ألا فتعرضوا لها (1)

أحمد صقر

إنّ من الحَصَافة أن تدرك فهماً وتحيط علماً بالوُفُود والنَفَحَات الربانيّة فإذا ما قاصَّها قلبك فأشكر تلك النعمة بعمل تتلبس به جوارحك يرْضَه الله لك، وتعَجّل بالعمل قبل الأجَل وقبل أن يندم المُفَرِط على ما فعل، ويَسأل الرَجْعَة فلا يُجَاب ما سأل، وقبل أن تَحُول المَنَايا بين المُؤَمِّل وبُلُوغ الأمل.

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

استباق الخيرات وتَحيُّن الفُرص، هَبَّات وهِبَات تَتَنسّم نَفْحها أرواح المُخلَصِين، تُعرَض على قلوبهم فتستبقها، مُقبِلين على ربهم غير مدبرين ليَقين عِلمهم أن الله إخْتَصهم بأيَادِ الإنعام، فَتَسمو بها أنفسهم من الدَنَايا والمَذَمّات، والنقائص والوصَمَات، فيَلحقوا بركب التائبين وقوافل العائدين.

 

ولو دَقَق أحدهم النظر وأنصف في وصف حاله لوجد أنه آبِق من رَبه بسوء صنيعه وإعراضه عنه، حال اختصاصه بالفضل واصطفائه من بين الخلق.

 

ولولا فضل الله ورحمته ما زَكَّاك ولا تزَكّيْت، وما جاهَدْت فيه فاهتَدَيْت، وما أجْلَى وَجْس بصيرتك فعَاينت وَمِيض هُداه في قلبك.

 

ولولا فضل الله ورحمته حين أن رَان الكَرى في عينيك حال يقظة القوم وصحوتهم لَمَد إليك حِبَال غَيّك ولا ترسلت في غفلتك، ولَحَذَوة حَذو كل شيطان وانتهجت سُبُله.

 

ولولا فضل الله ورحمته أن حَبَّبَ إليك الإيِمان وزيَّنه في قلبك فيَمَّمتَه وَجهك ومقصدك، وكنت عاجلاً إليه ليرضى، فلُذت بعَيْش بعد مَنِيَّة.

 

وإنّ من الحَصَافة أن تدرك فهماً وتحيط علماً بالوُفُود والنَفَحَات الربانيّة فإذا ما قاصَّها قلبك فأشكر تلك النعمة بعمل تتلبس به جوارحك يرْضَه الله لك، وتعَجّل بالعمل قبل الأجَل وقبل أن يندم المُفَرِط على ما فعل، ويَسأل الرَجْعَة فلا يُجَاب ما سأل، وقبل أن تَحُول المَنَايا بين المُؤَمِّل وبُلُوغ الأمل.

 

وإنّ الإدبار بعد الإقبال يكسر المؤمن كسراً، ولئن شكرت لازددت فضلاً، ومِن زائدة نعمائه وجميل إرفاده أن يوقع في قلبك كلمة لا تلقى لسماعها بالاً، تأخذ بمجامع فؤادك إلى حيث أرادك، ويهيئ لك أسباب طاعته ومَدْعَاة القُرب منه سبحانه.

 

هَبَّت الرَحَمات على قُلوبٍ مَوَات فأحيَتها *** واختَصَ الله بها من عباده كرماً وحَبْواً

فافطَن لذلك يا ذو الرَجَاحَة عقلاً *** واضْرِب لنَفسِك في ضُرُوب البِر سَهماً

واعمل بها كَدِحاً بالخير مأثَرة *** فالشُكر بالإحسان للإحسان مَقرُبة

 

وأعظم أجراً.