من واجبات ولاة الأمور:

تفقد أحوال الرعية، وتفقد العمال ونحوهم بنفسه، ويؤخذ من هذا جواز عقاب الجندي إذا خالف ما عين له من عمل أو تغيب عنه [15]، إن تفقد سليمان عليه السلام لهذا الهدهد سمة من سمات شخصيته: سمة اليقظة والدقة والحزم؛ فهو لم يَغفُل عن غَيبة جندي من هذا الحشد الضخم من الجن والإنس والطير، ويعلم الجميع من سؤالل سليمان عليه السلام عن الهدهد أنه غائب بغير إذن، وحينئذٍ يتعيَّن أن يأخذ الأمر بالحزم؛ كي لا تكون الأمور فوضى، ومن ثم نجد سليمان الملك الحازم يتهدَّد الجندي [16].

 

وأكد عزمه على عقابه بتأكيد الجملتين(لأعذبنَّه، ولأذبحنَّه) باللام المؤكدة، التي تسمى لام القسم، وبنون التوكيد؛ ليعلم الجند ذلك حتى إذا فقد الهدهد ولم يرجع؛ يكون ذلك التأكيد زاجرًا لباقي الجند عن أن يأتوا بمثل فعلته، فينالهمم العقاب [17] هذه الفقرة مكررة.

 

ثانيًا: علو همته عليه السلام في الثبات على المبدأ: قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْْ صَاغِرُونَ} [النمل: 36-37].

 

تبيِّن لنا هذه الآية علو همته في ثباته على عقيدته ومبدئه، وتصور هذه الآيات مدى القوة التي كان يتمتع بها ذلك الملك النبي عليه السلام حيث تزداد الغيرة عنده على دين الله الذي يراد له أن يباع ويشترى بعرَض من الحياة الدنيا، وهو ليس من الملوك الذين تغريهم الهدية، أو يثنيهم عن طلب المعالي مدح أو إطراء؛ لذا نراه عليه السلام عالي الهمة في رده لهذا الأمر؛ لأن مطلبه عليه السلام تحقيق الإيمان والدعوة إلى الحق. قال السعدي: {خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} [النمل: 36]؛ أي: فليست تقع عندي موقعًا ولا أفرح بها، قد أغناني الله عنها، وأكثر عليَّ النعم، {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36] لحبِّكم للدنيا، وقلة ما بأيديكم بالنسبة لما أعطاني الله" [18].

 

ثالثًا: علو همته في طلب رضا ربه عز وجل : وتكمن علو همته في هذا الأمر في قوله تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]؛ ففي هذه الآية طلب سليمان عليه السلام من ربه ثلاثة أمور: الأول: أن يلهمه الله تعالى ويوفقه لشكر النعم التي أنعم الله بها عليه، وعلى والديه.

 

الثاني: أن يوفِّقه لكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه.

 

الثالث: أن يُدخِله الجنة مع عباده الصالحين.

 

فانظر إلى هذه المطالب العالية، والأهداف السامية، التي تدل بكل وضوح على علو همته وقوة عزيمته. قال الرازي في تفسير هذه الآية: " حقيقة (أَوْزِعْنِي ): اجعلني أزع شكر نعمتك عندي، وأكفه عن أن ينقلب عني؛ حتى أكون شاكرًا لك أبدًا، وهذا يدل على مذهبنا؛ فإن عند المعتزلة كل ما أمكن فعله من الألطاف، فقد صارت مفعولة، وطلب تحصيل الحاصل عبث.

 

وأما قوله تعالى{عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [الأحقاف: 15]؛ فذلك لأنه عدَّ نعم الله تعالى على والديه نعمة عليه. ومعنى قوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [النمل: 19] طلب الإعانة في الشكر وفي العمل الصالح. ثم قال: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، فلما طلب في الدنيا الإعانة على الخيرات، طلب أن يجعل في الآخرة من الصالحين. وقوله:{بِرَحْمَتِكَ} [النمل: 19]: يدل على أن دخول الجنة برحمته وفضله، لا باستحقاق من جانب العبد.

 

واعلم أن سليمان عليه السلام طلب ما يكون وسيلة إلى ثواب الآخرة أولاً، ثم طلب ثواب الآخرة ثانيًا" [19].

 

ويقول سيد قطب"بهذا النداء القريب المباشر المتصل {أَوْزِعْنِي} اجمعني كلي، اجمع جوارحي ومشاعري، ولساني وجناني، وخواطري وخلجاتي، وكلماتي وعباراتي، وأعمالي وتوجهاتي. اجمعني كلي، اجمع طاقاتي كلها، أولها على آخرها، وآخرها على أولها، وهو المدلول اللغوي لكلمة {أَوْزِعْنِي}؛ لتكون كلها في شكر نعمتك عليَّ وعلى والديَّ.

 

وهذا التعبير يشي بنعمة الله التي مست قلب سليمان عليه السلام في تلك اللحظة، ويصور نوع تأثره، وقوة توجهه، وارتعاشة وجدانه، وهو يستشعر فضل الله الجزيل، ويتمثل يد الله عليه وعلى والديه، ويحس مس النعمة والرحمة في ارتياع وابتهال" [20].

 

الكاتب: عبد العزيز سالم شامان الرويلي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] أصل هذا البحث مقتبس من رسالتي في الماجستير، وهي بعنوان: "الهمة في ضوء القرآن الكريم، دراسة موضوعية".

[2] انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص (597).

[3] انظر: معارج التفكر ودقائق التدبر 3/557 558.

[4] التحرير والتنوير 12/223.

[5] الجامع لأحكام القرآن 13/164.

[6] جامع البيان 19/141.

[7] تفسير القرآن العظيم 3/385.

[8] روح المعاني 19/170.

[9] انظر: القصص القرآني، 3/482.

[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن 13/178.

[11] التحرير والتنوير 19/247.

[12] انظر: القيم الحضارية في قصة سيدنا سليمان عليه السلام ص (95).

[13] الكشاف 3/141.

[14] في ظلال القرآن 5/2638.

[15] انظر: التحرير والتنوير 19/245.

[16] في ظلال القرآن 5/2638.

[17] التحرير والتنوير 19/247.

[18] تيسير الكريم الرحمن ص (554).

[19] مفاتيح الغيب 24/550، وانظر: الكشاف 3/357، والجامع لأحكام القرآن 13/176.

[20] في ظلال القرآن 5/2636.