الفراق وأصحاب القلوب المرهفة

إلي من يريد أن يهنأ بحب دافئ وقلب مرهف حنون يألف الناس ويحبهم بلا خوف من الحب ومخاطره، ومصائبه ونوازله، ولا من الفراق ومآسيه، وآلامه ومواجعه؛ أقول: املأ قلبك بحب الله أولا ولا تسمح لشيء أن يستأسد بقلبك إلا هو، فما خاب من أحب الله وما شقي.

  • التصنيفات: التقوى وحب الله - أعمال القلوب - الطريق إلى الله -

جهاد أن تعود نفسك على التكيف مع الحياة بعد فراقك لشخص مميز اعتدت على وجوده في حياتك.. قد يكون الفراق بسب الموت أو بسب سفر طويل أو هجر.. وكلها في نظرك مؤلمة قاسية تماما كالفراق بالموت، وكلما كان ذلك الشخص قريبا من قلبك وحضوره متكرر في ساعات يومك.. كلما كان فراقه أشد وأعسر على نفسك، وبرؤك من وعكة فراقه أشق وأبطأ.

 

في بعض العلاقات يمكنك أن تفصح لمن حولك عن حجم ألمك وحزنك من فراق أحدهم حتى يواسوك ويصبروك ويداووك، وفي بعضها الآخر لا يمكن أن تفصح للآخرين عن سر ألمك وحزنك، فتتألم وحدك، وتواسي نفسك بنفسك، وتضمد جراحك الدامية بيدك المنهكة، تجاهد لكي تواري دمعتك، وتكبت خواطرك، وتلجم لسانك، وتخرس قلمك.

 

فما أقسى الفراق وأنكده!

إنه يقذف بك في دوامة من الصراع المرير حتى تحدث نفسك حائرا: "ترى أين الخلل؟! هل من السذاجة أن نألف الناس ونعطي لهم مساحات طاهرة نقية من قلوبنا ونحن نعلم أن شبح الفراق متربص بنا وبهم؟!

 

هل كان من المفترض أن نحول قلوبنا تلك المضغ النقية التي تحب وتألف وتتعلق وتأنس بمن حولها إلى حجر لا يحب ولا يألف، ولا يتعلق ولا يأنس؟!"

 

إنها دوامة الفراق هاجس المحبين والمتجانسين روحيًّا..

دوامة إذا نزلت بحرث قوم أهلكته، فلم تبقِ فيهم كبيرًا ولا صغيرًا ولا أميرًا ولا وضيعًا ولا ذكرًا ولا أنثى إلا أسالت مدامعه وقهرته، وأحزنته وأوجعته!

 

وأظن أن قساة القلوب الذين يعيشون حولنا ونشهد لهم بالقسوة؛ لم تقسو قلوبهم من فراغ!

 

بل أغلب الظن أنهم قد شقوا يومًا في حب من يخالطون ويعايشون حتى أُنهكت قلوبهم، فملّوا الحب وملّوا الناس وملّوا الحياة، لذا تراهم قد سيّجوا قلوبهم عن حب الآخرين حفظا لسلامتها من الشقاء والحزن عندما تحل قوافل الفراق بدارهم!

 

هذا ما توصلت إليه أحلامهم كدواء وقائي من الوقوع في الحب، لكنهم للأسف وقعوا في الشراسة واللاآدمية بقسوتهم وشدتهم.

 

وعلى طرف النقيض منهم تظل القلوب الرقيقة التي فاضت حبًا وحنانًا هي الضحية، إنها سرعان ما تحب وتألف، فإذا ما فجعها الفراق في حبيب سرعان ما تنهار وتتوجع!.

 

فيا ليتنا نملك أن نضيف لقلوبنا ذاكرة خارجية لنحمّل عليها العلاقات الثانوية في حياتنا، فإذا حدث وأن تعلقنا بأحدهم وأحببناه ثم حال الفراق بيننا وبينه؛ تخلصنا من تلك الشريحة المحترقة دون أن تصاب قلوبنا بأدنى أذى أو ألم، لنستمر في الحياة دون انهيار أو توقف!

 

فإلى من يريد أن يهنأ بحب دافئ وقلب مرهف حنون يألف الناس ويحبهم بلا خوف من الحب ومخاطره، ومصائبه ونوازله، ولا من الفراق ومآسيه، وآلامه ومواجعه؛ أقول: املأ قلبك بحب الله أولا ولا تسمح لشيء أن يستأسد بقلبك إلا هو، فما خاب من أحب الله وما شقي، ثم اجعل لأميز الناس لديك (من زوج وولد ووالدين.. وغيرهم من الأحبة) حصصا ثانوية، فإن احترقت حصصهم بموت أو فراق أو قطيعة أو خصام؛ تألم قلبك بقدر ما منحتَهم من الحصص، وبقي لك سائر القلب سليما معافا نابضا بحب الله ولاهجا بشكره على كل حال.

 

فاللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغنا حبك، اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلينا، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندنا، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأهلنا ومن الماء البارد. اللهم آمين

الكاتبة: حفصة اسكندراني.